كتب داود رمال في “أخبار اليوم”:
استحوذت الجهود المتواصلة لإنقاذ وتعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة “إيفر غيفين” التي جنحت أثناء عبورها قناة السويس ضمن قافلة الجنوب، في رحلتها القادمة من الصين والمتجهة إلى روتردام الى ستة ايام، توقفت فيها الملاحة في احد اهم الممرات البحرية، وكبدت مصر والشركات الكبرى خسائر مالية كبيرة.
هذه الحادثة فتحت صفحات التاريخ مجددا، لا سيما السعي الاسرائيلي المستمر وبكل الوسائل المتاحة للسيطرة والاستحواذ على الممرات المائية الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، اذ لم تخف إسرائيل أهدافها في السّيطرة والهيمنة على ملاحة البحر الأحمر برمته، وطرحت مشروع “قناة البحرين” بين البحر الأبيض والبحر الميت مع الأردن عقب توقيع اتفاقية وادي عربة، أرفقته بمشروع موازٍ لشق قناة تربط ميناء إيلات/أم الرشراش بالبحر الأبيض المتوسط، أطلقت عليه مشروع “قناة بن غوريون”.
الا ان الحقائق تتكشف يوما بعد آخر، عن نزعة التوسع والسيطرة لدى اسرائيل، بحيث تم الكشف في الولايات المتحدة الاميركية مؤخرا، عن مذكّرة أميركية تعود للعام 1963 أصدرها “مختبر لورانس ليفرمور الوطني” التابع لوزارة الطاقة الأميركية، ورفعت عنها السرية. ونصت بشكل واضح على استخدام مئات من القنابل النووية، بقوة 2 ميغا طن، لشق قناة بديلة عن قناة السويس عبر صحراء النقب على مستوى البحر بطول 160 ميلاً عبر إسرائيل، واستخدام تفجيرات نووية لشق القناة، تم تبريره لتخفيف كلفة الحفر بالوسائل المتاحة لفتح مسار عبر صحراء النقب يربط البحر المتوسط بخليج العقبة. وأوضحت المذكرة بشكل جليّ أنّ القناة الجديدة ستكون بديلاً استراتيجياً عن قناة السويس، وهذا الامر يعني عمليا جعل قناة السويس معبرا بحريا غير ذي اهمية استراتيجية على المستوى الدولي، مما يكبد مصر خسائر فادحة كون عائدات القناة تعتبر اساسية في الميزانية السنوية للدولة.
ولم تتوقف التسريبات والتصريحات الاسرائيلة التي تحفّز على الاسراع بانجاز مشروع “قناة البحرين” او “بن غوريون”، الذي يبلغ طوله 300 كلم “لربط إيلات على البحر الأحمر مع ميناء أشدود على البحر المتوسط، كبديل عن قناة السويس، وتكافلت وسائل الاعلام الاسرائيلية على تنوعها في الحملة المبرمجة والمنظمة في سبيل جعل هذا المشروع امرا واقعا غير قابل للنقاش او الرفض عربيا او دوليا. وعلى ما يبدو ان الغرب يشجع على السير بهذا المشروع من ضمن ما يسمى “التعويض عن التنازلات الاسرائيلية في اي تسوية سلمية ستعقد للصراع العربي الاسرائيلي”، بحيث تصبح الدول العربية بين فكي كماشة اسرائيلية تسيطر على البحرين الاحمر والابيض المتوسط مع سهم نابت في قلب مصر التي سيكون جرحها نازف بقوة اقتصاديا واجتماعيا”.
وتكشف دراسات الطبوغرافيا لطبيعة المنطقة التي تزمع اسرائيل اقامة القناة فيها عن انها منطقة صخرية قاحلة، وتتميز بحدة ارتفاعاتها، قبل أن تنحدر بقوة بالقرب من البحر الميت، ثم ترتفع مرة أخرى قبل الوصول إلى البحر المتوسط.
وممر القناة البديلة يبدأ عند العقبة ومنسوب البحر يساوي صفراً، ويرتفع شمالاً إلى نحو 159 متراً، ومن ثم يصعد مجدداً إلى نحو 339 متراً، قبل أن ينحدر إلى جنوب البحر الميت إلى عمق 266 متراً تحت سطح البحر، ثم يرتفع مجدداً لنحو 642 متراً عن سطح البحر، أي أن الفارق الإجمالي في الارتفاعات يصل إلى نحو 1000 متر، وهذا يؤشر بشكل واضح الى الخطر الكبير والمميت الذي سينتج عن شق القناة لا سيما على الصعيد البيئي.
لذلك؛ المطلوب عدم الانجرار اعلاميا وسياسيا الى حيث يريد الاسرائيلي، بحيث يصور انشاء قناة البحرين على انها امر واقع ومن ثم يضعها على طاولة المفاوضات والتسوية، محاولا بكل الوسائل انتزاع الاثمان الباهظة مقابل التراجع عن هذا المشروع الذي هو في الاساس غير قابل للتنفيذ.