Site icon IMLebanon

تراجع رئاسي عن اللعب بـ”ورقة الطائف”.. والمصريون تواصلوا مع “الحزب”!

كتبت رلى موفق في “اللواء”:

لافتةٌ كانت إشارة الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، من قصر بعبدا أمس، إلى أنه استفسر من رئيس الجمهورية عن «الكلام الذي كثر في الفترة الأخيرة حول اتفاق الطائف ومصيره، وما إذا كان مهدداً بشكل من الأشكال»، فأكد الرئيس عون أن «اتفاق الطائف غير مهدّد، وهو أساس الدستور اللبناني، وبالتالي هو لا يستشعرُ بأي تهديد للاتفاق، فهناك دستور لبناني يجب أن يُحترم من قبل جميع الأطراف». ويذهب الخبرُ الرسمي الموزّع من القصر الجمهوري إلى التذكير بأن «رئيس الدولة هو الوحيد الذي يُقسم اليمين على الدستور للمحافظة عليه».

إشارة زكي سبقها تكرارٌ مقصودٌ من وزير الخارجية المصري سامح شكري، قبل ساعات من بيروت، بأن «الخروج من أزمة تأليف الحكومة لا بدّ من أن يعتمدَ على الأرضية الراسخة السياسية والقانونية المتمثلة في تطبيق الدستور اللبناني واتفاق الطائف». الهدف وفق متابعين لحركة الجامعة العربية وشكري أن الأخير سمع، خلال اللقاء مع رئيس الجمهورية، كلاماً وموقفاً يُفهم منهما أن الرجل يتعامل مع الأمور وكأن «اتفاق الطائف» قد انتهى، في وقت أن «وثيقة الوفاق الوطني» تُشكّل المرجعية للشرعية اللبنانية التي تحققت برعاية عربية ودولية، والتي تحوّلت دستوراً، فيما تظهر في الأفق مشاريع أقلوية، تارة تحت مسمّى «حلف الأقليات»، وطوراً «المشرقية»، تقوم على ثنائية مارونية – شيعية هادفة إلى سلخ لبنان عن انتمائه ومحيطه الطبيعي وخروجه على قرارات الشرعية العربية، وإلصاقه بمحور «التوجّه شرقاً» على حساب الانفتاح مع الغرب، وتأكيد انضواء لبنان تحت المظلة الدولية وقراراتها.

موقف عون، خلال لقائه شكري، ترافق مع رفض قوي لـ«حكومة مهمة» أو حكومة اختصاصيين وفق منظور الرئيس المكلف المتكئ على المبادرة الفرنسية. لا بل راح رئيس الجمهورية في المساء ليختزل الأزمة على أنها سوء تدبير إداري ومالي لا أكثر، وطريق حلها هو التدقيق الجنائي، مغيّباً أن أساسها ومنبعها سياسي أدى إلى عزل البلد، وإلى انكفاء عربي – دولي عنه.

استثناء باسيل من لقاءات شكري يعكسُ تنسيقاً مع الفرنسيين أكثر مما هو تمثيل لموقف الخليجيين

جرت قراءة هجوم عون على أنه ردُ فعلٍ على استثناء المسؤول المصري لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من لقاءاته، ما يزيدُ من حالة «العزل السياسي» التي يعيشها الرجل عربياً ودولياً، وجرت قراءة الاستثناء المصري على أنه يعكس موقفاً أو مزاجاً خليجياً، ولا سيما سعودياً – إماراتياً.

لا شك أن حركة القاهرة حيال الأزمة اللبنانية تحظى بتنسيق خليجي، فإذا نجحت في حل أزمة تأليف الحكومة على الأُسس التي حدّدها الرعاة الدوليون، والتي ترتكز على حزمة من الإصلاحات ليست فقط مالية واقتصادية إنما أيضاً سياسية، فإن ذلك سيفتحُ الباب أمام لبنان للحصول على المساعدة والدعم الخارجيين، ولكن هنا ثمّة تمايز مع الفرنسيين. فباريس أبدت الأسبوع الماضي ليونةً حيال طرح حكومة الـ24 وزيراً مقابل إسقاط الثلث المعطل لفريق واحد، ووافقت على العمل لإقناع الحريري به، ولكن بعد التدقيق المصري في تفاصيل التصوّر لـ»الثلاث ثلاثات» (عون – الحريري – الثنائي الشيعي)، برز أن المقايضة غير دقيقة، وأن ثمّة ثلثاً مستوراً يمكن توافره، أقله لفريق الثنائي الشيعي وحلفائه الصافين، فكان أن أُصيبت المحاولة التي قادها بري، بدعم خلفي من «حزب الله»، بالنكسة.

ضغطت مصر لوقف الضغط على الحريري، ذلك أن «حكومة كيفما كان» لا يمكنها أن تؤخّر الانهيار أو توقفه عند حدود معينة يمكن معها احتواء الارتدادات المتأتية من الفوضى، فهذا الرهان يمكن عقده على «حكومة الاختصاصيين» وفق المبادرة الفرنسية، التي قال حسام زكي إن الجامعة العربية تدعمها.

فما سعى المسؤول المصري لنقله إلى رئيس الجمهورية والأفرقاء السياسيين الذين التقاهم، هو أن لبنان دخل مرحلة خطيرة مفتوحة على تحوّل الساحة اللبنانية عنصراً جاذباً لكل أنواع الفوضى الأمنية والاجتماعية مع تنامي حالات الفقر والعوز، سواء في البيئات اللبنانية أو بيئة النزوح السوري واللجوء الفلسطيني. وهي مخاوف مصرية مشروعة من انعكاسات الانهيار اللبناني على الأمن القومي العربي، تماماً كما هي مخاوف مشروعة أوروبياً من زاوية القلق من تدفق اللاجئين بحراً، وفرنسياً من زاوية القلق على حضورها العسكري ضمن «اليونيفل».

في المعلومات، أن استثناء لقاء باسيل من قبل المصريين يعكسُ تنسيقاً مع الفرنسيين أكثر مما هو تمثيل لموقف الخليجيين. فوزير الخارجية الفرنسية أدرج خطوة «دعم الاستثناء» في إطار الضغوط على رئيس «الوطني الحر» لتفادي ظهوره كمعرقل، في مقابل ثقة الدبلوماسية الفرنسية بالقدرة على الإتيان بالحريري إلى حيث تُريد!

ما يُعزّز هذه القراءة، أن خطوة الاستثناء هذه لم تشمل في الحقيقة «حزب الله». فقد جرى تواصلٌ مصري مع «الحزب» لوضعه في صورة تحرّك شكري. ما لم يتم تأكيده بعد، هو ما إذا كان الاتصال تناول إمكانية لقاء وزير الخارجية مع ممثلين عن «الحزب» أم لا، أو إذا كان «الحزب» هو مَن فضّلَ ألا يحصل هذا الأمر، كي لا يتم حشره إزاء الحليف العوني.

الانطباع الغالب هو أن الدبلوماسية المصرية لم تشأ عزل «حزب الله» كما حصل مع «التيار العوني»، وأن ثمة «تفهماً ما» حاصل بين الطرفين. لا شك أن مزيداً من الأجواء والمعطيات ستتبلور في قابل الأيام، خصوصاً أن منظّرين قريبين من «الحزب»، ينقلون مناخات عن احتمالات لحكومة قبل نهاية نيسان من دون تقديم القراءات التي يستندون إليها، رغم أنهم يقرّون بأن «الطبخة»، داخلياً وخارجياً، لم تنضج بعد!.