كتب جمال نازي في “العربية”:
مع التطورات المتلاحقة التي ارتبطت بلقاح أسترازينيكا، والجدل الذي أثاره حول تسببه في حدوث جلطات دموية لدى بعض المتلقين، تبرز أسئلة ملحة حول الأعراض الجانبية “النادرة” التي تحدثها لقاحات كورونا بصفة عامة لدى بعض متلقي اللقاحات المختلفة.
هيئة تنظيم الأدوية الأوروبية جددت دفاعها عن اللقاح مشددة على أن مخاطره نادرة جداً، وقالت، الأربعاء، إنه يجب إدراج جلطات الدم كأحد الآثار الجانبية “النادرة جدًا” للقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا، لكنها أكدت أن فوائد اللقاح ما زالت تفوق مخاطره.
ومن جهتها، أعلنت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، أن الصلة بين لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا وظهور شكل نادر من الجلطات الدموية هو أمر “ممكن ولكنه غير مؤكد”.
وقال خبراء المنظمة في مجال اللقاحات في بيان “لا بد من إجراء دراسات متخصصة من أجل فهم كامل للصلة المحتملة بين التلقيح وعوامل الخطر الممكنة”، لافتين الى أن هذه الظواهر “نادرة جدا رغم كونها مقلقة” علما أن أكثر من 200 مليون شخص تلقوا لقاح أسترازينيكا-اكسفورد.
عالمة اللقاحات كاثرين إدواردز، من كلية الطب بجامعة “فاندربيلت” في ناشفيل بولاية تينيسي الأميركية، تقول إنه يجب على مسؤولي الصحة العامة تحقيق “توازن دقيق” عند الإبلاغ عن مخاطر الآثار الجانبية النادرة بالمقارنة مع مخاطر كوفيد-19. ويساور الأطباء بعض القلق أو المخاوف من احتمال إثارة حالة من التردد حول تلقي اللقاحات، والتي تزايدت بالفعل في بعض المجتمعات. وفي الوقت نفسه، من المهم عدم استبعاد احتمال حدوث آثار جانبية نادرة ولكنها شديدة إلى حين يتمكن الباحثون من إثبات العلاقة بين اللقاحات وحدوث تلك الأعراض الجانبية، وهي العملية التي يمكن أن تستغرق سنوات، بحسب ما نقله عنها موقع “نيتشور” Nature.
ويمكن أن يرتبط الضرر أو الأثر الجانبي بشكل مباشر عند تلقي لقاح بعينه. على سبيل المثال، تسببت نسخة مبكرة من لقاح شلل الأطفال، والتي استخدمت شكلاً ضعيفًا من الفيروس لتوليد المناعة، في إصابة شخص واحد تقريبًا بالمرض من بين كل 2.4 مليون ممن حصلوا على اللقاح.
وفي هذا السياق، توضح دكتورة إدواردز أن سلالة الفيروس المستخدمة في اللقاح كان يمكن عزلها من السائل الشوكي في هذه الحالات، لذلك كان من الواضح أن اللقاح تسبب في المرض.
وتضيف دكتورة إدواردز أن هذه الأنواع من الاختبارات ربما لا يمكن إجراؤها على كافة الآثار الجانبية المحتملة، إما بسبب ضرورة وجود مؤشرات حيوية محددة لإجراء الاختبار، أو لأن مثل هذه الاختبارات ربما تكون غير عملية.
وتقول إن الآثار الجانبية، في البداية على الأقل، ترتبط فقط بتوقيتها، إذ أنه عندما يتلقى الشخص لقاحًا ثم يعاني من الآثار الجانبية في مرحلة ما بعد ذلك، فإن هذا يجعل من الصعب بشكل خاص إثبات ما إذا كان ما تعرض له نتج بالفعل عن تلقي اللقاح، خاصة عندما يحدث التفاعل بعد أيام أو أسابيع من تلقي التطعيم نفسه.
وتشرح دكتورة إدواردز أنه للتحقق من وجود صلة بين تلقي اللقاح والأعراض التي يمكن أن تحدث للشخص، يجري الباحثون دراسات لتحديد معدل الآثار الجانبية في المجموعات التي تم تلقيحها مقارنة باحتمالية حدوثها بالصدفة في الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح. وبالتالي، فإنهم يحتاجون أيضًا إلى تحديد الآلية التي يمكن أن تتسبب في حدوثها.
وفيما يتعلق بلقاحات كوفيد-19، تقول بروفيسور هيلدا باستيان، العالمة المستقلة المتخصصة في الطب المستند إلى الأدلة في فيكتوريا بأستراليا، إنه تم اختبار اللقاحات التي يتم طرحها حاليًا في تجارب سريرية على آلاف المشاركين قبل أن تسمح الحكومات باستخدامها على نطاق واسع.
وتم تصميم وإعداد التجارب السريرية بما يضمن التوصل إلى إجابات على الأسئلة الشائعة للغاية والتي تتعلق في المقام الأول بالفعالية وتقييم معدل الآثار الجانبية العامة، مثل الألم في موضع الحقن أو الصداع، وبالتالي فإن العديد من المتخصصين في اللقاحات، الذين تمت استطلاع آرائهم حولها، حرصوا على التأكيد على أن لقاحات كوفيد-19 آمنة وفعالة لعامة المتلقين.
ولكن لم يتم تصميم أي من التجارب السريرية، حتى الأكبر منها، لاكتشاف الآثار الجانبية النادرة للغاية، والتي يمكن أن تصيب أقل من حالة واحدة لكل 10,000 متلق للقاح، بحسب ما ذكرته بروفيسور باستيان، والتي أشارت إلى أنه نظرًا لأن مئات الملايين من الأشخاص يتم تطعيمهم حاليًا ضد فيروس كوفيد-19، فمن المنطقي أن الآثار الجانبية النادرة للغاية، مثل ردود الفعل التحسسية الشديدة أو جلطات الدم، يمكن أن تبدأ في الظهور في التقارير.
ويبقى التحدي الآن هو معرفة أي من الآثار الجانبية يرتبط بالفعل باللقاح. ومن ثم فإن المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية شرع في تنظيم تجارب سريرية لفهم مخاطر الحساسية التي يمكن أن تنتج عن تلقي لقاحات كوفيد-19، التي تستند إلى تقنية mRNA، وهو اللقاح الذي تصنعه شركة فايزر في الولايات المتحدة، وبايونتك في ألمانيا، والذي يرتبط بمعدل خمس حالات من رد الفعل التحسسي الشديد لكل مليون جرعة، وكذلك اللقاح الذي تنتجه شركة موديرنا في كامبريدج بماساتشوستس، والذي يرتبط بمعدل ثلاث حالات لكل مليون جرعة، إلا أنه يبدو أن المصابين هم من الأشخاص الذين يعانون بالفعل من تاريخ من الحساسية.
فيما تقود بروفيسور ستايسي جونز، أخصائية الحساسية والمناعة في جامعة أركانساس للعلوم الطبية في ليتل روك، وزملاؤها دراسة في واحد من 30 موقعًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، لمزيد من الفهم حول نسبة رد الفعل التحسسي بين من يعانون بالفعل من تاريخ مرضي من الحساسية، مقارنة بمجموعة التحكم.
وتقول بروفيسور جونز إن ردود الفعل التحسسية “نادرة للغاية”، ولكن من المتوقع أن تسمح نتائج الدراسة بتحديد من هم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، ونوع الخطر “حتى يتمكن الأطباء من تقديم نصائح أفضل”.