كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
في كل مرة يريد فيها وزير التربية طارق المجذوب اتخاذ قرار تربوي مصيري، يرمي «بالون اختبار» لجس نبض المعلمين والتلامذة وأهاليهم. فهو لم ينتظر المؤتمر الصحافي المقرر الخميس لإعلان خطة «العودة الآمنة» إلى المدارس والامتحانات، بل «سرّب»، عبر تصريح تلفزيوني، وقبل التشاور مع الأسرة التربوية، بعض ملامح خطته من دون أن يعلن تفاصيلها، ومنها أن الطلاب سيعودون إلى الصفوف ليتابعوا 14 أسبوعاً دراسياً (7 أسابيع حضوري و7 أسابيع أونلاين)، وأن امتحانات الثانوية العامة لن تكون في كل المواد وستبدأ في الأول من آب، وأن الوزارة عازمة على إجراء امتحانات موحدة لتلامذة البريفيه في مدارسهم، من دون توضيح من سيقوم بأعمال المراقبة والتصحيح.
لم يكد الوزير ينهي تصريحه حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي باعتراضات الأساتذة على العودة لـ 14 أسبوعياً، وكأن كل ما درسوه مند بداية العام الدراسي حتى الآن من تعليم عن بعد ذهب هباءً، عدا عن أن هذا الإجراء «سيقضم من العطلة الصيفية». كما أن توجهات المجذوب لا تراعي، بحسب مصادر الأساتذة، الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشونه، وبالتالي «أي مقارنة مع دول العالم في ما يخص الحضور إلى المدارس غير جائزة». وسألت: «ما الذي تغيّر في الظروف الصحية حتى يعود الأساتذة اليوم سوى أن 15 في المئة من أساتذة الثانوي الثالث فقط تلقّوا الجرعة الأولى من اللقاح، ولماذا لم يعودوا قبل شهرين عندما أعلن الوزير أن التعليم عن بعد فاشل ويفتقد المقومات ولا يؤمّن عدالة التعليم للطلاب؟ وهل المدارس جاهزة لوجستياً لاستقبال الطلاب؟ وإذا كان التذرع لعدم إعطاء الإفادات هو أن دول العالم لم تقبل بها، فما هي نسبة التلامذة الذين يتابعون دراستهم في الخارج؟».
عضو اللقاء النقابيين الثانويين حسن مظلوم رأى أن «الأولوية في ظل المناخ الصحي والاقتصادي والاجتماعي الحالي هي للصحة والغذاء وليس للتعليم»، واصفاً قرارات الوزير بـ«الهمايونية والفوقية والمنفصلة عن الواقع». و«الحل الأمثل» تأجيل العام الدراسي إلى العام المقبل، وأن يدرس الطلاب «سنة بسنتين».
التيار النقابي المستقل طالب بتأمين لقاح آخر غير «استرازينيكا» للمعلمين، ووضع حل سريع وعادل لمشكلة المنقطعين قسراً عن التعليم عن بعد، ووضع آلية مدروسة لتقييم هذا التعليم، وأخذ قرار بشأن شهادة البريفيه هذا العام، وتأمين بدل نقل مناسب بعد الارتفاع الجنوني في أسعار المحروقات، وتوفير حقوق الأساتذة المتعاقدين، واحترام حق المعلمين بالعطلة الصيفية، خصوصاً أنهم واظبوا على التعليم عن بعد.
بعض الأهالي أبدى أيضاً قلقه من العودة إلى التعليم المدمج لأسباب صحية ومادية. رولا مراد، أم لطالب في الثانوية العامة، قالت إنها لن تخاطر في إرسال ابنها إلى المدرسة وسط هذه الظروف، وستمتنع عن سداد الدفعة الثالثة من القسط حتى تتيقن من أن ولدها تلقّى كل الدروس المطلوبة منه أونلاين. واعتبرت أن الامتحانات الرسمية ستكون صورية، نظراً إلى التفاوت في التحصيل الأكاديمي بين التلامذة. أما راشيل افرام، أم لتلميذ في البريفيه، فأبدت ارتياحها لقرار أن تجري الامتحانات في المدارس، ما يخفف الضغط النفسي على الطلاب، داعية إلى أن تراعى نسبة الاكتساب المختلفة بين تلميذ وآخر في التعليم عن بعد.
مكوّنات الأسرة التربوية التي كانت تنتظر استدعاء الوزير لها لمناقشة الخطة في بداية هذا الأسبوع، فوجئت بالإعلان الاستباقي. اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة سيعقد اجتماعاً ويخرج بتوجه موحد من خطة الوزير، علماً بأن أصحاب المدارس يؤيدون العودة إلى التعليم المدمج، وإن كان هناك اقتناع لدى البعض بأن تنظيم امتحانات رسمية للبريفيه وتمديد العام الدراسي حتى آب لن يكونا مجديين. رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود اعترض أيضاً على تمديد العام الدراسي، باعتبار أن الأمر «سيخلق عدم مساواة على مستوى المدارس الخاصة التي قدمت جهداً كبيراً في التعليم عن بعد».
من جهته، يترقب اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، وفق رئيسته لمى الطويل، ما ستؤول إليه التجربة مع صفوف الثانوية العامة الذين سيعودون في المرحلة الأولى، إذ «أبلغنا بأنه ستكون هناك إجراءات صحية دقيقة وستقدم فحوص كورونا مجاناً، وسيجري تقييم للعودة بعد أسبوعين»، مشيرة إلى أنه «ليس لدينا حل ثان سوى العودة وإلا فخسارة العام الدراسي».
أما رابطة المعلمين في التعليم الأساسي الرسمي فأبدت تأييدها للعودة إلى التعليم الحضوري بالكامل إذا تطلب الأمر ذلك بعد تأمين الأمن الصحي للمعلمين لاستكمال البرامج المقررة وإجراء التقييم والامتحانات، مبدية إصرارها على الشهادة المتوسطة، ولو في المدرسة، بإشراف وزارة التربية.