كتب أدهم مناصرة في “المدن”:
“قلبي وروحي إسرائيليان ولكن أريد أن أنقذ لبنان”.. بهذا العنوان الانتهازي، ارتأت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن تلخص ما نطق به اليهودي من أصل لبناني الذي اختصرت اسمه بالرمز “ك” من غير الكشف عن كامل هويته، التزاماً بالسرية التي تحيط بمجنّدي وحدة الاستخبارات الإسرائيلية “8200”.
تمزج الصحيفة العبرية المقربة من زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، بين أسلوب السرد والحوار؛ رغبة منها في توجيه مادتها “الصحافية” الدعائية بشكل مُحكم.. فتصف عضو الاستخبارات البالغ من العمر 39 عاماً، قائلة: “هذا الوطني اللبناني واليهودي والإسرائيلي يحلم بالعودة إلى الوطن”.
تُحاول الصحيفة العبرية “أنسنة” العنصر “ك” عبر تسليط الضوء على طفولته في العاصمة بيروت، وحنينه للعودة إليها حينما تسنح الظروف ليكون “أول الذاهبين إلى هناك”؛ كي “يتجول في الحي الذي نشأ فيه، ويلتقي بجيرانه وأصدقائه القدامى، ويجلس في المطاعم، ويقضي الإجازات في الشمال كما كان يفعل عندما كان طفلاً”.
بحسب سردية “ك”، هو لم يعتقد يوماً أنه سيخدم في الجيش الاسرائيلي.. وقد ترك لبنان برفقة والديه وشقيقاته نهاية عام 1993، للعيش في فلسطين المحتلة حينما كان عمره 12 عاماً. ويضيف ان والده “هاجر إلى تل أبيب لأنه مؤمن بالصهيونية”. ويقول أنه متزوج الآن ولديه فتاتان تبلغان من العمر 8 و 3 سنوات.
لم تُخفِ الصحيفة اليمينية التي حاورت الشاب اليهودي القادم من لبنان، أن وحدة الاستخبارات “8200” وجدت ضالتها في انضمامه إليها؛ إذ قالت الصحيفة إن “الوحدة أدركت أنهم حصلوا على جوهرة”. وهو ما يعني أن أعلى وحدات الاستخبارات الاسرائيلية تهتم بشاب يهودي انتماؤه صهيوني وبالوقت نفسه عاش في لبنان ويعرفه من الداخل وليس من الكتب، ويجيد اللغة العربية ويعرف الثقافة اللبنانية جيداً. وهذا ما أهّله لأن يتسلم مهمة “تحليل شفرات الرسائل والبيانات وما يمكن أن يجول في بال حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله سواء تكلّم أو صمت”.
وتُقدم صحيفة “إسرائيل اليوم” نبذة عن والد “ك”، فتقول إنه كان بائعاً ناجحاً في لبنان وكانت والدته ربة منزل. يتذكر طفولة عادية وسعيدة لعائلة “عادية”: “والدان مع أربعة أطفال ، ك. وشقيقاته الثلاث”.
وتلعب الصحيفة العبرية على وتر تقسيم الشعب اللبناني وإثارة النعرات والطائفية، حينما تنقل عن العنصر “ك” قوله: “عشنا بين المسيحيين ودرست في مدارسهم، لكننا حافظنا على حياتنا اليهودية.. لم يحب والدي الذهاب الى الجنوب وكان والدي يتجنب الذهاب إلى المناطق الشيعية في بيروت”.
وكشف العنصر “ك” أن والده أثناء مكوثه في بيروت، كان يعتاد على إجراء زيارات لاسرائيل بمناسبات معينة إبّان الثمانينيات؛ إذ كانت العائلة اليهودية تستقل سيارتها جنوباً إلى الحدود، ويعبرون رأس الناقورة. وعندما تنتهي الإجازة، يعودون إلى بيروت. وكان والده الوحيد في العائلة الذي يتحدث العبرية في ذلك الوقت.. ولمّا بات تنقّلهم بين إسرائيل وبيروت صعباً نهاية الثمانينيات، حسمت العائلة قرارها بالانتقال الى إسرائيل، خصوصاً وان ثمة نزعة صهيونية في قلب الوالد المتديّن، وربما رغبته في تنشئة أبنائه بالفكر الصهيوني بعمر مناسب وهم صغار.
