Site icon IMLebanon

المطران بو نجم: آن أوان بناء الدولة

تسلم المطران الجديد المنتخب على أبرشية انطلياس المارونية أنطوان بو نجم الذي سيم أمس في بكركي، رعاية الابرشية من المدبر البطريركي المطران انطوان عوكر ممثلا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وترأس قداس التولية والشكر في كاتدرائية القيامة في الربوة – قرنة شهوان عاونه المطارنة عوكر، بولس الصياح، سيمون فضول ومنير خير الله.

واقتصر الحضور، نظرا للظروف الصحية والتزاما بالاجراءات الوقائية، على الكهنة والاكليريكيين والمكرسين والمجلس الابرشي وعدد من المندوبين عن المؤسسات والحركات الكنسية والمنظمات الابرشية والراعوية التي عمل معها طيلة خدمته الكهنوتية والاصدقاء والعائلة.

وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى بو نجم عظة أعلن فيها مشروعه وشعار خدمته الاسقفية “معا نسير لنكون واحدا” وقال: “تأتي هذه التولية في زمن القيامة، زمن إعلان غلبة الله وانتصاره على الموت، زمن غلبة النور وانتصاره على الظلمة. ويأتي اختياري أسقفا لأبرشية أنطلياس المارونية من قبل مجمع الأساقفة الموارنة في السنة التي كرستها الكنيسة للقديس يوسف البتول، وقد قال عنه البابا فرنسيس، في رسالته لمناسبة اليوم العالمي الثامن والخمسين للصلاة من أجل الدعوات، ما استوقفني وأود مشاركتكم إياه، لأنه كان لي جوابا وحافزا. يقول البابا فرنسيس عن مار يوسف: “لم يكن في القديس يوسف شيء يدهش، ولا كان موهوبا بمواهب خاصة، ولم ير فيه كل من التقاه شيئا يميزه. لم يكن مشهورا ولم يكن فيه شيء يلفت الانتباه. والأناجيل لا تورد حتى ولا كلمة واحدة عنه. ومع ذلك فقد حقق، في حياته العادية، شيئا غير عادي في عيني الله … رأى الله في القديس يوسف قلب الأب، الذي يقدر أن يعطي ويولد الحياة في الظروف اليومية العادية”. في سنة القديس يوسف، شفيع الكرسي الأسقفي في أبرشيتنا الحبيبة، أعاهدكم إخوتي أبناء الأبرشية أن أسعى لأكون على مثاله في الأبوة، وفي العمل الصامت بعيدا من الضوضاء، وفي حراسة الكنيسة والعناية بأبنائها، عساني أكون أمينا لما دعاني إليه الرب، وصدى كلمته للقديس يوسف “لا تخف” سيبقى الحافز الأول لأقوم بخدمتي حتى النفس الأخير”.

أضاف: “تأتي هذه التولية، في ظروف حالكة وصعبة جدا نعيشها في وطننا والعالم، لتؤكد أن الحياة أقوى من الموت، وأن الكنيسة ثابتة في رسالتها رغم كل الصعوبات والتحديات، فبعد ظلمة القبر سيسطع نور القيامة لا محال. “معا نسير لنكون واحدا” هو شعار خدمتي الأسقفية. فالحياة مع المسيح هي مسيرة سفر دائم بمعيته هو، الراعي الأوحد، الذي يقود خطانا دوما نحو بيت الآب ويرشدنا لنتمم مشيئته في كل زمان ومكان. نسير معا، كالجماعة المسيحية الأولى، متممين رغبة المسيح التي عبر عنها في صلاته الكهنوتية لأبيه السماوي: “ليكونوا واحدا كما نحن واحد” (يو 17: 21). وما رغبتي لأبرشيتنا الحبيبة، إلا أن تتحقق فيها رغبة المسيح، فنصبح واحدا على مثال أبناء الكنيسة الأولى. وقد أخبرنا عنهم سفر أعمال الرسل قال: “وكان المؤمنون كلهم متحدين معا، وكانوا يتشاركون في كل شيء، فيبيعون أملاكهم ومقتنياتهم، ويوزعون ثمنها على الجميع، بحسب حاجة كل منهم. وكانوا كل يوم يلازمون الهيكل بنفس واحدة، ويكسرون الخبز في كل بيت من بيوتهم، ويتناولون الطعام بابتهاج وسلامة قلب” (رسل 2 : 44 – 46). نعم، لقد كانوا عائلة واحدة، غير منقسمة، عائلة تسودها المحبة، عائلة القوي فيها يحمي الضعيف، والغني يطعم الفقير، والكبير يخدم الصغير”.

