كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
وكأنّ الذلّ كُتب على المواطن، لا تكفيه مأساته مع ذلّ البنزين المفقود وطوابير الانتظار الطويلة أمام محطات تمعن في التلاعب بعدّاداتها مُستغلّة حاجة الناس لبضعة ليترات من البنزين، حتى سقط قرار الأفران بحجبها ربطات الخبز عن الدكاكين والناس كالصاعقة على المواطن الذي بات يضرب أخماساً بأسداس، ما الذي ينتظره بعد؟
جاء قرار الافران استفرادها ببيع الخبز بمثابة ضربة قاضية للمواطن الذي بات شبه عاجز عن شراء خبز الفقراء، إذ واجه ابناء منطقة النبطية صعوبة في ايجاد الخبز داخل الدكاكين، وسط عجز غالبيتهم عن قصد الافران، علماً أنّ اقرب فرن يبعد عنهم مسافة 10 دقائق، نتيجة فقدان البنزين. أي، لا بنزين ولا خبز، وهو امر اعتبره ابو يوسف “الذلّ والمهانة”، إذ إضطرّ لدفع 10 آلاف ليرة أجرة تاكسي لتقلّه من بلدته حومين التحتا الى دير الزهراني حيث أقرب فرن. تفاجأ بأنّ وزن الربطة تقلّص وأنّ السعر سيرتفع في الايام المقبلة. وما حركة الافران الا ورقة ضغط باتجاه رفع سعرها، وِفق الحاج السبعيني “يحاربوننا اليوم برغيف الخبز، الورقة الاخطر في حياة المواطن، فعلاً اللي استحوا ماتوا”.
لا خبز داخل الدكاكين، فالموزّعون لم يحصلوا على الخبز، ومن مارس منهم عمله تكبّد خسائر كبيرة. وفق صاحب أحد الدكاكين في بلدة حبوش، فإنه تسلّم الخبز من الموزع بسعر الـ2500 ليرة، أي وِفق سعر البيع داخل الفرن، لافتاً الى أنّ “الموزع أخبره عن نية الافران رفع السعر، وأنّه سيصار الى التسليم بـ2500 لتباع للدكاكين بـ2750 ليشتريها المواطن بـ3000 ليرة لبنانية”، معتبراً أنّ “هذه الحركة الخطيرة من قبل الأفران ما هي الا خطوة نحو إذلال الناس أكثر”. كثر من الأهالي لم يتمكّنوا من الشراء من داخل الافران، نتيجة بُعد المسافة من ناحية وانقطاع البنزين من ناحية ثانية، هذا عدا أنّ هناك من لا يملك وسيلة نقل، وكان يشتري من دكان بمحاذاة منزله. ماذا يعني ذلك؟ يقول حسين الرجل الخمسيني انّه لم يشترِ ربطة خبز هذا اليوم لأنّه لا يملك سيارة، ما اضطرّه للبقاء من دون طعام لأنّ “الافران تريد تمرير رسائل سياسية للزعماء”، وِفق قوله “شو ذنب المعتر؟”، وبحسب تعبيره “اعتادوا اهانة الناس في طوابير الذلّ، والناس تعوّدت، ولكن الى متى؟”.
تأتي خطوة الافران المذلّة على بعد ايام من شهر رمضان، وهو ما اعتبره مصطفى صاحب دكّان في كفرجوز “ليّ ذراع الناس”. مصطفى الذي اضطر لشراء الخبز من الفرن بسعر البيع أي بـ2500 ليرة لبنانية فقط كي لا يجبر المواطن على الوقوف في طابور الذلّ، أكّد لـ”نداء الوطن” أنّ “الوضع لا يبشّر بالخير، واذا استمرت الافران على قرارها من دون تدخّل رادع لها، فهذا يعني أنّ الازمة ستتفاقم”، لافتاً الى أنّ “الافران كشّرت عن انياب رغبتها بخفض وزن ربطة الخبز ورفع سعرها، وأولى خطواتها بدأت بخفض وزن الربطة”.
تلاعب الافران بالوزن دفع بمراقبي وزارة الاقتصاد في النبطية الى تسطير محضر ضبط بحقّ فرن يونس جرّاء تلاعبه بوزن الربطة. وبحسب أحد المراقبين، فإنّ الفرن حاول تمرير لعبته من دون كشفها الا انه وقع في الفخ، وهو ما دفع بالمراقبين لتوجيه انذار له وتسطير مخالفة بحقّه.
يبدو ان موجة جديدة من الأزمات بدأت تستعدّ للانفجار بوجه المواطن الذي بات يضطرّ على مضض للوقوف في طوابير الذلّ على المحطات وفي السوبرماركت والافران. فأي طابور رابع وخامس ينتظر على ابواب شهر رمضان؟ هل طابور الغلاء الفاحش وانتظار المدعوم المفقود او طابور الانفجار الشعبي، وهل اذا بقيت الافران على قرارات ينفجر الشارع اعتراضاً؟ أسئلة قد لا تترجم فعلاً على الارض، إذ بحسب احدهم سيتراجع اصحاب الافران عن قرارهم بسبب اتصال من تحت الطاولة يفيد بأن الرسالة قد وصلت.