كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
من خلال ما يجري يمكن رصد ما يشبه المؤامرة المبرمجة التي تهدف الى ضرب الاقتصاد اللبناني بكل مفاصله، والقضاء على كل الآمال في امكانية الوقوف مجدداً، وكأنّ المقصود تدمير لبنان من خلال تدمير اقتصاده، والقضاء على احلام اللبنانيين بغدٍ أفضل.
منذ أشهر عدة، كنا تحدثنا عن إستراتيجية مبطنة لكنها واضحة شهدناها في لبنان، وهي إستراتيجية ومشروع تخريبي، وممنهج ومبرمج، يهدف إلى ضرب كل القطاعات الإنتاجية في لبنان، واحداً تلو الآخر، لاسيما تدمير القطاع الخاص اللبناني. وقد لاحظنا كيف بدأ الهجوم المبرمج والممنهج على القطاع المصرفي، ومن ثم إتجهت الأنظار والإتهامات نحو القطاع التجاري، ومن ثم تواصلت الإستراتيجية التخريبية، إلى القطاع السياحي.
كذلك لاحظنا أنّ المشهد يتكرّر حيال القطاعين الصناعي والزراعي، وأخيراً إتجهت الإستراتيجية الخانقة والمبرمجة السوداوية نحو القطاع الصحي والإستشفائي.
كما لاحظنا أيضاً، أنّه بعدما توصّل المغرضون إلى أهداف معينة، حيث بدأت هذه القطاعات الإقتصادية المنتجة تتعب وترضخ وتلين، رأينا كيف إستمرت وتحولت هذه الإستراتيجية المدمّرة من القطاعات إلى الشركات ومن ثم نحو المستثمرين.
ليس علينا أن نكون محامين للدفاع عن أي كان، ولا مدّعين عامين للإدعاء والهجوم، ولا قضاة كي نحكم، لكننا بفخر، لبنانيون ومواطنون شرفاء وأوفياء، نستطيع أن نقرأ بين السطور، ونفهم بسهولة ماذا يحصل من مشروع واضح ومبرمج لتخريب الإقتصاد.
إنّ الهجوم الذي نشهده راهناً على القطاع المصرفي، ليس بريئاً ولا صدفة. لا شك في أنّ القطاع المالي والنقدي، إرتكب أخطاء كثيرة وكبيرة، وعليه مسؤوليات عدة، وإننا مقتنعون أنّ من واجباته أن يُساهم في الخسائر وفي إعادة الهيكلة. لكن، وفي الوقت عينه، علينا ألّا ننسى أو نتناسى، أنّ هذا القطاع حيوي وركن أساسي لإقتصادنا، ويحتوي على أكبر المؤسسات التي تساهم في إعادة النمو، وحماية هذا القطاع تعني حماية المودعين قبل كل شيء.
هذا الهجوم المبرمج والممنهج الذي نشهده يوماً بعد يوم على القطاع المصرفي، والآن على مصارف محدّدة، ومن ثم على المستثمرين، من المؤكّد أنّ له أبعاداً نخشاها ولا نعرف مداها الحقيقي حتى الآن. اليوم، عندما تُضرب سمعة أشخاص يديرون هذه القطاعات، هذا يعني أنّها تُوجّه ضربات قاضية إلى أركان قطاعنا المالي وإفلاسه، والعواقب سيتحمّلها أولاً المودعون، الذين سيدفعون الثمن المباشر، أما المستفيدون فإنّهم كثر.
نذكّر، بإنّ القطاع المصرفي رغم مشاكله وأعبائه، هو الموظف والمستثمر الأكبر، فإذا إنهار هذا القطاع، مثلما يتمنّى البعض، مَن سيأخذ مكانه في التوظيف والإستثمارات والإنماء؟
واقع الحال، نُدرك تماماً أنّه من دون قطاع مصرفي متين، لن نستطيع أن نبني إقتصادنا مجدداً وإعادة النمو وإستعادة نشاط القطاع الخاص اللبناني.
في هذه الهجومات والإدّعاءات الوهمية، الرسالة التي نقدّمها إلى كل المستثمرين، المحليين والإقليميين والدوليين، وإلى المجتمع الدولي، أنّ في لبنان الناجح والمستثمر، مَن يدفع ثمن نجاحاته وإنمائه ومحبته للوطن، والمسؤولون لا يريدون أي إستثمارات ولا مستثمرين، ولا أي توظيف ولا إنماء في لبنان.
لسوء الحظ، إنّ حكام لبنان خسروا ثقة المجتمع الدولي وسائر الدول المانحة، كما خسروا ثقة اللبنانيين في الداخل والخارج. فهذا يعني أنّ الجميع خسر أيضاً ثقته بأي قرار تتخذه الدولة، وأي سلطة فيها، لأنّه بات معروفاً أنّ كل القرارات والإتهامات تهدف إلى أغراض سياسية معينة أو ضغوطات على القطاعات أو الشركات أو الأفراد، وهي من ضمن متابعة الإستراتيجية، التي تهدف إلى ضرب كل القطاعات المنتجة في لبنان، ومهاجمة الشركات التي لا تزال تجاهد، وأيضاً المستثمرين الذين لا يريدون الإستسلام.
ختاماً، نذكّر بفخر، أنّ سرّ نجاح الريادي اللبناني، هو المثابرة، وعدم الإستسلام. وسنبقى نتكلم بصوت عال، ونجاهد كي نحمي القطاع الخاص اللبناني، وكل القطاعات المنتجة، لاسيما الإقتصاد الأبيض، لأنّ تدميره سيفتح المجال للإقتصاد الأسود، وهو إقتصاد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. إن المعركة اليوم مصيرية، بين هذين الإقتصادين، والقرارات والخيارات حاسمة.