كتبت بولا أسطيح في صحيفة الشرق الأوسط:
لا يتذكر رئيس «كتلة اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط كثيراً من مشاهد الحرب الأهلية اللبنانية؛ فهو الذي ولد خلالها يقول إنه بلغ مرحلة بناء الذاكرة عندما بدأت هذه الحرب تنتهي تدريجياً، «وبهذه المرحلة من العمر لا تعلق الأحداث بالذاكرة، كل ما أتذكره بعض أجزاء من مشاهد، وأذكر أننا كنا في حالة من غير الاستقرار، وتنقّلنا كثيراً بسبب الوضع الأمني بين المختارة وبيروت ولاحقاً سوريا والأردن، وطبعاً كان هناك الهاجس الذي نعيشه دون أن ندرك أبعاده وهو غياب الأمان».
ويعدّ جنبلاط في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المأساة الكبرى كان يعيشها اللبنانيون كل يوم ومن كل الجهات، وهذه الذكريات المؤلمة القاسية هي الأهم. فالذاكرة الفردية ليست إلا جزءاً من الذاكرة الجماعية، التي تحتاج إلى تنقية ومصالحة ومصارحة ومسامحة مع الذات ومع الآخرين، لكي نمضي قدماً. ونحتاج لعمل كثير كي نتمكن من الوصول إلى ما نطمح إليه في هذا المجال».
ويشير جنبلاط إلى أن «الكل خاض الحرب عن قناعة بأنه يملك الصواب ولديه القضية المحقة، والكل برأيي كان مُصيباً في جوانب من قضيته، لكن أيضاً مخطئ في جوانب أخرى» لافتاً إلى أنه «وبصرف النظر عن المبررات والظروف التي فرضت الحرب والانخراط فيها، وكان (الحزب التقدمي الاشتراكي) في وضع الدفاع عن الوجود والبقاء والهوية وكان لدينا قضيتُنا، إلا إن الحرب برمّتها خطأ، والصواب أن نبقى نبحث عن الحوار ثم الحوار ثم الحوار. فلا حل إلا بالحوار، ومهما تقاتلنا نعود للحوار، لأنه لا مفر من أن نعيش في هذا الوطن جميعنا في إطار من الحرية والتنوع وقبول الآخر والشراكة». ويضيف: «هذا الأمل الوحيد الباقي بعد كل ما بلغناه من خراب وانهيار وتدمير اليوم، والقلق حالياً هو من الفوضى والانفجار الشامل، وهذا أخطر من الحرب؛ لأنه يترافق مع انهيار اقتصادي ومعيشي شامل يهدد كل شيء».
ويرى جنبلاط أن المهم اليوم البحث عن «كيفية صناعة الاستقرار وبناء الغد الأفضل، لا عمّن يريد الحرب»، عادّاً أنه «في ذكرى الحرب يكفي أن نتذكر كل الضحايا الذين قضوا والجرحى والمصابين والعائلات والمفقودين والمخفيين قسراً والتداعيات الجسيمة التي لا تزال حتى اليوم. ويكفي أن نتذكر ما فعلناه في المصالحة وأن نتمسك بها أكثر؛ لأنها حجر أساس لبناء المستقبل، وأن نبحث عن شراكة لقيام الدولة ونهوضها مما هي فيه من أزمة مصيرية، لكي نقدم شيئاً للجيل القادم، ولكي ننهي دوامة الأزمات»، مضيفاً: «نسعى لنحقق ما يريده الشباب من دولة مدنية علمانية؛ دولة قانون وعدالة قضائية وعدالة اجتماعية واقتصاد متكافئ وإنماء وحياة كريمة وحقوق الإنسان. اليوم للأسف باتت المُهمة أضعافاً، فهناك (كورونا) والواقع الصحي والجوع والانهيار. ثم علينا ألا ننسى أبداً الأخطار مما يجري حولنا، وهناك العدو الإسرائيلي الذي يسرق ثرواتنا، ويعتدي على سيادتنا. كل ذلك هو فعلاً أخطر من الحرب، لذلك علينا أن نعمل كثيراً لمنع هذا الانفجار».
ويدعو جنبلاط للبدء في هذا المسار من خلال «تشكيل حكومة فاعلة، والقيام بإصلاحات حقيقية، وبإنعاش تدريجي للاقتصاد، ثم بناء المؤسسات السياسية على أساس ديمقراطي سليم، والمؤسسات الإدارية على قاعدة من الكفاءة والإنتاج»، مشدداً على أن «وحدها دولة المواطنة تمنع تكرار الحروب والاقتتال، وهذا ما نريده».