كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
هل العتمة الشاملة حتمية؟ هل سيتوقف مصرف لبنان عن دفع الفارق بين سعر الدولار الرسمي وسعر السوق الموازية لتأمين الفيول حاجة مؤسسة كهرباء لبنان؟ بمعنى آخر، هل سيتكفّل بتغطية سلفة الخزينة التي أقرها مجلس النواب حديثاً والبالغة قيمتها 200 مليون دولار، أي 300 مليار ليرة وفق السعر الرسمي، والتي تكاد تكفي لحوالى شهرين أو ثلاثة أشهر اذا ما اعتمدت مؤسسة كهرباء لبنان تقنيناً قاسياً؟
ماذا عن لائحة مستحقات المؤسسة تجاه الشركات المشغّلة للمعامل ومن بينها المعامل العائمة أي البواخر، والمتعهدون، والتي تتجاوز قيمتها الـ 300 مليون دولار وتريد من مصرف لبنان أن يسددها بالعملة الصعبة؟ وماذا لو رفض مصرف لبنان هذا الأمر بحجة عدم توفر الدولارات؟ وهل تطفئ البواخر محركاتها؟
كلها أسئلة لا تزال تنتظر قرار مصرف لبنان حيال مسألة ترشيد الدعم، وهو عاد وطالب الحكومة “بوضع تصوّر واضح لسياسة الدعم تضع حداً للهدر الحاصل…”، فيما تدلّ المؤشرات على أنّ المصرف المركزي قد يعمد إلى شدشدة حنفية الدعم بقرار أحادي الجانب طالما أنّ الحكومة ومجلس النواب يتقاذفان المسؤولية ويرفضان اتخاذ أي قرار بهذا الشأن.
وفق تطورات ملف مستحقات مؤسسات كهرباء لبنان، يتبيّن أنّ اللائحة التي رفعت إلى مصرف لبنان ضمّت في حينه كلفة عقد تشغيل معملي الزهراني ودير عمار (شركة برايم ساوث)، عقد استجرار الطاقة من البواخر (شركة كارباورشيب)، عقد تشغيل وصيانة معملي المحركات العكسية في الذوق والجية، عقد الإشراف على تشغيل معملي دير عمار والزهراني، عقد الإشراف على تشغيل المحركات العكسية في الذوق والجية، تشغيل وصيانة مطمر الناعمة ولوحات الطاقة الشمسية، تأهيل معمل رشميا، تأهيل وصيانة وتأمين المواد الاستهلاكية والكيماوية في معامل الانتاج، تأهيل وصيانة وتأمين المواد والمعدات في مديرية النقل، أشغال عائدة لمديرية الدراسات، عقد مشروع مقدمي خدمات التوزيع بما فيها تأمين العدادات الذكية، عقد الإشراف على مشروع مقدمي الخدمات، عقد الاستشاري على إدارة مشروع الـDSP، مركز التحكم…
ولكن هذه اللائحة التي خرجت من مؤسسة كهرباء لبنان، كانت بالأساس موضع اعتراض من جانب بعض أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، المؤلف من ستة أشخاص موزعين على الطوائف الست الأساسية (بينهم اثنان محسوبان على “التيار الوطني الحر”)، إلى جانب رئيس مجلس الإدارة، المدير العام كمال الحايك. بعض هؤلاء كان يقول صراحة إنّ الأرقام المرفوعة إلى مصرف لبنان مبالغ فيها، ولهذا لم يتوان مصرف لبنان عن ردّ اللائحة مطالباً بترشيدها ووضع قائمة أولويات للدفع، وإلا “لا دولار” من جانبه.
وعلى هذا الأساس، عادت اللائحة إلى مؤسسة كهرباء لبنان لإعادة النظر فيها، خصوصاً وأنّ أعضاء مجلس الإدارة المعترضين مقتنعون بضرورة الدفع بالعملة المحلية، حتى لو كانت العقود بالدولار، ولكن يفترض أن يكون الدفع وفق السعر الرسمي. ولعل الشكوك التي تجتاح هؤلاء المعترضين حول هدر بملايين الدولارات حصل على مرّ السنوات، هي التي تدفع بهم إلى المطالبة علناً بالدفع وفق السعر الرسمي لا أكثر.
يقول هؤلاء إنّ ادعاء بعض الشركات بأنّها أجنبية ليتبيّن في ما بعد أنها شركات محلية، هو الذي يزيدنا اقتناعاً بأنّه لا ضرورة للدفع بالدولارات الطازجة كما تطالب هذه الشركات. ويضيف هؤلاء: على سبيل المثال، أن يشارك رالف فيصل (المستدعى في ملف البواخر) في أحد اجتماعات مجلس الإدارة بصفته ممثلاً عن شركة كارباورشيب (البواخر العائمة)، ويشارك مرة ثانية بصفته ممثلاً عن شركة ساوث برايم (المشغلة لمعملي الزهراني ودير عمار)، فتلك إشارة لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام. وهذا ما يزيد الأعضاء المعترضين تشدداً في رفضهم دفع الدولارات الطازجة لهذه الشركات.
وتكشف المعلومات عن توجّه مجلس الإدارة إلى تقليص لائحة المدفوعات لهذه الشركات بشكل يشطب المستحقات غير المقنعة، كما يقول هؤلاء، والعمل على وضع لائحة جديدة مختصرة جداً، لرفعها إلى مصرف لبنان. اللافت، وفق هؤلاء أنّ الأعضاء المعترضين سيطالبون بشطب مستحقات الشركة التركية من مدفوعات الدولارات الطازجة، ما قد يفتح الباب أمام سيناريو تعليق عمل هذه المعامل.
في الواقع، إنّ عقود المعامل العائمة تنتهي في شهر أيلول المقبل، ومن الواضح أنّ هناك ضغطاً من بعض أعضاء مجلس الإدارة لإخراج هذه المعامل من العمل، بحيث تدفع مستحقات هذه الشركة بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف، على أن تغادر المياه اللبنانية فور انتهاء العقد.
في المقابل، ثمة بحث جديّ للعمل على تعويض بعض الطاقة التي تؤمنها المعامل العائمة (370 ميغاوات) من خلال صيانة معملي الزهراني ودير عمار (يؤمنان حوالى 900 ميغاوات) وإعادة تشغيل بعض المعامل المتوقفة كمعمل بعلبك على سبيل المثال. أمّا البواخر، فيبدو أن حِملها صار ثقيلاً جداً بحيث لا يجرؤ أي من القوى السياسية على الدفاع عنها.