كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
من على خشبة مسرحه قاد المخرج الكاتب والممثل المبدع جورج خبّاز ثورة حقيقية تجاه النظام والمجتمع، فعكست أعماله وجع اللبناني بإبتسامة وراءها ألف دمعة. خبّاز الذي يحرّض على العيش بسلام، يختصر بناء الوطن بتنشئة جيل على الإنسانية أوّلاً.
مسرح جورج خبّاز إن حكى اليوم ماذا يقول ولمن؟
أحكي من الإنسان إلى الإنسان، أحرّض لنستطيع العيش بسلام وإنسانية أكثر.
يحكي مسرحك يومياتنا، مشاكلنـــــــــا، خيباتنا وطموحاتنا، بغلاف كوميدي وقالب أسود، برأيك السواد الأكبر الذي نعيشه اليوم ممكن التعبير عنه بمسرح كوميدي؟
العبثية التي نعيشها مضحكة مبكية في آن. نحن شعب توّاق إلى الفرح، و”النكتة” كما يقولون تحت إبطنا. فإذا أردت أن أكون صادقاً تجاه بيئتي، خصوصاً أن الفنان إبن بيئته، يجب أن أظهر هذا التناقض، أي المضحك المبكي، الذي يشبه وجه اللبناني، المبتسم في الظاهر، والحابس لدمعته في عينه. إنما تبقى إرادة العيش عنده فوق كل إعتبار. هذا التناقض لدى اللبناني بخاصّة والعربي بعامّة، سينعكس على المسرح، لذا أقدّم الكوميديا السوداء، التي قالبها أسود إنما مقاربتها كوميدية.
المفكّرون والمثقفون والفنانـــــــــــون المثقفون، هم عادة من دعاة التغيير والثورة على الأنظمة خصوصاً المستبدّة والظالمة، كيف تفسّر تحوّل معظمهم إلى ملحقين بدلاً من أن يكونوا القادة والقدوة؟
بداية، لا يمكن توصيفهم بالملحق أو القدوة. برأيي لم يتحولوا جميعاً إلى ملحقين، لأن كثيرين لا يزالون قدوةً. الناس أنواع: منهم مثقفون عن حقّ، وآخرون يدّعون الثورة، وبعضهم يترقّب ويتخوّف من المستقبل. فلو التغيير مكفول، وكذلك هويّة المسؤولين الآتين في مرحلة التغيير لكنّا توجّهنا جميعنا نحو الثورة. إنما يجب أن تكون هناك خطّة تغيير وألا تقتصر الأمور على ثورة حكي وإنفعالات. يجب أن ترافق الثورة حلول، والحلول غير متوافرة صراحة.
لو كنت قائد ثورةٍ حقيقيةٍ، ما هي النقاط الأساس التي كنت طالبت بها؟
التربية، والتربية ومن ثم التربية، في المنازل والمدارس والجمعيات والأخويات والحياة الكشفية. التربية الإنسانية أوّلاً. لا يمكن بناء مجتمع سليم من دون تربية جيل صحيح على الإنسانية والإنفتاح والبعد الإنساني الحقيقي.
نتّفق إذاً على الإهمال الرسميّ للتربية والثقافة والفنّ في لبنان، وأن أي إهتمامٍ من قبل المدارس والجامعات، يأتي من ضمن مبادرة فردية؟
لطالما كان لبنان قائماً على المبادرات الفردية وعلى إجتهادات خاصة في ظل اللادولة. وما كنّا نظنّه دولة في عزّ السلم، ما هو إلا دولة مفبركة، مركّبة قائمة على رمال متحرّكة. لهذا السبب نجد أن اللبناني قوي كفردٍ، لكنه فاشل في إطار الجماعة.
ألا تعزو هذا الإهمال الرسمي إلى الأزمات المتتالية والمتراكمة في البلد؟
طبعاً، كما أرى أن الأزمات الكبيرة مفبركة أيضاً لأنه ممنوع على لبنان الراحة. فإذا إرتاح شكّل خطراً على كل محيطه.
