أشار الرئيس فؤاد السنيورة، في حديث الى تلفزيون “الشرق”، إلى أن “مصر والجامعة العربية كانتا ولا تزالان تلعبان دورا هاما في دعم استقرار لبنان وصموده وتأكيد استقلاله وسيادته واستمراره في الحفاظ على نظامه الديموقراطي وحرياته العامة. وهما اليوم يقفان معه ويدعمانه، لا سيما وأن لبنان يمر في ظروف شديدة الصعوبة حيث تشتد عليه المخاطر بسبب تراكم وتعاظم الاستعصاء لعدم القيام بالإصلاحات التي طال تأخيرها، وكذلك بسبب ما يعانيه لبنان من عدم التجاوب مع ما يطلبه اللبنانيون من اجل ان تتألف حكومة إنقاذ ذات مهمة محددة تحظى بثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي”.
وأكد أن “هذه الحكومة هي التي تمثلها المبادرة الفرنسية التي تقدم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والذي حضر الى لبنان مباشرة بعد الانفجار المريب الذي حصل في مرفأ بيروت. وهو اجتمع بالعديد من اللبنانيين واستمع الى ما يقوله اللبنانيون الشباب الذين طالبوا بحكومة من الاختصاصيين الكفوئين المستقلين غير الحزبيين، وبضرورة أن تسود وجهة نظر وممارسة جديدة في عملية تأليف الحكومة الجديدة تختلف عن الممارسات السابقة في تأليف الحكومات، والتي كانت تستند الى التحاصص بين الأحزاب على الحقائب وعلى المراكز في الحكومة، وهي الممارسات التي اثبتت فشلها على مدى السنوات الماضية والتي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه من الانهيارات الكبيرة، أسهمت فيها انهيارات في آليات المساءلة والمحاسبة على أساس الأداء، والتي هي جوهر النظام الديموقراطي في تحقيق التغيير المنشود”.
ورأى السنيورة أن “لبنان اصطدم عمليا باستعصاءين: الأول يتمثل بما يمارسه فخامة الرئيس العماد ميشال عون وإلى جانبه صهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، واللذان يصران على أن تكون الحكومة ممثلة من مختلف الأحزاب الطائفية والمذهبية، وهي عندما تؤلف على هذا الأساس فإنها تخالف المبدأ الذي انطلقت منه المبادرة الفرنسية ومخالفة للقاعدة التي طالب باعتمادها اللبنانيون بأن تكون من اختصاصيين كفوءين مستقلين غير حزبيين. وبناء على ذلك، فإنها تستطيع أن تمارس الدور التي عجزت عنه الحكومات الماضية في القيام بالإصلاحات”.
وتابع: “ليس هذا هو الاستعصاء الوحيد الذي يمارسه رئيس الجمهورية، إذ أن الاستعصاء الآخر، وهو الطرف الذي يتلطى وراء رئيس الجمهورية، وهو “حزب الله” الذي لديه أهداف أخرى. إذ أنه، من جهة أولى يريد أن يستمر بإمساكه بهذه الرهينة التي هي لبنان والدولة اللبنانية من أجل ان يستعملها كوسيلة ضغط لكي تزيد من القدرة التفاوضية لإيران في مفاوضاتها القادمة مع الولايات المتحدة. ليس ذلك فقط بل هو قد أوصل الأمور تدريجيا إلى أن تصبح عملية تأليف الحكومة وكأنها جزء من عملية الاستحقاق الرئاسي القادم بالنسبة لرئاسة الجمهورية. هذا هو الامر الذي يريده “حزب الله”، وهو الإمساك بمسألة تأليف الحكومة العتيدة من اجل ان يحفظ لنفسه الدور المقرر بالنسبة للحكومة اللبنانية وفي لبنان في الفترة المقبلة، وذلك في ما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية الجديد بعد سنة ونصف. هذه هي حقيقة الوضع الذي يعاني منه لبنان الآن، وهذه الزيارات تحصل اليوم ولا يزال رئيس الجمهورية على استعصائه”.
وعن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، لفت السنيورة إلى أنه “لا شك ان الرئيس بري قدم أفكارا، وهي منطلقة أساسا من فكرة الرئيس ماكرون في أن تكون حكومة من الاختصاصيين الكفوئين المستقلين، وأيضا أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على أن تتولى عملية الإصلاح المنشود وبأشكاله كافة، اكانت بعددها الذي لا يزيد عن ثمانية عشرة عضوا أو ما يقول الرئيس بري أن يصار الى زيادتها الى ان تكون 20 او 24″، معتبرا انه “لا يمكن البت بأمر العدد إلا في ضوء التصور الكامل لتأليف الحكومة، وذلك ألا يكون هناك محاصصة داخل مجلس الوزراء ولا أن تبنى الحكومة على قاعدة الثلث المعطل. إذا كانت المحاصصة سوف تسري في عملية التأليف فإن معنى ذلك ان هذه الحكومة سوف تولد ميتة لان ما يعانيه لبنان هو في استمرار المحاصصة”.
