يُبْدي عارفونَ بخفايا أزمةِ تأليف الحكومة شكوكاً كبيرة حيال إمكان أن تُفْضي الزيارةُ المفترضة لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لباريس إلى تعبيد الطريق أمام إفراجٍ وشيكٍ عن الحكومة الجديدة المحاصَرة منذ نحو 8 أشهر بـ«زنّار» تعقيداتٍ تتشابك عناصرها الداخلية بالأبعاد الإقليمية لمجمل الواقع اللبناني.
وعشية انتقالِ باسيل إلى باريس، في أول محطة خارجية له منذ فرْض واشنطن عقوبات عليه في نوفمبر الماضي، وسط عدم استبعاد أن يلتقي الرئيس إيمانويل ماكرون، لم تُبْدِ أوساطٌ على بيّنة من الخلفياتِ «العميقة» للأزمة الحكومية تفاؤلاً كبيراً بأن تنجح فرنسا في إذابة «جبل الجليد» الذي يحوط بهذا الملف الشائك والذي لم ينفكّ يزداد ارتفاعاً منذ أن أطلقت باريس في أغسطس الماضي مبادرتَها لحكومة المَهمة (الإصلاحية) من اختصاصيين مستقلّين قبل أن تبرز تباعاً نسخٌ «مخفَّفة» منها في محاولةٍ للنفاذ من «الأفخاخ» الداخلية والإقليمية.
وفي رأي هذه الأوساط أن باريس لا تملك «عصاً سحرية» أولاً لردم الهوة السحيقة بين الرئيس المكلف سعد الحريري وباسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، ولو نجحتْ المحاولاتُ التي أشيع أن ماكرون يبذلها لجَمْعهما في العاصمة الفرنسية، وثانياً لإقامة «عازِلٍ» بين المأزق اللبناني وامتداداته الإقليمية من خارج تفاهمات متعدّدة الطرف تكون إيران، المنهمكة بتوظيف كل أوراق قوتها في الكباش حول «العقوبات والنووي»، جزءاً أساسياً فيها.
وفي رأي هذه الأوساط أن زيارة باسيل، التي لم تؤكدها باريس والتي عُلم أن خيوطها حُبكتْ عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي كان زار فرنسا قبل أيام، تشكّل بالتأكيد معطى مهماً على صعيد تفعيل الاليزيه انخراطه في الملف اللبناني على وقع تلويح وزير الخارجية جان إيف – لودريان أخيراً بتصعيد الضغط على معرقلي تأليف الحكومة، ولكن من دون أن يعني ذلك إمكان الذهاب نحو خلاصاتٍ حاسمة إيجابية لا يملك مفاتيحها بالتأكيد ماكرون عندما يتعلّق الأمر بالتأثيرات المقرِّرة في الوضع اللبناني.
وإذ أشارتْ الأوساط إلى أن أي لقاء بين ماكرون وباسيل (وإن لم يُعلن رسمياً) سيشكّل «تعويماً» ضمنياً لرئيس «التيار الحر» ولو أن غالبية التصويب الخارجي يركّز على أن شروط فريق رئيس الجمهورية هي التي تعترض بالدرجة الأولى استيلاد حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين بلا ثلث معطّل لأي فريق، فإنها دعت إلى رصْد إذا كانت باريس ستسعى فعلياً لجمْع الحريري وباسيل، وهل سيكون ممكناً للرئيس المكلف بهذه الحال «التفلّت» من مثل هذا اللقاء الذي قد يكون رفضه صعباً تماماً كما حصوله، وسط بروز أجواء لدى قريبين من الحريري بأن رئيس «التيار الحر» توسّط لإتمام الزيارة ولقاء الرئيس الفرنسي لاستدراج اجتماعٍ مع الرئيس المكلف.
وبانتظار ما ستحمله الساعات المقبلة على صعيد زيارة باسيل لباريس ومستوى لقاءاته، بدا جلياً أن منسوب التوتر بين الحريري ورئيس «التيار الحر» في أعلى درجاته وهو ما دلّتْ عليه تغريدة النائبة في كتلة «المستقبل» رولا الطبش التي هاجمت باسيل من دون تسميته، كاتبة: «يغازلُ عواصمَ القرار،ّ ولا قرارَ له بزيارتها، بل يَسْتجْديها بوساطاتٍ من هنا، أو أموالٍ من هناك»، ومضيفة: «يَحْشرُ نفسه في أحداثِ المنطقة، وهو بالكاد تفصيل يكادُ لا يُرى. تُرى، ألا يَعلمْ، أنّنا نَعلمْ أنّه واجهة للدُويلة، بسلاحها غير الشرعي وفسادها المَحْمي؟ يَعلمْ».
