كتب فراس حمية في “نداء الوطن”:
إفتتح “حزب الله” شبكة من المتاجر باسم “مخازن النور” وتعاونيات “السجّاد” في جنوب لبنان وجنوب بيروت والبقاع، وهذه المخازن تبيع سلعاً إيرانية وسورية وعراقية بأسعار رخيصة تقلّ بنحو 50% عن أسعار السوق. ويتمّ الدفع بواسطة بطاقة خاصة تسمّى “بطاقة السجّاد”. فضلاً عن ذلك، عمل “الحزب” على تقديم الأدوية والمحروقات وتوفير البطاقات الصحّية، واستنفر جهازه الصحّي “الهيئة الصحية الإسلامية” لمواجهة “كورونا” قبل شهور لمساندة وزارة الصحّة المحسوبة عليه، وعمل منذ سنوات على تأمين المياه، سواء للشرب أم للخدمة، في مناطق سيطرته ضمن مشروع “مياه العباس”، ويستمرّ بتقديم المنح المدرسية والكتب وغيرها من الخدمات كتأمين مستلزمات الزفاف من أجهزة إلكترونية وعفش منزل، وكلّها بأسعار مدعومة.
ومع إغلاق حسابات “الحزب” في المصارف اللبنانية بسبب العقوبات الأميركية، بدأ في توسيع خدمات جمعية “القرض الحسن”، ووضعت الجمعية أجهزة الصرّاف الآلي في فروع مختلفة في لبنان. وكذلك الضغط على موزّعي خدمات الساتلايت لمنع بثّ قنوات في قرى وبلدات تحت سيطرته. وتأتي هذه الخطوات مواكبة للشعار الذي رفعه الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله، والذي قال فيه: “لن نجوع”، في إشارة إلى البيئة الشيعية، وكذلك حين قال: “إذا أرادوا أن يوصلونا إلى معادلة الخبز مقابل سلاح المقاومة ستكون لنا معادلة لا نكشف عنها الآن، ومن سيضعنا بين خيار القتل بالسلاح أو الجوع سيبقى سلاحنا في أيدينا ونحن سنقتله”.
بضائع مهرّبة؟!
جملة من الأسئلة يتمّ طرحها ولكن من دون الحصول على إجابات من المعنيين والمسؤولين في الدولة اللبنانية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، كيف دخلت هذه البضائع إلى لبنان؟ هل دخلت بطريقة شرعية أم عبر المعابر غير الشرعية سواء عبر المرفأ أم الحدود البرّية؟ وهل مرّت على نقاط التفتيش الجمركي ودُفعت رسومها؟ أم هي بضائع يمكن وصفها بالمهرّبة! وماذا عن موافقة وزارة الإقتصاد والتي تستوجب تحصيل رسوم القيمة المضافة 11% أيضاً؟
إلا أنّ اللافت أنّ هذه المساعدات قد وصلت إلى باب منزلي حيث أسكن، وأثناء عودتي من العمل الأسبوع الفائت وجدت كيساً معلّقاً على باب بيتي، وكيساً آخر على باب بيت جاري المقابل، حين فتحت الكيس وجدت خليطاً من البضائع الإيرانية والعراقية والسورية وأيضاً بعض المواد اللبنانية الصنع، وعلمت بعد وقت وجيز أنّ أحد الجيران في البناية قام بتوزيعها. لم أستطع ردّها، فسيكون ذلك بمثابة إعلان حرب على الجيران وفضّلت توصيلها لأناس آخرين. لكنّ الموقف فتح المجال أمام عشرات الأسئلة، ذلك أنّ الإستقامة والنزاهة لا يمكن أن تبنى على باطل، وأنّ “الغاية تبرّر الوسيلة” ليست مقولة أخلاقية لأنّه أحياناً تكون الوسيلة أسمى من الغاية نفسها. فكيف أعطي لنفسي الحقّ بقبول مواد في ما لو كانت مهرّبة وغير خاضعة للقانون اللبناني؟!