تم تجنيد “ك” في الوحدة “8200” وهو بعمر 19 عاماً، حيث تلقى التدريب وعمل فني راديو؛ أي كان يستمع إلى المكالمات ويحلل البيانات ويبعث الرسائل في ما يخص العمل الاستخباراتي.
وتحولت صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أسلوب “سؤال وجواب” لإضفاء الإثارة في حوار العنصر الاستخباراتي السرّي، فتسأله عما إذا كان يفتقد لبنان، ثم يجيب: “والدي يفتقده كثيرا. في الصيف الماضي مع الانفجار في مرفأ بيروت، كان أول شيء فعلته هو الركض لمشاهدة المحطات التلفزيونية اللبنانية لمعرفة ما كان يحدث، ثم اتصلت بوالدي. كان من الصعب عليه استيعاب الواقعة، فقد كانت طفولته هناك.. حيث الذكريات”.
وبحسب “ك”، فإن والدته توفيت قبل ثماني سنوات، ويعيش والده في مدينة حولون داخل الخط الأخضر. فيما تحافظ شقيقاته على التقاليد اللبنانية، وخصوصاً في ما يتعلق بالمأكولات. يُكلّم والده بطريقة “نصف عبري ونصف عربي”.
لكنّ عنصر الاستخبارات بدا تائهاً ومتناقضاً. فتارة يتحدث عن حنينه إلى لبنان، وتارة اخرى يفاخر بحظه هو وعائلته بمغادرة هذا البلد، تحت مبرر “انه بات دولة فاشلة مليئة بالفوضى بسبب حزب الله” كما يقول. كما أنه حاول إخفاء “أزمة الهوية” التي تلاحقه والعنصرية التي مارسها يهود غربيون حياله خصوصاً في بدايات العيش هناك.
ويروي “ك” حكاية هويته: “منذ فترة طويلة ميزت بين كوني لبنانياً وإسرائيلياً. لا أعتقد أنني أؤذي لبنان بأي شكل من الأشكال. أعتقد أنني أفعل الخير لهم”. على هذا النحو لم يعد يخفي هويته حسب ادعائه؛ إذ يقول: “كنت أخفيها. اليوم أرفع رأسي عالياً. أنا ك.. يهودي لبناني. كان شعوري عندما أتيت إلى هنا- العار، الرغبة في التصرف وكأنني ولدت هنا وليس هناك – لكن هذا ذهب”.
وحاول أن يثبت ذوبانه بإسرائيل عبر أدائه في وحدة الاستخبارات، حيث عمل على الساحة الفلسطينية، لكن معظم خدمته أنفقت في التعامل مع الساحة اللبنانية، وكان منخرطاً في حرب تموز عام 2006.
وبما أن “ك” هو عنصر استخبارات، فهو لم يتردد في الإقرار بـ”ذكاء حزب الله وتعلمه الدروس”. لكنه يعتقد أيضاً أن “حزب الله يدرك قوتنا وقدرتنا”.. معتبراً أن معرفته بالحزب هي حميمة، لدرجة أنه ساهم في إحباط هجمات لحزب الله في السنتين الأخيرتين. علاوة على أنه قاد فريقاً في عملية “درع الشمال” ، والتي كشفت وحيّدت الأنفاق الهجومية العابرة للحدود التي حفرها الحزب، وفق زعمه.
وتابع: “مهمتنا هي البحث دائمًا عن نية للهجوم، سواء تحدث نصر الله إلى وسائل الإعلام أم لا. نعم، نحن نبحث عن الإبر في كومة قش. الأمر ليس بسيطًا. لكننا نعلم العمل”.
أحد الاسئلة الذي طرحته الصحيفة على هذا الثلاثيني بصفته اللبناني الوحيد الذي يخدم في الوحدة الاستخباراتية السرية هو: “من المحتمل أن يُترجم هذا المقال إلى اللغة العربية وينشر في لبنان؟”.. ثم أجاب: “هذا لا يزعجني. أنا هنا لحماية بلدي. فليترجموا”. ثم يتطرق إلى الاتفاق “الإبراهيمي” الذي أفرز تطبيعاً اسرائيلياً مع دول عربية بالاشهر الاخيرة، مشدداً على “انه تمنى لو أن التطبيع يحصل مع لبنان أيضاً”.