وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون كلمة للبنانيين، تحدث فيها عن مسار التدقيق الجنائي.
وقال: “عقد الثلثاء اجتماع بين ممثلي عن وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان وشركة ألفاريز ومارسال من دون التوصل الى نتيجة ملموسة وتقرر عقد اجتماع آخر يوم الجمعة”، مذكرًا: “قبل عودتي الى لبنان عام 2005 كنت مدركاً لخطر الانهيار المالي، وعندما أصبحت نائباً ورئيسا لتكتل نيابي طالبت بإلحاح بإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وبإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المالية، لكن المطلبين وُضعا في الأدراج. وبعدما انتخبت رئيساً للجمهورية، حاولت على مدى ثلاث سنوات ومن دون نتيجة أن أفتح باب التدقيق الجنائي لأحمي ودائع الناس. كانت الأزمة المالية والنقدية تتفاقم وبدأت في تموز 2019 مؤشرات الانهيار وانكشف الوضع في 17 تشرين أول من العام نفسه”.
وتابع: “حكومة الرئيس حسان دياب كلفت في 26 آذار من العام الماضي، وزير المال غازي وزني باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان بهدف معرفة أسباب التدهور المالي وكشفها. كانت الشكوك تتأكد يوماً بعد يوم بأنّ حسابات المصرف المركزي غير شفافة ولم يكن يعرف حجم النقص في الاحتياط بالعملات الأجنبية وهو نقص كانت تتم تغطيته من أموال المودعين خلافاً للقانون. لقد منعت الحجج الواهية مجلس الوزراء من تكليف شركة krol العالمية بإجراء التدقيق الجنائي، وبعد جهود كثيفة وافق مجلس الوزراء على تكليف شركة ألفاريز ومرسال. وفُوّض وزير المال بتوقيع العقد معها وكان ذلك في 1 أيلول 2020 أي بعد أكثر من خمسة أشهر على صدور قرار مجلس الوزراء. وجهت ألفاريز ومارسال بواسطة وزير المال 133 سؤالاً لمصرف لبنان الذي أجاب عن 60 منها ورفض الإجابة على البقية إمّا بحجة أنّها مخالفة لقانون النقد والتسليف أو لأن لا جواب لديه. وفي 20 تشرين الأول من العام الماضي جدّدت الشركة توجيه الأسئلة لمصرف لبنان وبقيت من دون جواب”.
وأضاف: “واجه التدقيق الجنائي عراقيل عدة كنا نفككها تباعاً. تذرعوا بأن قانون السرية المصرفية يمنع التدقيق فوجهت رسالة الى المجلس النيابي وكان جوابه أن حسابات المصرف المركزي خاضعة للتدقيق الجنائي. ذهبنا أبعد من ذلك، فأقر مجلس النواب قانوناً يقضي بتعليق العمل بقانون السرية المصرفية لمدة سنة استمرت العرقلة في تنفيذ التدقيق المالي الجنائي الى أن اعترف وزير المال من بضعة أيام أنّ المصرف المركزي يمتنع عن الإجابة على عدد كبير من أسئلة شركة الفاريز ومارسال
وأردف: “لقد صار واضحاً أنّ هدف المماطلة في تنفيذ قرار الحكومة هو دفع الشركة الى اليأس لتغادر لبنان وتوقف بالتالي التدقيق الجنائي ويفلت المجرمون من العقاب. أيها اللبنانيون، إنّ سقوط التدقيق الجنائي يعني ضرب المبادرة الفرنسية، لأنّ من دونه لا مساعدات دولية ولا مؤتمر سيدر ولا دعم عربي وخليجي ولا صندوق دولي. إن التدقيق الجنائي هو المدخل لمعرفة من تسبب بوقوع جريمة الانهيار المالي في لبنان”.
