كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
فتحت معركة التدقيق الجنائي صراعاً جديداً في البلد بدل أن يُشكّل هذا البند مناسبةً لكشف الغبار عن المستور طوال السنوات الماضية.
لم تمرّ عاصفة التدقيق الجنائي من دون أن تُصدّع العلاقة بين المكونات السياسية والوطنية، فعلى سبيل المثال ساهمت في اهتزاز العلاقة بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وباشر جمهور “التيار الوطني الحرّ” شنّ هجوم بالتكافل والتضامن مع “حزب الله” على البطريرك بعد موقفه الرافض لإجراء التدقيق قبل تأليف الحكومة.
لا يمكن لأحد في لبنان إلا أن يكون مع التدقيق الجنائي والذي هو مطلب مُقدّس للشعب، لكن أن يُستعمل لأهداف سياسية وفي توقيت معروف فهذا الأمر يثير حفيظة سيّد الصرح والمعنيين.
وتؤكّد مصادر كنسية لـ”نداء الوطن” أنها لن تدخل في سجالات بعد الهجوم العوني على البطريرك، لأن سيّد الصرح يقول ما لديه بعيداً من الشعبوية، فهو لا يملك حسابات سياسية أو أجندة يريد تنفيذها لذلك يقول الأمور كما هي.
وترفض بكركي كل الإتهامات التي تُساق ضدها من أنها تحمي الفاسدين، وتعتبر أن الفريق الذي يُهاجمها، لو كان فعلاً يريد محاسبة الفاسدين لكان سهّل تأليف حكومة لتطلق مسيرة محاربة الفساد، لذلك فإن بكركي ترفض الشعارات الغوغائية التي لم تجلب إلا الدمار والخراب للوطن.
وفي السياق، فإن الكنيسة تراقب كل ما يحصل، وهي ترى في الحملة التي تحصل على حاكمية مصرف لبنان حملة سياسية في توقيت مشبوه، وتتخوّف من أن توقيتها جاء بعد مصارحة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الطبقة السياسية وحديثه عن قرب وقف إستعمال أموال المودعين للدعم، لذلك يحاول الفريق الآخر الإنقضاض على حاكمية المصرف والضغط عليها من أجل استمرار تمويل الدعم، لتهريبه إلى سوريا وإنقاذ النظام هناك، ومن أجل تأمين التمويل لبعض الجهات النافذة، بينما الكنيسة تريد أن يذهب هذا الدعم إلى الشعب اللبناني الذي هو بأمسّ الحاجة إليه.
وترفض الكنيسة أن يدخل ملف حاكمية مصرف لبنان ضمن “البازار” السياسي والحكومي، فقضية المصرف المركزي منعزلة عن بقية الملفات، لذلك فإن الكنيسة تدعو إلى تأليف الحكومة أولاً ومن ثمّ الولوج إلى فتح تحقيق جنائي يشمل كل إدارات الدولة من دون إستثناء، وهي ترفض إستعمال هذا المطلب المحقّ من أجل تحقيق اهداف سياسية غير محقّة تخدم قوى سياسية معينة لديها تحالفات خارج الحدود.
وتعتبر الكنيسة أن “التدقيق الإنتقائي” سيُخسّر البلد أكثر، والجميع يعلم كيف أن انهيار الثقة العالمية بالنظام المصرفي دفع بعض المصارف العالمية إلى قطع روابطها مع مصارف لبنانية، في حين أن “حزب الله” يستكمل بناء نظامه الخاص الرديف للدولة اللبنانية ويريد توجيه ضربة للقطاع المصرفي، بينما العمل يجب أن ينصبّ على كيفية إخراج هذا القطاع من المأزق الذي أدخلته السلطة فيه وذلك لحماية أموال المودعين.
وفي السياق، تتخوّف الكنيسة من إكمال الإطباق على كل المؤسسات وتدميرها، وترى أنه منذ فترة حاولوا إستهداف قائد الجيش العماد جوزف عون، واليوم يكملون المخطط بتوجيه السهام نحو المصرف المركزي دون سواه، لذلك فإن الكنيسة تتمسّك بتحقيق شفّاف يشمل كل القطاعات ومن ضمنها “المركزي” وليس تحقيق تصفية حسابات.
تراقب بكركي كل ما يحصل، وتشاهد أن السلطة الحاكمة أسقطت كل مكونات ريادة لبنان وتفوّقه، من مدارس وجامعات، إلى مستشفيات ومؤسسات سياحية، وصولاً إلى النظام المصرفي الذي شكّل العمود الفقري لقوة لبنان المالية والإقتصادية، من هنا كانت صرخة البطريرك في وجه “حزب الله” وحلفائه، وخصوصاً المسيحيين منهم، لوقف تدمير البلد وتغيير وجهه الحضاري والثقافي والمالي، وعدم إحراقه من أجل محاور خارجية ومن أجل مصالح خاصة تتمثّل بتمسّك بعض السياسيين بالكرسي والقتال من أجل الإحتفاظ بها أو الوصول إليها.