وتابع: “أصلي اليوم لنكون معا كهنة وعلمانيين، رهبانا وراهبات، كبارا وصغارا، شيوخا وشبيبة، في خدمة الأبرشية، في خدمة بعضنا البعض. أصلي لنكون واحدا كما يسوع والآب واحد حتى يؤمن العالم. نعم، سنشهد للمسيح بوحدتنا وبمشروعنا الواحد وهو بناء ملكوت الله على أرض أبرشيتنا الحبيبة، أبرشية انطلياس المارونية. غايتنا هي أن نكون أمناء دوما لوصية يسوع لتلاميذه: “أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم” (يو 13 : 34). ولن نكون واحدا إلا إذا كنا أمناء لوصية المسيح هذه. وأنا أتعهد أمامكم بأنني سأسعى، كأسقف على الأبرشية، لعيش هذه الوصية، نابذا كل انقسام وبغض أو بحث عن مكسب شخصي”.

وقال بو نجم: “إخوتي كهنة أبرشية انطلياس المارونية الأحباء، أنتم همي الأول، أنا بينكم ومعكم كالخادم. سنسعى لنكون أمناء لدعوتنا الكهنوتية ولحبنا الأول مستذكرين دوما صرخة بولس الرسول: “حياتي هي المسيح”. سنسعى لنحقق معا منطق المسيح الذي يظهر بوضوح في الآية الانجيلية التي سترافقني طيلة خدمتي الأسقفية: “إن حبة الحنطة، إن لم تقع في الأرض وتمت، تبقى واحدة. وإن ماتت تأتي بثمر كثير” (يو 12: 24). إخوتي الكهنة الأحباء، تعالوا لنسير معا ونعيش معا هذا الموت عن الذات من أجل من نحب، أبناء رعايانا المؤتمنين على خدمتهم. فالموت عن الذات هو الشرط الأساسي لإتباع يسوع “من أراد أن يتبعني، فليكفر بنفسه، ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني؛ لأن من أراد أن يخلص نفسه يفقدها، ومن فقد نفسه من أجلي فهو يخلصها” (لو 9: 24).

ولفت إلى أن “هذا الموت عن الذات ليس مجرد خيار بل هو من جوهر خدمتنا الكهنوتية. ولا أحد يمكنه أن يأتي إلى المسيح ما لم يكن مستعدا لصلب إنسانه القديم حتى يقوم خليقة جديدة مع القائم من الموت. إخوتي الكهنة، تعالوا لنسير معا، ونعيش كالرسل في صحبة المسيح، مصغين إلى صوته وصوته وحده، نغتذي من كلمته كلمة الحياة، تعالوا لنسير معا ونكون أمناء في اختيارنا النصيب الأفضل فلا نهتم بأمور كثيرة ونضطرب ناسين “الحاضر” الدائم معنا في سر القربان، هاملين صلاتنا وجهادنا الروحي اليومي. أدعو نفسي اليوم وأدعوكم، تعالوا ننمي ونغذي العلاقة مع شعبنا. تعالوا نحارب الانعزال عن شعبنا فلا ننغلق في مجموعات مغلقة ونخبوية. فهذا في النهاية يخنق الروح ويسممه. الكاهن الشجاع هو كاهن “في انطلاق”. و”الانطلاق” يقودنا إلى السير “في طليعة الشعب أحيانا، وأحيانا في الوسط وأحيانا في الخلف: في الطليعة، كي نقود الجماعة؛ وفي الوسط كي نشجعها وندعمها؛ وفي الخلف لكي نحافظ على وحدتها ولا يبقى أي شخص متخلفا عن الجماعة. ويسوع نفسه هو المثال لهذا الخيار التبشيري الذي يدخلنا في قلب الشعب. إن تقدمة يسوع على الصليب، ليست سوى ذروة هذا الأسلوب التبشيري الذي ميز حياته بأسرها”.

