كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
ببيان مكتوب ختم وزير خارجية مصر سامح شكري زيارته الى لبنان. يوم كامل امضاه مستطلعاً اجواء المسؤولين في ما يتعلق بتشكيل الحكومة. أكد “ان مصر مستمرة ببذل كل الجهود للتواصل مع كل الجهات للخروج من الازمة”، لكن بدا واضحاً ان التواصل جاء ناقصاً باستثنائه من اللقاءات “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وهما الجهتان الفاعلتان في الحكومة ولو زار بعبدا وعين التينة، فهذه لا تلغي تلك، بدليل ان الانطباع الذي خلفه من الزيارة جاء ليؤكد من وجهة نظر قوى فاعلة في “8 آذار” ان “مصر تحاول خلق محور سياسي قوامه سعد الحريري واعادة تجميع قوى 14 آذار وقد حضر موفدها محملاً مسؤولية التعطيل الى “حزب الله” والتيار الوطني الحر”.
خلال زيارته بعبدا أصر وزير الخارجية المصري سامح شكري على تأكيد وصوله قادماً من فرنسا وتحدث باسم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على قدر ما تحدث بإسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مسعى لتزخيم مسعاه واعطائه بعداً دولياً. لكن شكل الزيارة أشار الى مضمونها. حدد مواعيده على الشكل التالي: استبعد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي يمارس مهامه ولو كانت حكومته مستقيلة، وحصر اللقاء بمن يمثل الشارع السني بالمعنى الانتخابي النيابي اي “دولة الرئيس سعد الحريري” كما وصفه، وصار الرئيس المكلف هو الاساس مقابل استبعاد دياب.
لم يلتق وزير الخارجية لولا حضوره في بعبدا، وبالمقابل قرر الاجتماع بالموقع الدستوري الشيعي اي رئيس مجلس النواب نبيه بري واستبعد الموقع السياسي الوازن الثاني اي “حزب الله”، واستبدل لقاء جبران باسيل الذي يمثل تكتلاً نيابياً مسيحياً وازناً باستقبال رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ورئيس حزب “الكتائب” النائب المستقيل سامي الجميل في فندق الموفينبيك، وأجرى اتصالاً مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع نظراً لإصابته بكورونا، كما التقى رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في كليمنصو.
أما في المضمون، فقد اوحى لمن التقاهم وزارهم انه يتحدث باسم الرئيسين المصري والفرنسي، مشدداً على التكامل بين البلدين في ما يتعلق بلبنان وملف تشكيل الحكومة، وكرر الحديث عن اتفاق الطائف والدستور كمرجعية. بدا مما قاله في جولاته على المسؤولين وكأنه داخل في لعبة تشكيل الحكومة عن قرب ولم يتردد في دعم رئاسة الحريري لتشكيل حكومة من الاختصاصيين. وإذ اكد قلق بلاده على لبنان، مرر في سياق كلامه نوعاً من التحذير المتكرر اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. وفي بعبدا شرح رئيس الجمهورية ميشال عون للزائر المصري الموضوع الحكومي بتفاصيله “وتعاطي الرئيس المكلف وانقطاعه عن التواصل”.
مصادر لبنانية شاركت في اجتماعات المسؤولين مع شكري استشفت وكأن مصر تنوي الدخول الى لبنان من بوابة ترتيب اصطفافات معينة بدليل استثناء لقاءاته عدداً من القوى الفاعلة والوازنة في ملف الحكومة، واذا كان المسؤول المصري تجاهل متعمداً لقاء “حزب الله” فقد كان لافتاً ان “حزب الله” اعتبر أنّ الزيارة أتت لتقول إنّ مصر تؤيد الحريري وتتهم “حزب الله” وباسيل ضمناً بالتعطيل. وبالنسبة الى “حزب الله” فهو يرى أنّ “مصر ليست وسيطة ولا دور لها، وقد حضرت إلى لبنان في مسعى لاكمال الدور الفرنسي لكنها لن تكون بديلاً عن دور سعودي مفقود”.
يدرك “حزب الله” ان الجانب السعودي ابلغ من يلزم من المعنيين ان شخص رئيس الحكومة لا يعنيه وكذلك موضوع الحكومة، “فحاول الجانب الفرنسي التنسيق مع المصري ليكون الطرف العربي البديل أو الواجهة العربية لدور فرنسي تراجع مع تراجع زخم المبادرة الفرنسية التي باتت تحتاج الى ترجمة مبادرتها الى لغة مفهومة”. واذا كانت المبادرة الفرنسية تراجعت، فهل يمكن لمصر ان تنجح في لعب دور ولو بالتنسيق مع الفرنسي؟ الارجح ان زيارة شكري حصلت من دون ان تخلّف أثراً يمكن استثماره على المدى البعيد، وكل ما في القضية أنّ “المضطر يتعلق بحبال الهوا وابوابنا مشرعة على مبادرات وتهديدات لا تؤتي أكلها”.