يستذكر الشعب جريمة 4 آب بوجعٍ كبير لكنه متراخٍ تجاه قضيّتها، كيف تفسّر هذا الإنفصام بين الشعور والفعل؟
هذا ليس تراخياً شعبياً بل إستسلام. جميعنا نسعى إلى معرفة الحقيقة وأن ينال أهالي الضحايا حقّهم المعنوي والمادي. إنما، كيف يتحقق ذلك؟
فهل يمكن أن يعاقب المجرم نفسه؟ لذلك أرى أن جريمة 4 آب هي نتيجة تقاعس ليس السلطة فحسب، بل تقاعسنا نحن كشعب. لأن السلطة في النهاية إفرازٌ من الشعب، وكما تكونون يوّلى عليكم. نحن نحصد ما نزرع، لذا نحصد للأسف الويلات كوننا غطسنا في الحقد والأنانية والمحسوبيات والمصالح الشخصية ما يسبب لنا هذه الأزمات المتتالية.
إن أردت مداواة جرح 4 آب؟
لا يمكن مداواة هذا الجرح الذي سينزف طول العمر، بسبب شعورنا بالذنب، فنحن نسبب أزماتنا بطريقة غير مباشرة. أنا لا أحمّل المسؤولية إلى الشعب وحده، لأن ثمة أنظمة فرضت عليه هذه الذهنية التي تفرز هذه الطبقة. ولن تتغيّر هذه الانظمة إلا بتربية جيل جديد يتمتّع بمواطنية وإنسانية أولاً، لأن المواطنية من دون إنسانية لا تصمد.قبل بدء جائحة كورونا والأزمات، شهد المسرح اللبناني حركة ناشطة ونوعيّة، برأيك ما نمرّ به سينعكس سلباً على مستقبله أم سينهض سريعاً فــور إنتهاء الأزمات؟
رغم مرور أزماتٍ عبر التاريخ، حروب وأوبئة ومصائب كونية، لم يتأثر المسرح يوماً. لأنه منذ تأسيسه لم يكن منبراً ثقافياً وفكرياً وفنياً وترفيهياً فحسب، بل حاجة إنسانية للتواصل مع الذات والآخر، وللبحث في عمق النفس البشرية. عندما انطلقت السينما ظنّوا أنها ضربت المسرح، لكنه إستمر، وكذلك عند انطلاق التلفزيون والإنترنت. صحيح أن نشاطه يخفّ أو يتوقّف لفترات، لكنه لا يموت أبداً كونه يبقى في الذاكرة وفي الحاضر ويبني للمستقبل.
إقفال المسرح حالياً فرصة لعودتك إلى التلفزيون والسينما؟
بسبب تفرّغي للمسرح بين التحضير والعرض، وما يسببه ذلك من تعب ذهني وجسدي، رفضت سابقاً عروضاً كثيرة تلفزيونية وسينمائية. ولكن بعدما توقّف المسرح، إلتزمت بعمل تلفزيوني في إطار الكوميديا السوداء، مع شركة “الصبّاح” التي أعتزّ بها، لأنها شركة محترمة جداً لها ماضيها في الإنتاج الدرامي وحاضرها ومستقبلها واعد. وعلى صعيد السينما، صوّرت النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير “perfect stranger”. اشترى حقوقها محمد حفظي، جان لوكاس شقرا وماريو حداد، من إخراج وسام سميرا. صوّر الفيلم في موقع واحد وهو يضمّ 7 ممثلين: “المبدعة نادين لبكي، الصديق عادل كرم، النجمان المصريان إياد نصّار ومنى زكي، ديامان بو عبّود وفؤاد يميّن وأنا. برأيي سيترك أثراً في مسيرة السينما اللبنانية.
خطّطت لمشروع مسرحي غنائي ضخم من ضمن فعاليات مهرجان الصيف، فما مصير مشاريعك في حال طالت الأزمات؟
المشاريع قيد الإنتظار لكنها موجودة. كما يضع الإنسان مجوهراته في الخزنة، وضعت مشاريعي في خزنتي، سيكون لكل مشروع توقيته المناسب. سنقف مجدداً معنوياً وصحيّاً وجسدياً ومادياً لإكمال المسيرة، لأن لبنان مثل المسرح، يمرّ بمطبّات عدّة، لكنه لا يموت كونه حاجة إنسانية لكل المحيط.