كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
تُظهر مقولة رئيس الجمهورية ميشال عون بعد تهنئته البطريرك الماروني بشارة الراعي بعيد الفصح المجيد «أن حل أزمة تشكيل الحكومة والخروج من النفق المظلم، تنتظر عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من الخارج»، أقصى درجات الاستخفاف بعقول اللبنانيين ومحاولة يائسة لتملص الرئاسة الأولى من التسبب باستمرار الأزمة الحكومية المستفحلة والسعي الدؤوب لالصاقها زوراً بالرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة.
ما قاله عون في بكركي مستغلاً مناسبة التهنئة بالعيد، أسلوب مفضوح لامتصاص نقمة النّاس العارمة عليه وعلى فريقه السياسي والتهرب من المسؤولية الثابتة عليه بعرقلة واطاحة جميع المساعي والوساطات المبذولة لحل الأزمة والتحجج بذرائع وعناوين ظاهرها شعارات طائفية لدغدغة مشاعر المسيحيين وباطنها تحقيق الامتيازات والمنافع الشخصية لصهره، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، كما أصبح معلوماً لدى معظم اللبنانيين، غير آبه بما اوصل إليه نهج المنافع الشخصية هذا وسياسة تعطيل تشكيل الحكومة، البلاد من انهيار مالي واقتصادي ومعيشي واجتماعي، بات استمراره على هذا النحو، يُهدّد أواصر الدولة والكيان معاً.
فلو إفترضنا أن ما قاله عون صحيحاً وسعيه لربط استمرار الأزمة بسفر الرئيس المكلف إلى خارج لبنان وهو ليس كذلك على الإطلاق، ولديه من الأفكار والصيغ الإيجابية التي تشجّع بالفعل على المباشرة بحل أزمة تشكيل الحكومة والخروج من النفق الأسود كما سماه هو، فهذا يطرح أكثر من تساؤل واستفسار، أولها، لماذا لم يباشر تواصله مع الرئيس المكلف الذي كان موجوداً في لبنان قبل أيام معدودة لمقاربة الحلول المطروحة، وإذا كانت استجدت هذه المعطيات «الخلاقة» لدى رئيس الجمهورية بعد سفر الحريري إلى الخارج، ألا يتطلب الأمر تأمين تواصل سريع معه بأي وسيلة ممكنة، مباشرة، أو بواسطة سياسيين تجمعهم علاقات مشتركة مع الجهتين معاً، أو حتى بارسال رسالة عبر الدراج الشهير، ناقل «مسودات» صيغ التوزيع الوزاري الثلاث التي كانت إحدى مسببات زيادة التباعد والخلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة.
ما قاله عون في بكركي أسلوب مفضوح لامتصاص نقمة النّاس عليه وعلى فريقه السياسي
فالرئيس المكلف كان موجوداً في بيروت وهو عائد إليها، وكان بالإمكان طرح المعطيات الإيجابية التي تمهد للخروج من الأزمة أثناء وجوده ولكن كل ما قامت به الرئاسة الأولى وفريقها المعني، يناقض كلياً مقولة رئيس الجمهورية، ولا يتلاقى مع ادعائه بأن حلحلة الأزمة تنتظر عودة الرئيس المكلف من الخارج، بل يزيد من عقبات وعراقيل تشكيل الحكومة، بأساليب مبتذلة جديدة، تعكس الامعان بطرح الشروط والمطالب التعجيزية في طريق مهمة الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة وليس عكس ذلك على الإطلاق.
لا يقتصر كلام رئيس الجمهورية في بكركي على محاولة تحميل الرئيس المكلف مسؤولية استمرار أزمة تشكيل الحكومة لسفره خارج البلاد في هذه المرحلة الصعبة فقط، بل يعكس الانحدار المؤسف بالاداء الرئاسي إلى مستوى لم يبلغه من قبل وإلى الهشاشة الفاضحة وحالة الفراغ المخيف في تحمل مسؤولية ادارة الدولة وشؤون المواطنين، وهو ما اوصل البلد الى حالة الفوضى والانهيار وتحلل المؤسسات والإدارات العامة في كل مفاصلها، ما يتسبب بزيادة الضائقة المعيشية وحالة العوز التي باتت تعمّ معظم اللبنانيين حالياً.
فهذا الاسلوب الرئاسي الممجوج برمي مسؤولية أزمة تشكيل الحكومة، كما مسؤولية الأزمة المالية والاقتصادية، وأزمة تردي قطاع الكهرباء، على خصوم الرئاسة و«التيار العوني» ليست مستجدة أو ظرفية، بل هي سياسة متأصلة في الاداء الرئاسي منذ توليه سدة الرئاسة ومتواصلة حتى اليوم، وترمي إلى التهرب من النتائج الفاشلة والعاجزة في ممارسة السلطة ومحاولة مكشوفة للهروب دائماً إلى الامام تحت حجج وذرائع مزيفة لاخفاء الحقائق والتلطي وراء الأكاذيب والاوهام.
والاهم في خلاصة كلام رئيس الجمهورية بالمعايدة بالفصح اشارته إلى صعوبة الوضع الذي تمر بها البلاد من خلال تشبيهه الوضع الحالي بالنفق المظلم، ما يعني بالتالي ان الأزمة طويلة وتزداد تعقيداً وان كل ما يقال ويتردد عن التوصّل إلى حلول وسطية أو تسويات، يبقى مجرّد أقاويل وخبريات في الإعلام، خلافاً لما كان ينتظر من مواقف مبشرة يطلقها رئيس الجمهورية بمناسبة الفصح بعدم تمسكه بالثلث المعطل بأي تشكيلة وزارية، ما يفتح الباب امام الصيغ الوزارية المقبولة، ويبشر بانتهاء أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، ويؤشر إلى بداية انفراجات مالية واقتصادية ينتظرها اللبنانيون.
لذلك، لم يكن صدفة ما قاله بأن الخروج من النفق المظلم ينتظر عودة الرئيس المكلف من الخارج، بل هو من وحي سياسة زيادة التباعد ووضع مزيد من العراقيل والمطبات التي انتهجها الفريق الرئاسي منذ تكليف الحريري برئاسة الحكومة لاعاقة مهمته بدل انتهاج سياسة تقارب مغايرة، تعطي الآمال للبنانيين بإمكانية الخروج من نفق رئيس الجمهورية الأسود في وقت قريب.