وشدد على أن “هناك انهيارا كبيرا وساحقا في مستويات الثقة ما بين اللبنانيين من جهة، والدولة اللبنانية والمنظومة السياسية وأيضا برئيس الجمهورية، وكذلك الامر ينطبق على المجتمعين العربي والدولي الذين فقدوا الثقة بهم”. وقال: “إذا كان تأليف الحكومة سوف يستمر على ذات النمط الذي مارسه السياسيون اللبنانيون خلال السنوات الماضية، فسوف تولد الحكومة ميتة ولن تستطيع ان تقدم شيئا للبنانيين وسوف تزداد الأمور اهتراء. ما نراه اليوم، أن هناك عمليات إلهاء للبنانيين ولحرف انتباههم عن المشكلات الأساس التي هي مشكلات تتعلق بممارسات رئيس الجمهورية المخالفة للدستور، والتسلط الذي يمارسه “حزب الله” والهدف منه إبقاء سلطتهما على الدولة اللبنانية وعلى قرارها الحر. ولذلك، فإن الرئيس عون و”حزب الله” يلهيان اللبنانيين، ساعة في موضوع التدقيق الجنائي وساعة في موضوع الدعم، بحيث حولوا اللبنانيين إلى متسولين للمواد المدعومة. هناك المزيد من الالهاء في مشكلات جانبية. يجب ان تعالج المشكلات الأساسية، إذ أن الامراض لا تعالج بمظاهرها بل يجب في جوهرها”.
واعتبر السنيورة ان “المشكلة ليست في اتفاق الطائف، بل في طريقة ممارسته وفي عدم استكمال تطبيقه”. وقال: “اتفاق الطائف أنهى الحرب، وهو أنهى مشكلة سياسية أساسية في لبنان. إذ أنه قدم الحل الصحيح لما يسمى المجتمعات المتنوعة في موضوع حسم هوية لبنان العربية وفي نهائية الكيان اللبناني. وهذه جميعها تقوم على تثبيت فكرة العيش المشترك. وبالتالي الاعتراف والتأكيد على احترام الدولة اللبنانية وسلطتها واحترام الشرعيتين العربية والدولية. يحاول البعض ان يسلط الضوء على ان المشكلة هي في النظام اللبناني او في اتفاق الطائف وهذا غير صحيح. المشكلة ليست في اتفاق الطائف بل في تلك الممارسات التي لا تستند الى الدستور اللبناني. وبالتالي، تحاول هذه الأطراف أن تحرف نظر الناس عن جوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان. المشكلة ليست في اتفاق الطائف، وهذا ما عبر عنه غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عندما قال ان المشكلة ليست في الدستور. المشكلة في من يطبق ويقوم بممارسات مخالفة للدستور. المشكلة في عملية الاستيلاء على لبنان ومنعه من ممارسة سيادته الكاملة على أرضه ومصادرة قراره الحر”.
وعن المساعي العربية، قال: “لا شك اننا نقترب من الارتطام الكبير، ولا شك ان هذا الاستعصاء الذي مارسته المنظومة السياسية في لبنان والمتمثل بالامتناع عن اجراء الإصلاحات، وهو الأمر الذي نتج عنه اهتراء وتدهور أكبر، وحيث بدأ اللبنانيون يعانون من ذلك من خلال انهيار الثقة وانهيار الاقتصاد وانهيار المؤسسات التي يقوم عليها لبنان، على شكل انهيار المؤسسات المصرفية والاستشفائية والتعليمية وكل ما له علاقة بحياة الانسان، ولا سيما عندما انخفض سعر صرف العملة اللبنانية بنسبة 90% من قيمتها قبل بدء الانهيار في تشرين الأول 2019، ولاسيما خلال الأشهر القليلة الماضية. هنا يمكن تصور كيف سيكون عليه المستوى المعيشي للناس. وبالتالي، فقد اصبحل قسم كبير جدا من اللبنانيين تحت خط الفقر. وهذا يؤدي الى مزيد من المشكلات المعيشية من جهة وكذلك الأمنية. وبالتالي ها نحن نرى ما يعاني منه اللبنانيون وما يتألمون منه”.
وأضاف: “رئيس الجمهورية تحدث الى اللبنانيين وتناسى مشكلة الاستعصاء عن تأليف الحكومة ليحصر حديثه بالتأكيد على التدقيق الجنائي.يؤسفني أن أقول أن رئيس الجمهورية وجماعته، هم الذين كانوا يرفضون ما تقدمت به حكومتي منذ 14 عاما بمشروع قانون من أجل إخضاع جميع ما يتعلق بمالية الدولة اللبنانية في إداراتها ومؤسساتها للتدقيق الخارجي الذي تجريه شركات عالمية مرموقة ولها الصدقية الدولية من أجل تعزيز مستويات الحوكمة لدى الدولة اللبنانية وفي أوضاعها المالية. هم الذين كانوا ضده وفجأة نراهم يتحدثون الآن عن التدقيق الجنائي وفي مقدمهم رئيس الجمهورية”.
ورأى السنيورة ان “الباب الصحيح الآن للولوج الى اعتماد الحلول هو البدء في استعادة الثقة، ويكون ذلك في تأليف الحكومة العتيدة على الأسس التي تحدثنا عنها. وعندما تتألف الحكومة أستطيع أن أراهن أن أي مسؤول او أي سياسي لبناني لن يستطيع أن يرفض مبدأ إخضاع المؤسسات اللبنانية الى التدقيق الجنائي والتدقيق العادي، وهو الذي جرى إقراره بقانون في مجلس النواب ووافقت عليه جميع الأطراف السياسية. يجب إعادة الاعتبار لقاعدة أساسية وهي أنه لا يجوز أن يكون هناك أحد بمعزل عن المساءلة والمحاسبة. هذه قاعدة يجب ان تنطبق على الجميع من أجل حماية المال العام”.