Site icon IMLebanon

“التلاعب” بالحدود في “جمهورية المناكفات”؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: 

حفلت الأيام الاخيرة بالمقاربات الخاصة بتعديل المرسوم 6433 الخاص بتكريس الخط القانوني الضامن لحقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة. في وقت تواجه البلاد استحقاقات أخرى، اولاها تشكيل حكومة جديدة. ولكن الظروف فرضت على اللبنانيين البتّ بالمرسوم، قبل ان تبدأ اسرائيل السطو على ثروة لبنان في إحدى حقوله المشتركة معها. لكن الأخطر، انّ هذا الملف أُدخل في دائرة المناكفات الداخلية. فكيف تمّ التوصل الى هذه المعادلة؟

لم يكن مستغرباً ان يغرق اللبنانيون في الفترة الاخيرة في ما يمكن تسميته «وحول» تعديل المرسوم 6433، في ظلّ الضجيج الإعلامي والسياسي حول ضرورة البتّ به وإصداره بالسرعة القصوى. فوضعت ملفات أخرى ربما أكثر اهمية منه على الرفّ، في انتظار جلاء المواقف منه، بالنظر الى الاهمية التي أُعطيت للحاجة اليه في وقت قريب، استباقاً لخطوات اسرائيلية تؤذي المصالح اللبنانية في الثروة النفطية البحرية.

فعلى الرغم من مجموعة الاستحقاقات الأخرى بوجوهها المختلفة الاقتصادية والحكومية والنقدية والادارية والطبية المطروحة على اللبنانيين، انشغل اللبنانيون بطريقة ترجمة التعديل المقترح على المرسوم 6433، لتكريس حق لبنان بالمنطقة الإضافية من المياه، فور العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، التي استُؤنفت في 14 تشرين الاول من العام الماضي، استناداً الى ما قال به «إتفاق الإطار» بين لبنان واسرائيل متى تمّ ذلك. فجميع الاطراف المعنية تدرك انّ مفاوضات الترسيم التي علّقها رئيس الفريق الاميركي السفير جون روديتشر، المكلّف رعاية وتسهيل هذه المفاوضات منذ 30 تشرين الثاني الماضي، ستبقى مجمّدة الى حين تكليف الإدارة الاميركية الجديدة الفريق الذي سيستكمل هذه المهمّة. وهو أمر بات رهناً بتعيين المسؤول الذي سيخلف روديتشر الذي انتهت مهماته، لمجرد انتهاء مهمات من كلّفه، وهو معاون وزير الخارجية لشؤون الشرق الادني ديفيد شينكر، قبل ايام من بدء ولاية الرئيس الاميركي جو بايدن.

وبمعزل عن هذه الوقائع، فقد انشغلت الاوساط السياسية والاعلامية والشعبية بما طُرح في شأن الآليات المقترحة لإنجاز التعديلات المقترحة على المرسوم، بهدف اصداره وتعميمه على المراجع المعنية في الامم المتحدة لتجميد الخطوات الإسرائيلية، التي دنت من بدء الحفر في «حقل ياريتش» النفطي الذي يقسمه الخط الجديد المقترح، ويجعله في منطقة متنازع عليها بين الدولتين، في انتظار العودة الى طاولة المفاوضات للبت بالخط النهائي للحدود البحرية بينهما.

وعليه، فقد توقف المراقبون بقلق شديد امام موجات المدّ والجزر التي رافقت ما هو مطروح من تعديلات على المرسوم، في مرحلة شهدت كثيراً من الحملات الاعلامية التي اندلعت على خلفيات غير ثابتة، جعلت مما هو مطروح مادة للنزاع الغامض في ما بين الأفرقاء اللبنانيين المنقسمين حول كل شيء. فقد اعتقد كثر من اللبنانيين بداية، انّ هناك اجماعاً لبنانياً على تأييد ما طرحه الوفد العسكري الى مفاوضات الترسيم في الجلسة الثانية منها في 19 تشرين الاول الماضي، من اجل تصويب مسار المفاوضات ومنع هدر جزء غير قليل من الحقوق اللبنانية، قبل ان يكتشفوا العكس تماماً.

كان الوفد اللبناني عند طرحه الخط الجديد متسلحاً بمجموعة من الدراسات التي انتهت اليها المراجعة الدقيقة لقانون البحار وخطط سابقة وضعتها هيئات دولية بريطانية واخرى محلية، أجمعت على تصويب الخطوات السابقة، قبل ان تفرملها الملاحظات الإسرائيلية التي تبنّتها الادارة الاميركية، من دون ان تعلن موقفاً نهائياً منها، التزاماً منها بدور الوسيط المسهّل بينهما والذي تعهّدت به في اتفاق الاطار، عندما أُعلن عنه في الاول من تشرين الاول الماضي.

