كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
هوس السرقة» أو ما يُعرف بالـ”كليبتومانيا” هو إرتكاب فعل السرقة. عادة نجد هذا الإضطراب عند جميع الفئات العمرية وخصوصاً في مرحلة المراهقة والرشد. ويجد الشخص الذي يعاني من هوس السرقة دافعاً قوياً جداً للإقدام على السرقة من دون الحاجة للمسروق. ويعرف مرتكب السرقة أنّه ليس بحاجة لهذا الشيء المسروق ولكن لا يمكنه ردع نفسه عن ارتكاب السرقة. فما هو «هوس السرقة»؟ وهل هناك أنواع منه؟ كيف يمكن تحليل هذا الإضطراب؟ وهل من معالجة لهذا الوضع الذي يؤدي إلى مشاكل عديدة خصوصاً مع القانون؟
من الصعب جداً إحصاء الأشخاص الذين يعانون من هوس السرقة، ولكن دراسات فرنسية نُشرت على Lareponsedupsy.info أشارت الى أنّ في التوقيفات التي لها علاقة بالسرقة أو النشل أو «السرقة القهرية»، يعاني 4 إلى 25% من المرتكبين من الكليبتومانيا. ولكن يجب ذكر أنّ هذا الإضطراب نادر نسبياً، حيث يمكن أن نحصي 0.5 % من السكان يعانون منه. وتضيف الدراسة، أنّ الجنس الناعم هنّ أكثر ولوجاً من الذكور. كما يعاني من هذا الإضطراب كل الفئات الإجتماعية: الغنية والفقيرة. وعادة تكون أول تجربة سرقة خلال مرحلة المراهقة ولا تكون منظّمة من قِبل السارق، بل يشعر أنّه يريد أن يسرق أي شيء من محل ما… ويسرقه. كما لا يكون هذا الفعل مشجعاً من قِبل الأصدقاء المراهقين، بل هو تشجيع نفسي داخلي يدفع السارق إلى إرتكاب «الجريمة».
هوس السرقة والإندفاعية
الشخص الذي يعاني من هوس السرقة يستسلم بسهولة لاندفاعية السرقة، ويعني ذلك، أنّه عند دخوله إلى محل ما أو عند الأصدقاء أو حتى إلى مكان عام… يشعر أنّه بحاجة لأن يسرق أي شيء. عادة هذا الشخص ليس بحاجة له: قطعة ثياب، تمثال صغير، أو ملعقة وربما صابونة… ويأخذها معه إلى البيت وربما لا يستعملها أبداً. لذا هدف فعل «السرقة» ليس الشيء بحدّ ذاته، بل الشعور بالحاجة للحصول على شيء يملأ حاجة نفسية، عاطفية في أغلب الأحيان.
لذا، هناك إندفاعية قهرية، أي يشعر الشخص السارق بالإنزعاج وبخطورة الوضع، ولكن لا باليد حيلة، سيستسلم للسرقة دون أي مقاومة او حتى تعقّل. فهو يعرف أنّه يقوم بخطأ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل قانونية ناهيك عن «الجرصة» الإجتماعية. ولكن بسبب الحرمان العاطفي، ولإشباع هذا الحرمان، يستعمل طريقة السرقة بشكل عفوي – إندفاعي- غير عقلاني.
السرقة وأنواعها
بشكل بسيط، السرقة، هي أخذ مال أو أشياء دون رضا صاحبها. وفعل السرقة مفصّل في قانون العقوبات: منها ما يدخل في نطاق الجنح المعاقب عليها بالحبس لسنوات عدة، مع جزاء نقدي. ومنها جنائية وعقوباتها أيضاً الحبس مع جزاء في الأشغال الشاقة. كما نجد نوعاً من السرقة عند الأشخاص الأغنياء، ودافعه الطمع أو الشعور بالراحة عند تكديس الأموال وزيادة الثورة… وطبعاً الدولة القوية تتحقق من هؤلاء الأشخاص للتأكّد من مصدر ثروتهم و»من أين لك هذا؟».
إجتماعياً، يعُتبر السارق شخصاً محتاجاً، لذا يأخذ خلسة كي يقضي على حرمانه وللحصول على حاجياته. ولكن هذا الكلام غير صحيح. فمثلاً، هناك نوع آخر من السرقة الذي يظهر عند الأغنياء أصحاب المال الوفير. ولكنهم محرومون من العاطفة، لذا يسعون الى هذا الفعل للتعويض عن الحرمان العاطفي. وهذا الإضطراب يُسمّى «هوس السرقة» سببه نفسي المنشأ وهو بحاجة الى معالجة نفسية. والقانون لا يفرّق ما بين السارق العادي والسارق المضطرب، فهما متساويان أمام القانون.
هوس السرقة في المجهر التحليلي
يعتبر التحليل النفسي أنّ الشخص السارق يعلم ما يُقدم عليه، ويعلم أنّ السرقة محرّمة قانوناً وإجتماعياً.. بالرغم من ذلك، هو يسرق بكل جرأة لإرضاء حاجة نفسية لاواعية ورغبة مكبوتة وعاطفة مفقودة.
إحدى حاجيات الإنسان هو الشعور بأنّه محبوب وأنّه يحب. مهما كان عمره، هذا الشعور يجب أن يعتري كل إنسان. ولكن لأسباب كثيرة منها نفسية وإجتماعية وعائلية وعلائقية… قد لا يحصل الإنسان على هذه الحاجة الأساسية، التي ذكرها «ماسلو» في هرم الحاجيات الإنسانية كأساس لا يمكن إستبداله، فيلتجئ إلى طرق مختلفة منها السرقة، للتعويض عن هذه الحاجة.
… والعلاج؟
علاج هوس السرقة بطيء جداً ولكن يمكن أن يصل الشخص المضطرب إلى نتائج ممتازة، وأن يتخلص من هذا الفعل الإندفاعي. ويرتكز العلاج على نقاط حول النضج العاطفي والعلاقات مع العالم الخارجي، والتي يجب أن تتسم بالعقلانية والدفء الإنفعالي السوي، أي يشعر الشخص بأنّه محاط والعائلة تتفهم وضعه. لذا العلاج النفسي يساعد الشخص في تفهّم طبيعة إضطرابه، ويحدّد المعالج مع الشخص المضطرب ما هو العلاج المناسب له: علاج تحليلي أو علاج سلوكي.
فالعلاج التحليلي يساعد في فهم مبدأ وسبب وتطور هذا الإضطراب عند المريض، وتحديد النقاط التي تدفعه للسرقة. كما يساعد التحليل النفسي في معالجة التصورات النفسية للعاطفة والنتائج التي صدرت عنها، خصوصاً النتائج السلبية، مثلاً عدم تقبّل الطفل عاطفياً منذ صغره، لذا إلتجأ للسرقة للتعويض عن هذا النقص.
أما بالنسبة للعلاج السلوكي المعرفي، فيهتم المعالج بالسلوكيات وأفكار الشخص السارق، والعمل على أفعاله الإندفاعية وتخفيف أو حتى محو هذه العادة والتعويض عنها بشيء آخر، مثلاً الإهتمام بحيوان أليف، أو البدء بتعلم لغة جديدة أو حتى الإهتمام بجانبه العاطفي.