وأردف: “أيها الطلاب الإكليريكيون الأعزاء، أود أن أعبر لكم عن مدى تفكيري بكم، بخاصة في هذه الأوقات الصعبة التي نعيشها، وعن مدى قربي منكم بالصلاة. أصلي من أجلكم كي تزكوا موهبة الله التي فيكم، فتهيئوا نفوسكم وقلوبكم لهبة الكهنوت بروحانية عميقة تعطيكم فرح الخدمة وديناميتها، ولتصبح حياتكم نشيد تمجيد وتسبيح للثالوث القدوس. أسألكم أن تصلوا من أجلي أيضا لكي أتمكن من تأدية خدمتي ما دام الله يريد ذلك.
أخوتي الرهبان وأخواتي الراهبات وكل المكرسين العاملين في الأبرشية، أسألكم أن تكونوا لنا دوما علامة نبوية في عيش روح التجرد والفقر والطاعة والعفة. أنظر اليكم في تكرسكم لأتذكر، وإخوتي الكهنة، أن مباهج هذه الدنيا والغرق في الأمور الدنيوية قادرة أن تبعدنا عن رسالتنا. أصلي من أجلكم لكي تكونوا لنا المثال والقدوة وأدعوكم اليوم لنسير معا في أبرشيتنا طالبين ملكوت الله أولا لأن الباقي سيعطى لنا ويزاد.
إخوتي وأخواتي أبناء الأبرشية، تستحضرني كلمات القديس أوغسطينس: “إذا روعني ما أنا لكم، يعزيني ما أنا معكم. أنا لكم الأسقف، ومعكم أنا مسيحي. ذاك اسم المهمة وهذا اسم النعمة. فذاك للهلاك وهذا للخلاص”. نعيش ظروفا صعبة جدا، فلننظر معا إلى صليب المسيح نستمد منه قوة الحياة والصمود. وعدي لكم أن أكون بينكم كالوكيل الأمين الذي يسهر على حاجاتكم الروحية والزمنية ليعطيكم الطعام في حينه.

وتوجه إلى أبناء وبنات وشبيبة الأبرشية بالقول: “لقد مشينا معا مذ كلفت بخدمتكم كنائب أسقفي للتعليم والرسالة. وقد اختبرت غيرتكم على الكنيسة بشكل ملموس وأنا مؤمن بقوة طاقتكم على صنع التجديد. في هذا الزمن، زمن الظلم والفساد، زمن الجوع والفقر، واللاعدالة، تعالوا لنسير معا معلنين الحق في وجه الضلال، تعالوا لنسير معا لنكون النور وسط الظلمة، تعالوا لنسير معا لنكون العضد واليد الممدودة لكل معوز ومحتاج. لا يمكننا، نحن الكنيسة، أن نقف متفرجين على إخوتنا الصغار الأكثر حاجة، لقد أعطانا الرب وزنات كثيرة لنتاجر بها وسيحاسبنا إذا ما طمرناها واستسلمنا للخوف والكسل. لذا علينا نحن الكنيسة (أسقفا، كهنة، رهبانا وراهبات، ومؤمنين) أن نتجند في العمل الإجتماعي لنشهد لمحبة يسوع ولعنايته وحضوره وسط عالمنا المتألم والمقهور والجائع. تعالوا نسر معا لنكون علامة الرجاء والحياة في زمن القلق والموت”.

أضاف: “إخوتي وأخواتي أبناء الأبرشية، أصحاب المقامات المنخرطين في العمل السياسي والشأن العام، بمحبة أتوجه إليكم مستعينا بكلمات المكرم البطريرك الحويك من كتابه “محبة الوطن” حين قال: “أنتم أيها المسلطون، أنتم يا أولياء الأمور، أنتم يا قضاة الأرض، أنتم يا نواب الشعب الذين تعيشون على حساب الشعب الذي يقدم لكم النفقات والمرتبات، ويمتع أشخاصكم المكرمة بامتيازات خاصة وألقاب شرف، أنتم ملزمون بالتزام، بصفتكم الرسمية من قبل مهمتكم، أن تسعوا وراء المصلحة العامة. وقتكم ليس لكم، شغلكم ليس لكم، بل للدولة وللوطن الذي تمثلونه… فلا يمكنكم أن تضحوا بمصالحه دون أن تهينوا الحق وتخرقوا بنوع فادح ما يقضي به عليكم واجب الأمانة”. صحيح ما يقوله لنا البابا القديس يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” “ليس للكنيسة أن تلتزم مباشرة الحياة السياسية…. بيد أن من واجبها أن تذكر بلا ملل بالمبادئ التي وحدها تستطيع أن تؤمن حياة اجتماعية متناسقة تحت نظر الله…. فلا يمكن إذا أن يكون للمسيحيين حياتان متوازيتان: احداهما، الحياة المسماة روحية، والأخرى التي يقال لها علمانية والتي لها قيم مختلفة عن الأولى أو مضادة لها. لذلك أرى أن من واجبي كراع لأبرشية أنطلياس المارونية وكأسقف في الكنيسة الجامعة، أن أكون دوما، ذاك الصوت الصارخ والمذكر بالقيم الإنجيلية والعدالة الاجتماعية التي على أساسها تبنى المجتمعات والأوطان. تعالوا نسير معا مستلهمين روح السلطة الحقة من الرب يسوع الذي أوصى تلاميذه قائلا: “تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونها وأن عظماءها يتسلطون عليها، فلا يكن هذا فيكم. بل من أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن لكم عبدا. هكذا ابن الانسان جاء لا ليخدمه الناس، بل ليخدمهم ويفدي بحياته كثيرا منهم”.

