كتب وليد شقير في نداء الوطن:
الحملة التي تعرضت لها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري من قبل أوساط الفريق الرئاسي وإعلام “حزب الله” على أن مصر حضرت سلفاً وهي منحازة إلى فريق من فرقاء الأزمة، ولمساندة الرئيس المكلف سعد الحريري، تشكل دليلاً بالنسبة إلى البعض على أن الزيارة نجحت في أداء وظيفتها.
فالانتقادات للزيارة جاءت بحجة استثناء شكري رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل و”حزب الله” ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من جولته.
ربما كان من أهداف محادثات شكري مع سائر المسؤولين إفهام الذين يعرقلون قيام الحكومة الإنقاذية للوضع اللبناني، الذي يشارف على الانهيار، بأنهم يتحملون مسؤولية موقفهم أمام الشعب اللبناني.
فالضيف المصري الذي تتابع سفارته في بيروت تفاصيل ما يجري في الاجتماعات المغلقة ويتواصل فريقه مع عواصم أخرى في مقدمها باريس، حول ما يجري من مماحكات في بيروت، ويتبنى المبادرة الفرنسية منذ البداية، سمع من جميع الزعامات والقيادات التي التقاها خلال الزيارة، موقفاً واحداً، وفق المعطيات التي توفرت عن جانب من لقاءاته: التعطيل الحقيقي لتأليف الحكومة يأتي من إصرار الفريق الرئاسي على الثلث المعطل، على رغم نفيه المستمر لذلك. وعلى رغم أن القليل جداً يجمع في السياسية بين رئيس البرلمان نبيه بري، والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب “الكتائب سامي الجميل ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وصولاً إلى الحريري طبعاً، فإن هؤلاء أجمعوا على أن المطالبة بهذا الثلث من قبل الفريق الرئاسي يعيق تأليف الحكومة.
وحده الرئيس عون أعاد تأخير الحكومة إلى جملة أسباب أخرى. هو لم يقل للوزير شكري إنه لا يريد الحريري رئيساً للحكومة كما أشيع، فحرص على التأكيد أنه يريد أن تتشكل بطريقة تحترم الدستور والصلاحيات، والميثاقية واتفاق الطائف، مستبقاً بذلك أي اتهام له بأنه يريد تجاوز اتفاق الميثاق الوطني، كما نقل عنه بعض من التقوه سابقاً. لكنه كرر شكواه من الحريري. ردّد عون ما سبق أن قاله في تصريحات سابقة عن الرئيس المكلف، بحيث لم يفاجئ ذلك الجانب المصري، وقال إنه كان يعامله كابنه “لكنه تغيّر ولا أعرف لماذا هو على زعل مع جبران باسيل”. كما رد عون عرقلة الحكومة إلى الحريري نفسه متهماً إياه بأنه يماطل عبر أسفاره المتواصلة، وعزا عدم تأليف الحكومة إلى أن هناك من لا يريد للتدقيق الجنائي في ميزانية مصرف لبنان وأين ذهبت الأموال التي كانت في حوزته، أن يحصل.
يشعر محدثو الرئيس عون من رده تعطيل الحكومة إلى الأسباب المذكورة ومنها التدقيق الجنائي، بأن هناك أجندة أخرى لدى الفريق الرئاسي غير تلك التي يركز عليها المجتمع الدولي وممثلو الدول المعنية بإيجاد حلول سريعة للفراغ الحكومي.
اهتمام الجانب المصري كان من وراء لقاءاته، وفق ما ظهر في تصريحات شكري وبعض المعطيات، بضع نقاط:
– تشكيل حكومة اختصاصيين بسرعة بعيداً من المحاصصة، لتكون فريقاً منسجماً عليه اتخاذ قرارات صعبة لتجاوز الأزمة الاقتصادية المالية والمعيشية. وهذا ما كرره الوزير شكري في المحطات الثلاث التي أدلى فيها بتصريحات.
– يحتم تشكيل الفريق المنسجم أن تكون الحكومة من دون ثلث معطل لأي فريق، كي تتمكن من الحصول على الدعم المالي الخارجي.
– تمييز الوزير شكري رئيس البرلمان نبيه بري بالإعلان عن تأييد دوره بما يوحي أن القاهرة تشجع مبادرته الأخيرة القائمة على محاولة إزالة العقبات أمام صيغة الـ24 وزيراً، مع ضمان عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل في الحكومة، ووفق معادلة الـ3 ثمانات. ومع أن الجانب المصري لم يخفِ تأييده لتمسك الحريري بصيغة الـ18 وزيراً فإن إشارة تصريح الوزير شكري إلى “تثمين مصر الكبير لجهود دولته، ومبادراته التي يطلقها للعمل من اجل الخروج من هذه الازمة في اطار الحفاظ على الارضية الراسخة السياسية والقانونية، المتمثلة في تطبيق الدستور اللبناني واتفاق الطائف”، جاء تعبيراً عن تأييد مسعى بري.
فالجانب المصري على علم بأن الحريري أبدى مرونة حيال ثلاث من النقاط الخلافية الخمس، أي الأعداد ومسألة البحث في الأسماء، والنظر في بعض الحقائب، ويبقى تثبيت أن تكون الحكومة من الاختصاصيين، وألّا يحصل أي فريق على الثلث المعطل، بهدف تمكين الحكومة من القيام بالوظيفة التي ستوكل إليها، وليس من أجل الانحياز لطرف أو لآخر. وفي هذه التفاصيل هناك تنسيق وثيق بين بري والحريري.
لكن السؤال الذي يطرح في أوساط خارجية متابعة لأزمة تشكيل الحكومة: هل أن التركيز على التدقيق الجنائي كسبب لتأخير الحكومة يخفي أجندة أخرى غير أولوية تأليف الحكومة؟ وهل أن أي أجندة أخرى غير أولوية ولادة الحكومة تلاقي ما يريده الشارع اللبناني الغاضب، والذي يعاني الأمرين من الأزمة الاقتصادية المالية والصحية التي يغرق فيها البلد؟
فهذه الأوساط المهتمة بأولوية الحكومة تلاحظ أن خطاب الرئيس عون أول من أمس عن التدقيق الجنائي لم يشر إلى الأزمة الحكومية بكلمة واحدة، في شكل يوحي بأن أولويته في مكان آخر، أو أنه يتجنب اتخاذ القرار المطلوب لأنه ليس في يده.
وتستطرد هذه الأوساط بالتساؤل: هل أن الأزمة الاقتصادية المالية والصحية هي مشكلة قائمة بذاتها، أم أن ما يحصل من تدهور واحتمال الانهيار الكامل هي أوراق في معركة أخرى، سواء كانت داخلية تتعلق بما هو آت من انتخابات نيابية ورئاسية بعد نيف وسنة، أو خارجية بانتظار المفاوضات الأميركية الإيرانية وبالتالي يجب رهن الحكومة بالتطورات الخارجية، غير الواضحة نتائجها في المدى القريب؟
تنتهي هذه الأوساط إلى أن التحرك المصري في اتجاه لبنان هدفه التركيز على أولوية تشكيل حكومة الاختصاصيين، قياساً إلى غيرها، لتنكب على معالجة المأزق الاقتصادي المالي. ومن لا يسهّل ولادتها يتحمل المسؤولية والنتائج.