Site icon IMLebanon

عون يُحرج الجميع في “الترسيم”

كتب منير الربيع في الجريدة الكويتية:

دخل لبنان في «مدار استراتيجي» جديد، بين مزارع شبعا البرّية، وما يطلق عليه بعض الساسة اللبنانيين «مزارع شبعا البحرية». إنها دوامة من المواجهات الصعبة، التي يستعد اللبنانيون لخوضها، في أسوأ الأحوال الاقتصادية والمالية والسياسية.

وفي عزّ العزلة التي يعيشها لبنان عربياً ودولياً، تحت سقف الضغوط القصوى التي يتعرض لها البلد، أصبح ملف تعديل مساحة لبنان البحرية في الواجهة.

كان الوفد اللبناني المتفاوض مع إسرائيل يشدد على ضرورة إقرار مرسوم يوسع مساحة لبنان، وأيّد رئيس الجمهورية ميشال عون هذه الخطوة، وتم خوض معركة سياسية لأجلها، ووقّع المرسوم الوزراء المعنيون، لكن عون أصرّ، أمس، على إقراره من قبل مجلس الوزراء مجتمعاً، وهو أمر غير ممكن، لأن الحكومة في حالة تصريف الأعمال.

أمسك عون بورقة قوية، قبل ساعات من وصول وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت، ويبدو أنه سيفاوض على أساس هذه الورقة؛ إما أن يضغط على الحكومة لإقراره، وهو يريد الحصول على تواقيع كل القوى السياسية، وإما أنه سيترك هامشاً له فيما بعد لإعادة توقيعه إذا اقتضت الحاجة.

خلاصة ما يجري يضعف موقع لبنان التفاوضي، وتظهر القوى السياسية في حالة تخبط هائلة أمام الأميركيين والإسرائيليين.

كما سلم وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية شربل وهبة، المحسوب على عون، سفير سورية في لبنان علي عبدالكريم، مذكرة تدعو إلى التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، وذلك بعد أن تبين قضم سورية لنحو 750 كيلومتراً مربّعاً من المنطقة البحرية اللبنانية.

يأتي ذلك بعد أيام، من نشر السفير الأميركي السابق، والذي كان مكلفاً من الإدارة الأميركية بملف ترسيم الحدود، فريديريك هوف، مقالاً ينقل فيه على لسان بشار الأسد أن مزارع شبعا سورية لا لبنانية. ما كشفه هوف ينقض وجهة نظر لبنان الدولة ووجهة نظر حزب الله. تقصّد الدبلوماسي الأميركي تمرير الموقف في لحظة مفصلية يعيشها لبنان على خطّ ترسيم حدوده البحرية.

ما تريد واشنطن إيصاله واضح، وهو أن ذهاب لبنان إلى توسيع حدوده سيعني تثبيت الحدود من جانب واحد، من دون قدرة قانونية أو سياسية على صيانتها، مما يعني أن الملف يشبه إلى حدّ بعيد ملف مزارع شبعا غير المثبتة لبنانيتها وتنتظر إقراراً رسمياً سورياً بذلك لدى الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي تمتنع عنه دمشق.

نظرية عدم لبنانية مزارع شبعا كان وليد جنبلاط أول من أطلقها. منذ سنوات طويلة، وتحديداً في عام 2006، جال جنبلاط في الولايات المتحدة وزار الأمم المتحدة لبحث ملف مزارع شبعا، وحينها لم يقم النظام السوري بإقرار لبنانية المنطقة، ولم يرسل أي توضيح للجهات الدولية المعنية. ووفق القانون الدولي، فإن مزارع شبعا ليست لبنانية بل سورية، وهي مضمومة إسرائيلياً إلى الجولان، وخاضعة للقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 242، الذي يشمل سورية، لا القرار 425 الذي يتناول لبنان، كما أن القوات الدولية العاملة في مزارع شبعا هي «الإندوف»، لا «اليونيفيل» العاملة في لبنان.

استمرّ هذا السجال طوال السنوات، حتى تجدد قبل سنتين بين جنبلاط ونصر الله أيضاً، وحينها قال جنبلاط مجدداً إن مزارع شبعا قانونياً غير لبنانية، ولإثبات لبنانيتها لابد من اعتراف سوري بالأمر، ونصح حزب الله بأن يذهب إلى دمشق للحصول على هذا الاعتراف وتسجيله لدى الأمم المتحدة. هذا الملف الشائك كانت له انعكاسات سلبية كثيرة على لبنان استدرجت ضغوطاً كبيرة لها علاقة بسلاح حزب الله ومعركته في سبيل تحرير الأرض، وهذا يدرج نقاطاً كثيرة في دفتر الشروط الأميركية على لبنان، أولها تفريغ مخازن صواريخ الحزب من الجنوب، وتفكيك الصواريخ الدقيقة، وجعل الجنوب منطقة آمنة. ما ينطبق على البرّ ينطبق على البحر، وسط توقعات بزيادة منسوب الضغوط الأميركية-الإسرائيلية، بعد توقيع لبنان مرسوم توسيع الحدود البحرية وتسجيله لدى الأمم المتحدة، بأن المساحة اللبنانية هي 2290 كم مربع بدلاً من 860 كم.

تستخدم واشنطن ما قاله أحد الوزراء الإسرائيليين في عام 2011، مع بدء المفاوضات حول ترسيم الحدود، إذ اتهمت تل أبيب لبنان بأنه يحاول استنساخ مزارع شبعا بحرية، بمعنى فشل المفاوضات، وادعاء لبنان أن لديه مساحة أوسع غير قادر على صيانتها والاستثمار فيها، فعندها يكون هناك حاجة لتحريرها عن طريق المقاومة. هذه الخطوة اللبنانية قد تؤدي إلى ممارسة الكثير من الضغوط الأميركية والإسرائيلية. وما يجري يتزامن مع لحظة توتر إيراني-إسرائيلي من خلال زيادة إسرائيل لمنسوب عملياتها ضد طهران.