وقال بو نجم: “آن أوان بناء السياسات العامة المعنية بحماية كرامة الانسان وصون سلام المجتمع ورفاهيته بدل التمترس في مربعات السياسة الضيقة. آن أوان بناء الخير العام في الشأن العام. آن أوان بناء الدولة بدل تأبيد مواقع في السلطة. آن أوان استعادة الأخلاق إلى السياسة وفضائها الوطني بالمواطنة الملتزمة الدستور والقانون. آن أوان العدالة والسيادة والتضامن في الحق.
تعالوا نسير معا لنكون واحدا مع كل إخوتنا أبناء الكنائس والجماعات المسيحية التي تشاركنا دعوة اتباعنا للمسيح. هذا الأمر يتطلب منا ألا نهمل مسيرة الحوار المسكوني: فصلاة المسيح إلى أبيه قبيل آلامه ليظل تلاميذه واحدا (يو 17: 21 – 23)، تنبهنا إلى جرح الفرقة وهي في الوقت عينه تضرم فينا إلحاحية الصلاة والسعي المصلي والمتأمل لتنمية الإحساس المسكوني المرهف. تبقى صلاتنا وتوبتنا هما النبض الفاعل للحوار الأخوي والشهادة الإنجيلية الصادقة.
تعالوا نسير معا لملاقاة أخوتنا “غير المسيحيين” وبخاصة إخوتنا المسلمين موطدين أواصر الحوار والصداقة والمحبة، تعالوا نعزز معا الضيافة القلبية تجاه الإخوة والأخوات ونشتاق للمعرفة المتبادلة ونتبادل المواهب والتعاون في مبادرات مشتركة تتوخى الخدمة وتعزيز القيم الإنسانية وحوار الحياة والاهتمام المشترك بها”.

وتابع: “أحبائي جميعا اليوم أبدأ فعليا خدمتي الأسقفية في أبرشية أنطلياس المارونية الحبيبة. هذه الخدمة ليست رفاهية أو جاها إنما هي تكرس للرب من أجلكم. فالنهج الذي عاشه يسوع ومن بعده الرسل والقديسون، نهج “حبة الحنطة” التي تموت لتعطي الثمار، سيكون نهج خدمتي في الأبرشية. نموت لنعطي الحياة للآخرين. يسوع أتى أرضنا لتكون لنا الحياة والحياة بوفرة. إنها دعوة مستدامة للموت، الموت عن روح العالم الكذاب، الموت عن كل أنواع التسلط والشهوة، الموت عن حب المال والكبرياء والحسد والنميمة. هذا ما سأسعى أن أعيشه بينكم ومعكم. أسأل الله أن يعبر بنا دوما، نحن سفينته، أبرشية أنطلياس المارونية، من الموت إلى الحياة، من الظلمة إلى النور”.

وختم: “تستحضرني ذكرى سلفي المطرانين الحبيبين المثلثي الرحمة يوسف بشارة وكميل زيدان وقد بذلا حياتهما في خدمة الأبرشية وتركا لنا إرثا روحيا وكنسيا ووطنيا، إنها لمسؤولية كبيرة أحملها اليوم، متعهدا متابعة الرسالة والحفاظ على هذه الوديعة.
أجدد شكري وامتناني العميقين لصاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى الذي شملني بمحبته الأبوية ولمجمع أساقفة كنيستنا المارونية الموقر، وأخص بالذكر عرابي المطرانين بولس الصياح وسيمون فضول وأسألهما أن يرافقاني في صلاتهما وأن ينيراني بنصحهما الأخوي.
شكرا لكم يا صاحب السيادة المطران أنطوان عوكر على حضوركم باسم صاحب الغبطة الذي كلفكم تمثيله في هذا الاحتفال. الشكر كل الشكر والامتنان لكم، على رعايتكم وتدبيركم الأبوي لأبرشيتنا في الفترة الانتقالية، الشكر لكم على ما بذلتموه من جهد ووقت في خدمتكم التدبيرية الموقتة، وستبقى أبرشية انطلياس المارونية بيتكم المفتوح، ومنبركم الذي سيشتاق دوما للغوص معكم في كنوز الكتاب المقدس والاستنارة بكلمة الله.
إخوتي وأخواتي الأحباء، ألتمس صلاتكم القلبية طالبا نعمة الروح القدس لنسير معا ونكون واحدا لبنيان الكنيسة وتمجيد الثالوث الأقدس، بشفاعة أمنا مريم العذراء أم الكنيسة والقديس يوسف حارسها الأمين ومار مارون أبينا والقديسة رفقا ابنة الأبرشية وجميع القديسين، آمين”.