وإن عاد المراقبون ومعهم الخبراء المتخصصون في الترسيم الى المواقف التي واكبت الخطوات الاخيرة، فقد عبّروا عن قلقهم من الانقسام الذي ظهر عندما وُجّهت التهمة الى رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والوزيرين المعنيين بالمرسوم وزيرة الدفاع زينة عكر وزميلها وزير الاشغال العامة والنقل ميشال نجار، لحملهم على توقيع المرسوم الجديد، قبل الإشارة المفاجئة الى انّ الآلية المتبعة غير صالحة وغير كافية لإصدار المرسوم بالطريقة الدستورية التي تسمح بتنفيذ ما أُريد منه.

قيل للبنانيين على مدى الايام الاخيرة، على وقع الحملات التي شاركت فيها جمعيات من المجتمع المدني وخبراء ومؤسسات اعلامية، انّ من المفترض إصدار المرسوم المطلوب بنحو جوال وإستثنائي، أسوة بعشرات المراسيم التي صدرت في ظلّ حكومة تصريف الاعمال، التي لم يقبل رئيسها التوسع في ممارسة صلاحياته في اكثر من اتجاه، قبل ان يكتشف رئيس الجمهورية – وخلافاً لمجموعة من الآراء القانونية والدستورية – انّ ما هو مطلوب عقد جلسة لمجلس الوزراء للبتّ بالمرسوم، التزاماً منه برأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل التي صدرت قبل فترة. فهي أصرّت على ضرورة البت بالتعديل في جلسة لمجلس الوزراء ولو كانت «حكومة تصريف اعمال»، ليسلك طريقه بعدها الى الامم المتحدة ليحقق مفاعيله القانونية، علماً انّ هناك من يعتقد انّ مراسلة حكومية عادية كافية لتُعترف بها في الامم المتحدة. ففي مثل هذه الحالات لا تعنيها الآليات المعتمدة داخل الدول.

وعليه، جاء كتاب رئيس الجمهورية الذي اوصى به من الأمانة العامة في القصر الجمهوري الى الامانة العامة لمجلس الوزراء، ليضع حداً لكل ما حصل. فهو اراد لفت نظر دياب الى ضرورة الدعوة الى عقد جلسة لتعديل المرسوم عملاً بمنطق «التماثل القانوني». فالقانون المطروح تعديله صدر بقرار من مجلس الوزراء، ولا يمكن تعديله إلاّ بالطريقة عينها. فبات مشروع التعديل رهناً بردّ دياب وقبوله بما لم يرده من اجل البت بالموازنة العامة في جلسة لمجلس الوزراء رغم اهميته، فكيف يمكنه القبول بها من اجل البت بالمرسوم، بعدما صدرت عشرات المراسيم الشبيهة، ويمكن انّ من بينها ما هو اكثر اهمية مما هو مطلوب؟

وعليه، طُرح السؤال ما الذي حصل؟ لماذا انقلبت الآراء بهذه الطريقة بعدما انشغل اللبنانيون بمتابعة من سيوقّع المرسوم او لا يوقّعه؟ ولماذا أصرّ رئيس الجمهورية على ضرورة البت بالمرسوم بهذه الطريقة؟ ومن هو الذي سيفصل بالقرار الصائب وتحديد الطريق الأقصر للجم الإجراءات الإسرائيلية التي تهدّد الثروة اللبنانية، قبل ايام على وصول الباخرة المكلّفة مهمة الحفر الى حقل ياريش الاسرائيلي؟

وفي انتظار الكشف عن جواب دياب رسمياً، لا بدّ من الإشارة الى انّ المرسوم بات مادة تجاذب في سوق «المناكفات اللبنانية». فالكواليس تحفل بالسيناريوهات التي تتحدث عن تعهدات سابقة تحول دون ضمان حق لبنان بالمساحة الإضافية من حدوده. والى ان ترسو الامور على ضفة واضحة ونهائية، لا بدّ من الإعتراف بأنّ حق لبنان بالمنطقة الاضافية هو في خطر شديد، فمن سيتحمّل المسؤولية؟ وماذا سيكون مصير المفاوضات؟ وكيف ومتى ستتكشف الحقائق الغامضة؟