كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:
جاء شهر رمضان وتكشّفت معه أوضاع الناس المعيشية التي أصبحت في الحضيض، وشراء قطعة الحلويات بات يُحسب له ألف حساب، ورغيف رمضان الذي اشتهرت به بعلبك، هذه المأكولات التي ترافق الشهر منذ بدايته باتت من الكماليات التي يعجز عن تأمينها ربّ عائلة لأطفاله.
كل الروايات التي نسمعها عن أوضاع الناس الإقتصادية مع إرتفاع الأسعار واختفاء البضائع المدعومة وغياب اللحوم والدجاج عن طعام العديد من العائلات منذ أشهر، تُصدّق، لكن أن تقرّر أمهات في بعلبك منع أولادهن من الصيام لأنه لا يوجد في منزلهم اي شيء يقتاتون به فتلك أبشع الروايات. هذه العائلات نقلت معاناتها صاحبة محل ألبسة في أحد أحياء مدينة بعلبك والتي هي على إحتكاك يوميّ بالناس وهمومهم. وأشارت تلك السيدة لـ”نداء الوطن” الى أن أكثر الأمهات يقصدن المحال بحثاً عن العمل لتأمين لقمة عيش أبنائهن، بعدما أقفلت جميع الأبواب بوجه الآباء الذين باتوا بلا عمل بسبب إقفال العديد من المؤسسات، وحتى الأعمال التي يتقاضون فيها أجراً يومياً متوقّفة، وقالت: “إن أبشع القصص التي سمعتها هو غياب الخبز عند إحدى الأسر ليومين متتاليين”.
على غير العادة تفرغ محال الحلويات في بعلبك الهرمل من زبائنها، ويفكر ربّ العائلة ألف مرة قبل إقدامه على شراء كيلو حلويات لأولاده بعدما ارتفعت الأسعار بشكل جنوني اسوةً بباقي أسعار السلع والبضائع، ومردّ كل ذلك إلى إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي لامس الـ13 ألف ليرة لبنانية. وعند مدخل أحد المحال في سوق بعلبك يقف الستيني علي ط. محتاراً في أمره، هل يدخل ويشتري الحلويات التي طلبتها صغيرته ميرا إبنة العشر سنوات والتي تصوم هذا العام للمرة الأولى؟ في دردشة مع “نداء الوطن” أكد أن “طلبات الأولاد في رمضان من المقدسات، ويأتي تأمينها من باب التشجيع على الصيام، لكن الأوضاع الصعبة التي نعيشها وعدم توفر السيولة وإرتفاع الأسعار تجعلنا نفكر ألف مرة قبل شراء الحلويات وغيرها من الأصناف التي باتت صعبة المنال، فالأولوية اليوم للوجبة التي تبقينا صامدين”، مضيفاً بأنه لا يريد أن يحرم إبنته ما تشتهي وسيشتري لها على قدر الحال، وإن كان “كلاج رمضان من الحلويات التي ننتظرها من عام إلى عام لكنها اليوم أصبحت غاليةً جداً وبسعر الحبتين منها سأشتري “مشبك وهريسة وعوامة”، كي لا تبقى ببال إبنتي”.
إبن صاحب حلويات “الذواق” الشهيرة في بعلبك أشار في حديث لـ”نداء الوطن” الى أن “إقبال الناس على شراء الحلويات هذا العام ضعيفٌ جداً، ونحن كنا نحضّر كل يوم في رمضان العام الماضي 15 صدراً من الكلاج المقلي الذي نشتهر به، أما اليوم فنجهّز كل يوم صدرين إثنين ويبقى منهما، ونقوم بتخفيض الأسعار لبيعها وفي حال عدم البيع نقوم بتوزيعها على العائلات المحتاجة والمستورة بدل أن نرميها”، مضيفاً بأن “الناس تحسب حساب الأسعار والغلاء والحلويات اليوم باتت من الكماليات، والناس على مرأى أعيننا تشتري الخضار بالحبة فكيف بالحلو”؟ وأضاف بأن “غلاء أسعار الحلويات ناتج عن غلاء أسعار المواد الأساسية والتي نشتريها بالدولار، فدزينة الكلاج كنا نبيعها في شهر رمضان الماضي بـ18 ألف ليرة واليوم تباع بـ 60 ألف ليرة، وهي تحتاج لعدد من المكونات التي نشتريها بالدولار وعلى سعر صرف السوق السوداء، فطن السكر نشتريه بـ 540 دولاراً، والسمنة للقلي بـ67 دولاراً، أما الحليب المخصص للقشطة فسعره 110 دولارات”، خاتماً بأن أسعار الأصناف زادت من دون أن تردّ ثمنها، ناهيك عن أسعار الكراتين والأكياس والعلب.
ولبعلبك قصة مع رغيف شهر رمضان المشهور والذي يصنع من الطحين والحليب والزبدة وبعض المكونات فيما الحشوة من التمر أو السكر، وحيث كان العام الماضي سعر الرغيف خمسة آلاف وصل سعره هذه السنة إلى عشرين الف ليرة، ومرد إرتفاع سعره كسائر الأصناف والبضائع إلى الدولار وسعر المواد الأساسية التي يصنع منها، وفيما كانت كل عائلة بعلبكية تشتري الرغيف الرمضاني ليكون على رأس مائدة الإفطار أصبح شراؤه اليوم يحتاج إلى موازنة خاصة.