IMLebanon

بكركي: لا نبرّئ أحداً من التعطيل!

كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:

لم تتوقّف مساعي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى إنجاز تأليف الحكومة، ولن تتوقف حتى إبصار الحكومة المرجوّة النور. كذلك لا يستثني الراعي أي مسؤول من التأخير في التأليف، وخطاباته وعظاته تستهدفهم جميعاً بلا استثناء، فهو لا يبرّئ أحداً من هذا التعطيل، ويرى أنّ من أبرز معوقات عدم استكمال مسار التأليف، عدم تواصل المسؤولين المعنيين بعضهم مع بعض، خصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وبحسب تجربة الراعي على خط التأليف، تخلص مصادر بكركي الى أنّ «الكارثة تكمن في انعدام الثقة والكذب الكثير».

ترى مصادر البطريركية المارونية أنّ «هناك استقالة كاملة للمسؤولين ومراهقة سياسية متحكّمة بالبلد». وتعتبر أنّ «التأليف ينتظر الرئيس المكلف المطلوب منه إعداد تشكيلة وزارية أو تصوُّر وحمله الى رئيس الجمهورية، كذلك مطلوب من رئيس مجلس النواب أن يخاطب رئيس الجمهورية ويتواصل معه ويضعه في أجواء اقتراحه». وتقول: «أحد لا يتحدّث مع أحد، ولا يخاطبون بعضهم بعضاً، فيما أنّ التخاطب بين المسؤولين في الدولة لا يحصل عبر وسائل الإعلام، بل يجري مباشرةً عبر المؤسسات، وليس أن يكون هناك من لا يريد أن يعطي قيمة لآخر، وأن تكون هناك حسابات صغيرة».

على رغم ذلك، تؤكد المصادر أنّ مساعي البطريرك الحكومية مستمرّة، وهو لم يتوقف ولن يتوقف لجهة المبادرات والمساعي ويتشبث بالأمل دائماً. وتُترجم مساعي الراعي هذه عبر موفدين ووسطاء الى المعنيين بالتأليف. وتقول: «هناك كذب كثير وعدم ثقة. وهذه كارثة البلد الآن».

أمّا بالنسبة الى اعتبار البعض أنّ الراعي يضعف موقف عون أمام الحريري، خصوصاً في كلامه الأخير خلال عظته الأحد الماضي عن أن «لا تدقيق جنائياً قبل تأليف حكومة»، فضلاً عن اعتبار أنّ غالبية مواقف الراعي وعظاته تستهدف رئيس الجمهورية، تؤكد مصادر بكركي أنّ «هذا الكلام غير صحيح، فحين يخاطب البطريرك المسؤولين في الملف الحكومي يخاطب الجميع ويطالبهم جميعاً، وهو لا يبرّئ الحريري من التأخير في التأليف نهائياً».

وتوضح أنّ مقصد البطريرك من كلامه في عظته الأخيرة هو «الدعوة الى الإسراع في التأليف وهو يضع كلّ الضغط لتأليف حكومة وأن لا يتلهّوا بأمور أخرى، وهذا ليس تقليلاً لأهمية التدقيق الجنائي الذي نريده جميعاً ومنذ سنوات لكي ننتهي من السرقات. لكن ليس أن نرمي شعارت لا يمكننا تطبيقها، فأي دولة ترغب في أن تتعامل معنا وتشفق علينا وتشحذنا أموالاً تريد حكومة، ولا يمكن أن نبقى دويلات داخل دولة وكلّ طرف «فاتح عحسابو». وترى أنّ «ما يجري الآن جرّاء عدم تأليف حكومة هو تقوية الدويلات في لبنان على حساب الدولة، لكي تنمّي كل فئة الطائفية والمذهبية والحزبية على حساب الدولة، فحين تضعف الدولة ويكون هناك تأخير في تأليف الحكومة تنمو هذه الفطريات كلّها على حساب الدولة وتتجه كلّ فئة الى تخليص نفسها بنفسها وتفتح خطوطاً مع الخارج وترتّب أمورها وأوضاعها». وتخشى البطريركية من «أن يصل هذا الأمر الى حدّ اعتبار فئات أنه بات هناك خطراً أمنياً فتطلب التسلُّح من الخارج ونعود الى الحرب مجدداً».