وأشار إلى أن “التدقيق الجنائي ليس مطلباً شخصيا لرئيس الجمهورية بل هو في صلب المبادرة الفرنسية ومطالب صندوق النقد الدولي وهو قبل كل شيء مطلب اللبنانيين جميعاً. التدقيق الجنائي هو للمودع الذي سُرقت ودائعه من المصرف وتبخّر جنى عمره. التدقيق الجنائي هو للمريض المنتظر عند باب المستشفى ولا يملك المال لدخولها ويقال له إن أموالك محجوزة. التدقيق الجنائي هو للطالب الذي سافر لتلقي العلم وانقطع عنه فجأة تحويل الأموال من أهله. التدقيق الجنائي هو للأهل الذين ما عادوا قادرين على تأمين مصروف العائلة بسبب الانهيار وتدهور قيمة العملة الليرة. التدقيق الجنائي هو للمتقاعد الذي كان يتكل على تعويضه في البنك ليمضي بقية عمره بكرامة..
وقال: “أيها اللبنانيون أقول لكم: بإمكانكم أن تختلفوا معي سياسياً لكن ستجدونني دائماً الى جانبكم بالحق أتقدمكم في معركة كشف أكبر عملية نهب بتاريخ لبنان فكونوا معي أيها اللبنانيون، ضعوا خلافاتكم السياسية جانباً، وثقوا بأننا لن ندعهم يسرقون الشعب ويقهرون أمّاً ويذلون أباً ويهينون مريضاً… لن ندعهم يسقطون التدقيق الجنائي أو يقضون على الدولة والشعب والتاريخ والمستقبل. أما للقيادات السياسية وغير السياسية أقول: مسؤوليتكم كبيرة أمام الله والشعب والقانون، وما كان ليحصل ما حصل لو لم توفروا أنتم بالحد الأدنى الغطاء للمصرف المركزي والمصارف الخاصة ووزارة المال”.
وتوجه للمصرف المركزي بالقول: “أنت تتحمل المسؤولية الأساسية لأنك خالفت قانون النقد والتسليف وكان لزاماً عليك أن تنظم العمل المصرفي وتأخذ التدابير لحماية أموال الناس في المصارف وتفرض معايير الملاءة والسيولة. وللمصارف قال: مسؤوليتكم واضحة ولا يمكن لكم أن تهربوا من الحقيقة… الناس أودعوكم أموالهم، وأنتم تصرفتم بها بعدم مسؤولية طمعاً بالربح السريع ومن دون ” توزيع مخاطر” على ما تقتضيه أصول المهنة جميع الحكومات والإدارات والوزارات والمجالس والهيئات مسؤولة عن كل قرش أُهدر عبر السنوات، وجميعها يجب أن يشملها التدقيق الجنائي”.
وتوجه عون للدول التي تدعي التضامن مع اللبنانيين وتطالب بالشفافية في المركزي وسائر القطاع المصرفي وبالإصلاحات المالية والنقدية قائلًا: ساعدونا على كشف عمليات تحويل أموال أخذت بعد 17 تشرين الأول 2019 طابع التهريب المالي، هذه الأموال هي بالعملات الأجنبية وتحولت من لبنان الى مصارف معروفة بالعالم. عمليات تحويل الأموال إلى الخارج بعد 17 تشرين لا يمكن أن تُخبأ… واذا توفر القرار، فنحن قادرون على معرفة من حول أموال اللبنانيين الى الخارج، وقادرون على التحقيق والتدقيق لنكشف ما اذا كانت هذه الأموال نظيفة، وكيف حصل عليها أصحابها، وهل من إمكانية لاسترجاعها. إنّ التدقيق الجنائي هو البداية، ولعل هذه المعركة أصعب من تحرير الأرض لأنّها معركة ضد الفاسد و”الحرامي”، وهما أخطر من المحتل والعميل فمن يسرق أموال الناس يسرق وطناً”.
وختم: “انتبهوا، إنّ إسقاط التدقيق الجنائي هو ضرب لقرار الحكومة التي أدعوها لعقد جلسة استثنائية واتّخاذ القرار المناسب لحماية ودائع الناس، وكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات تمهيداً للمحاسبة واسترداد الحقوق”، متابعًا: “أنا ميشال عون رئيس الجمهورية، انا ميشال عون الجنرال الذي تعرفونه، أناديكم، لا لتكونوا معي، بل لتكونوا مع أنفسكم ومع مستقبل أولادكم. فدعونا نكتشف معاً الحقائق لنسترجع الحقوق، “ولاحقين نختلف بالسياسة” نعم للتدقيق الجنائي كي تعيشوا ويعيش لبنان”.