وجاءت هذه التغريدة غداة موقف ناري لنائب رئيس تيار «المستقبل» مصطفى علوش الذي ردّ على تحويل باسيل موقف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في ما خص ربْط دعم لبنان بحكومة تتبنى أجندة إصلاحية إلى «منصّة» للتصويب على الحريري عبر سؤاله «هل يلتزم الرئيس المكلف والحكومة بالتدقيق الجنائي ووقف سياسة الدعم الهادرة للأموال وتصفير العجز في الكهرباء والموازنة (…) هذا هو الالتزام المنتظر من المجتمع الدولي، فهل مَن يلبّي؟».
ولم يتوانَ علوش عن القول لباسيل: «يبدو أنه أضاف ميزة جديدة لذاته هي البراعة في التملق لمَن لم يتورّع عن أذيتهم والتآمر عليهم على مدى السنوات. ذوو الألباب لا تغريهم كلمات الخداع من فم متخصص بالكذب (…) وحتى لا يختلط الأمر على أحد فولي عهد (عون) هو فرعون الديماغوجي الذي أوصل بلدنا إلى العتمة».
وتأتي «المحاولة الفرنسية» المتجددة وسط أفكارٍ تجري محاولات لبلورتها لبنانياً على الجبهة الحكومية على قاعدة تشكيلة الـ24 وزيراً الموزعين وفق صيغة 3 ثمانيات أي بلا ثلث معطّل ظاهرٍ، وهي المحاولات التي يشكل محورها رئيس البرلمان نبيه بري ولا تزال أسيرة مخاوف من «قطب مخفية» أبعد من مطلبيْ الإعلان الصريح من فريق عون بالتخلي عن مطلب الثلث زائد واحد ومن الرئيس المكلف بالقبول بتوسيع الحكومة من 18 إلى 24، وتجعل تفاصيل توزيع الحقائب واحتساب «متممّات» كل ثلث ونوعية الحقائب وآليات تسمية الوزراء ألغاما حقيقية، ناهيك عن الحاجة إلى فهْمٍ أوضح لهامش التراجعات الممكنة حكومياً بما يوفّق بين توفير عناصر التسوية داخلياً وبين إقناع المجتمع الدولي بأن شيئاً ما تغيّر على صعيد نهج التعاطي في ما خص ملفات الفساد وإدارة الدولة وترْك «حزب الله» يستفيد من المؤسسات وبنى تحتية ومرافق بحرية وبرية لتمكين نفوذه وفق ما كانت واشنطن جاهرتْ مراراً.
وإذ تشهد بيروت في اليومين المقبلين حركة عربية في اتجاهها مع ترقب وصول الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي بعد غد، وسط معلومات رجحت زيارة وزير الخارجيّة المصري سامح شكري غداً، حاملاً رسالة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إطار مهمةٍ تتصل بالأزمة الحكومية، لم يكن ممكناً وفق الأوساط المطلعة القفز فوق معاني موقف وزير الخارجية السعودي الذي ظهّر بلا أي لبس في إطلالته عبر «سي أن أن» مقاربة الرياض للواقع اللبناني التي لا ينفصل فيها «الإصلاح السياسي والاقتصادي» في غمزٍ من قناة نفوذ «حزب الله»، قبل أن يبلور أكثر موقفه باعتباره أن «الستاتيكو» القائم لم يعد قابلاً للاستمرار، مؤكداً أن «المملكة لا تشعر بأنه من المناسب الاستمرار بدعم الوضع الحالي الذي قدم لاعباً غير حكومي، أي (حزب الله)، يتمتع بحكم الأمر الواقع وحق الفيتو على كل ما يجري في البلد ويسيطر على بنيته التحتية الرئيسة»، مع تأكيد أن الرياض مستعدة لدعم أي شخص في لبنان سيتمكن من تبني أجندة إصلاحية و«مستعدّون للوقوف خلف لبنان ما دامت الطبقة السياسية هناك تتخذ خطوات حقيقية لمعالجة المشاكل التي يواجهها البلد».
https://www.alraimedia.com/article/1529237/خارجيات/العرب-والعالم/هل-تغرق-باريس-في-الرمال-المتحركة-اللبنانية