أمّا عن «تغريدة» عون بُعيد عظة البطريرك التي قال فيها: «الفاسدون يخشون التدقيق الجنائي المالي أمّا الأبرياء فيفرحون به»، فضلاً عن الحملة التي أطلقها «عونيون» عبر موقع «تويتر» تحت عنوان و»هاشتاغ»: «راعي الفساد»، في هجوم لاذع على الراعي وصل الى حدّ المطالبة بالتدقيق في أملاك البطريركية، فتقول مصادر بكركي: «قد يكون صعباً أن يتجرد المسؤول من جماعته وأن يفصل بين كونه مسؤول في الدولة وبين كونه زعيم تيار، لكن الإنسان حين يكون في موقع المسؤولية يجب أن يفصل بين الأمرين».

وتؤكد المصادر نفسها أنّ «العلاقة بين البطريرك والرئيس عون ممتازة ولا تشوبها أي مشكلة»، مشيرةً الى أنّ الراعي «يدعم موقف الرئيس عون وهو مشجّع وداعم له ويحاول أن يقوّي مواقف الرئيس في كل المناسبات». وترى أنّ «هناك من يحاول استغلال المواقف وصب الزيت على النار والاصطياد في الماء العكر»، معلنةً أنّ «التواصل مستمرّ بين بكركي والقصر الجمهوري وليس صعباً».

أمّا عن الهجوم «العوني» من شريحة مسيحية – مارونية ضدّ مرجعيتها الدينية الأعلى، فترى مصادر بكركي أنّ «هذه وقاحة، لكن البطريرك لا يعلّق على هذه الأمور ولا يتوقف عندها بل اعتاد على الانتقادات كلّ فترة من جهة ما، فجماعتنا يتعاطون مع بكركي والبطريرك على القطعة، فإذا كان يناسبهم موقف البطريرك يهلّلون له وإذا كان لا يناسبهم يشتمونه ويتطاولون عليه. لكن هناك حدوداً للانتقاد السياسي، والأمور تخطّت كلّ الحدود». وتشدّد على أنّ «البطريرك لا يتوقف عند هذا الأمر، لكنه يحزن أن يتعاطى أبناؤه معه بهذا الشكل ويحزن عليهم وليس منهم، ويصلّي لكي ينيرهم الله ويهديهم لكي يميّزوا بين الخطأ والصواب».

أمّا لجهة خلفية موقف البطريرك وأهدافه، فتوضح أنّ «كلام البطريرك في عظته الأحد فُهم خطأ»، وتضيف: «ليقولوا ما هي الآلية التنفيذية للتدقيق الجنائي، علماً أنّ البطريرك طالب بالتدقيق قبل الرئيس عون، ويطالب دائماً بأن تشمل المحاسبة الجميع، ولا تقتصر على موظفين مقصودين لكي يكونوا كبش محرقة فيما يبقى آخرون بعيدين من الشبهات والتدقيق ولا يُمكن الوصول إليهم». وترى أنّ «كلام البطريرك قد يكون أحبط بعض المحاولات في هذا الإطار، وليس بالضرورة من الرئيس عون»، مؤكدةً «أننا لا نشك في نيات الرئيس ولا بنزاهته وصدقية مقاصده، لكن هناك مجموعات تستفيد من هذا الجو». وتسأل: «ما الجرم الذي ارتكبه البطريرك حين قال ألّفوا حكومة. فما الذي ينقذ البلد، هل التدقيق الجنائي أم الحكومة وما هي الأولوية؟ ولكي يمكننا أن نجري تدقيقاً جنائياً حقيقياً ألا يتطلب ذلك حكومة؟». وتشدّد على ضرورة «تأليف حكومة تمثّل الجميع، وتكون من أصحاب إختصاص وشفّافة تقوم بعملها لإنقاذ البلد الذي بات تحت الهاوية». وإذ تسأل: «ماذا ينتظرون بعد؟»، تأسف لأنه «كلّما ازداد الوضع سوءاً ازداد السياسيون سوءاً في الأداء وفي الاستكبار ووضع الشروط. فحين يقع البلد في أزمة يجب على المسؤولين أن لا يناموا لكي ينقذوا البلد وشعبه، وليس أن يزيدوا في الطين بلّة ويضعوا شروطاً بعضهم على بعض ويعرقلوا كلّ المساعي والمبادرات، وكأنّ هناك من ينتظر الانهيار الكامل لكي يستفيد ويعوّم نفسه. وهذا ما يخلق الشك ويزرعه، فكيف نبقى متفرّجين أو نسكت عن ذلك».