وفي إتصال هاتفي مع الجمارك اللبنانية للإستفسار عن المسألة كانت الإجابة التي حصلنا عليها مبهمة وغير واضحة حيث لم يُجِب أي مسؤول جمركي عن أسئلتنا. أحد المسؤولين الجمركيين طلب منا الحضور إلى مديرية الجمارك العامة وتقديم بلاغ ضمن ما يسمى بـ”المخبر السرّي” تطبيقاً للمقولة السائدة “كلّ مواطن خفير”، وحينها تقوم المديرية بإجراء التحقيقات اللازمة حول البضائع المنتشرة في المراكز المستحدثة من “حزب الله”، والتي في حال تبيّن أنها بضائع غير خاضعة للجمرك فإنّها تدخل تحت جرم التهرّب الضريبي. حاولنا مراراً السؤال عن جهة يمكنها إعطاء تصريح مباشر حول القضية، لكن كان الجواب الدائم بأنّ المسألة تتطلّب تحقيقاً وبأنّه يجب تقديم طلب رسمي خطّي للحصول على إجابة لأنها معلومات سرّية، علماً أن ّالتحقيقات عادة ما تنطبق على ما هو مخفي، غير أنّ البضائع تباع بشكل علني ولها ماركات محدّدة وممهورة ببلدان المنشأ (سوريا وإيران والعراق)، وكذلك فالمستورد معروف والبائع أيضاً، بالرغم من ذلك لم تقم أي جهة رقابية بزيارة أماكن البيع في ظلّ غياب شبه تام للأجهزة الرقابية.
أسئلة يحقّ للرأي العام الحصول على إجابات عنها، سواء من قبل الأجهزة الرقابية والأمنية اللبنانية أو من قبل مسؤولي “حزب الله”، فالمنفعة التي تقدمّ لفئة من الناس تحرم الخزينة مليارات الليرات من الضرائب والتي هي حقّ للشعب اللبناني ككلّ.
الأحزاب وقانونية الانشطة التجارية
وفي إطار مواصلة بحثنا حول القضية، تطرّق البحث في مسألة قانونية ممارسة الأحزاب لأنشطة تجارية، وهو ما أكّده أحد المحامين الذي رفض الكشف عن هويته، وأشار إلى أن “لا وجود لقانون أحزاب في لبنان، إنما هناك قانون للجمعيات ينظّم عمل إنشاء المنظّمات والتجمّعات من دون الحاجة إلى ترخيص مسبق، لكن الحاجة الضرورية تأتي بعد الإنشاء عبر الحصول على علم وخبر من وزارة الداخلية اللبنانية”.
وفي حال حصول التجمّع المدني أو السياسي أو البيئي أم غيره من التجمّعات على العلم والخبر، حينها يثبت وجوده قانونياً، إلا أنّ ذلك لا يخوّل هذا “الحزب” ممارسة الأنشطة التجارية الهادفة إلى الربح. فالأساس الذي تنشأ عليه الجمعيات هو كونها كيانات غير ربحية، فمن يضمن أنّ الأنشطة “التجارية” والتي تتمثّل في عمليات “الإستيراد والتصدير” وعمليات “البيع والشراء”، بأنهّا لا تهدف إلى الربح، إذ إن ذلك يجب أن يتم إثباته بالمستندات والفواتير الرسمية”. وأضاف المصدر أنه “على الكيان المنشأ، إجبارياً تقديم قطع حساب سنوي، وتقديم الميزانية، وكافة المصاريف والحسابات، وموازنة توقّعات مالية للسنة المقبلة”، وهو أمر ربّما لا ينطبق على العديد من الأحزاب في لبنان، ومنها “حزب الله”.
بالعودة إلى الرسوم الضريبية، ففي حال دخول البضائع بطريقة شرعية فيجب أن تسدّد الضرائب على القيمة المضافة وفقاً للتعاميم الصادرة عام 2018، التي تنصّ على “التسجيل في الضريبة على القيمة المضافة إلزامياً على من تجاوز رقم أعماله الـ100 مليون ل.ل”، وكذلك “أي مؤسسة تنوي إستيراد أو تصدير البضائع لمرّة واحدة، تصبح حكماً خاضعة لقانون الضريبة على القيمة المضافة”، وهو ما يضمن حماية المستهلك اللبناني من دون تفرقة أو تمييز، ويكفل المساواة والعدالة والعدل.
في ذات السياق، هناك أسئلة إضافية يجب البحث فيها، وتتعلّق بتأثيرات التهريب على الإقتصاد الوطني، وبمدى الضرر الذي قد يلحق بالتجّار في ظلّ تفاوت شديد بين الأسعار المتوافرة في السوق وبين أسعار البضائع في مخازن “حزب الله” في ما لو تبين بأنها مهرّبة. فهل صار لبنان “حارة كل مين إيدو إلو” وينحو إلى تفسّخ الدولة المركزية لصالح الأحزاب؟! علامات إستفهام كثيرة على المعنيين في الدولة اللبنانية وعلى المسؤولين في “حزب الله” إجابة الرأي العام اللبناني عليها.