Site icon IMLebanon

هل كرّس هيل المقاربة “الترامبية” للملف اللبناني؟

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:

في «أول الكلام» المباشر حيال الملف اللبناني، أعطتْ إدارةُ الرئيس الأميركي جو بايدن إشاراتٍ واضحةً إلى أن مقاربتَه تبدأ من حيث انتهتْ سياسة دونالد ترامب، وعلى قاعدة «التوازي» بين الإصلاح الشامل ووضع حدّ للفساد عبر حكومةٍ قادرة وملتزمة بهذا المسار، وبين التصدي لمسألة «حزب الله» وما تعتبره واشنطن «تغذّياً» من انحلال مؤسسات الدولة والفساد و«تغذيةً» له لتمكين نفوذه بدعْمٍ من إيران.

ومن القصر الرئاسي اللبناني «تطايرتْ» أمس، الرسائل التي أطلقها وكيلُ وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل بأوضح صورة، مبدِّداً كل ما شاع عشية بدء زيارته لبيروت بأنها «وداعية» قبل مغادرة منصبه، ومؤكداً ما كانت «الراي»، أشارتْ إليه قبيل وصوله من أن ما يحمله معه وما سيعود به من خلاصاتٍ سيشكّل «وديعة» لفيكتوريا نولاند بعد أن تتسلّم مهماتها وتالياً لإدارة بايدن لاستكمال سياستها تجاه «بلاد الأرز» في ضوئه.

ومن الشكل إلى المضمون، تَكامَلَتْ العناصرُ التي جعلتْ محطة الديبلوماسي الأميركي بالغة الأهمية في ما خص استشراف ثوابت واشنطن بإزاء الواقع اللبناني وإن مع غمْزٍ من أن التعاطي معه هو من ضمن «تَشارُك» مع حلفائها (الدوليين) في بُعده «العقابي» الذي لوّح به هيل بوجه معرْقلي تقدُّم أجندة الإصلاح.

واستوقفت أوساط سياسية المعطيات الآتية التي رافقت كلام هيل بعد زيارته الرئيس ميشال عون، الذي سبق لإدارة ترامب أن وضعت صهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في نوفمبر الماضي على لائحة العقوبات بتهم فساد أطلت أيضاً على دعم «أنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار»:

– تكرار هيل أنه زار لبنان بناء على طلب وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ما أعطى إشارة إلى أنه خصّ بيروت بهذه المحطة ونَقَضَ تالياً التقارير عن أنها من ضمن جولة في المنطقة.

– تأكيده أنه يتحدّث باسم إدارة بايدن، وهو ما عبّر عنه تشديده على أنه يزور بيروت «لتأكيد التزام هذه الإدارة المستمرّ تجاه الشعب اللبناني ورغبتنا المشتركة بالاستقرار والازدهار في لبنان».

– استخدامه لغة «الآن هو الوقت لتشكيل حكومة وليس عرقلة قيامها، والآن هو وقت الإصلاح الشامل، فأميركا والمجتمع الدولي هما على استعداد للمساعدة. لكن لا يمكن المساعدة دون الشريك اللبناني»، محذّراً «الذين يواصلون عرقلة تقدّم أجندة الإصلاح» بأنهم «يغامرون بعلاقتهم مع الولايات المتحدة وشركائها ويعرّضون أنفسهم للإجراءات العقابية. أما الذين يعملون على تسهيل التقدّم، فيمكنهم الاطمئنان لدعمنا القوي».

وإذ اعتُبر هذا التحذير إشارة ضمنية إلى أن واشنطن على «الموجة نفسها» مع فرنسا (والاتحاد الأوروبي)، التي لوّحت باللجوء إلى عصا العقوبات للضغط على معرقلي تأليف حكومةٍ من الاختصاصيين غير الحزبيين وفق مبادرتها، فإن الجانب الأبرز من مواقف هيل خصّ بها «حزب الله»، مؤكداً أن «تكديس الحزب للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوّض مؤسسات الدولة الشرعية. إنه يسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر. وإيران هي التي تغذّي وتموّل هذا التحدي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية»، قبل أن يضيف:«هذا يأخذني إلى موضوع تجديد المفاوضات الأميركية حول برنامج إيران النووي. إن العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي مع إيران تصبّ في مصلحتنا ومصلحة الاستقرار الإقليمي، لكنها لن تكون سوى بداية عملنا. وفيما نتطرّق إلى العناصر الأخرى لسلوكِ إيران المزعزع للاستقرار، لن تتخلّى أميركا عن مَصالحها وأصدقائها في لبنان».

ودعتْ الأوساطُ السياسيةُ في ضوء هذا الموقف المتقدّم إلى رصْدِ كيفية تأثيره على مهمّة الرئيس المكلف سعد الحريري الذي بدا كلام هيل في الشق الحكومي رافِداً لشروطه للتأليف، في حين طَرَحَ التصويبُ و«بلا قفازات»على«حزب الله»وإيران علامات استفهام حول تأثيره على أي تظهيرٍ لدورٍ مباشر للحزب في تسمية وزراء شيعة، ناهيك عن الدلالات العميقة لإثارة ملف التفاوض مع إيران حول النووي بالتزامن مع انطلاق الجولة الجديدة في فيينا أمس، وذلك من بوابة الطمأنة إلى أن أي مقايضةٍ ليست مطروحة بين النووي ونفوذ طهران في لبنان وأن عنوان«سلوك إيران المزعزع لاستقرار المنطقة» لم يسقط من الأجندة الأميركية ولو أنه سيكون «التالي».

وإذ لم يكن عابراً أن يترافق كلام هيل عن«حزب الله»، مع تحذير التقرير السنوي لتقييم المخاطر لسنة 2021 (يتضمّن وجهات نظر أجهزة المخابرات الأميركية في شأن قضايا الأمن الخارجي الكبرى التي يواجهها بايدن) من«الخطر الذي تشكله كيانات داعش والقاعدة وحزب الله الإرهابية، على المَصالح الأميركية»، والإشارة إلى أن «الحزب يسعى لتطوير قدراته الإرهابية لإخراج الولايات المتحدة من المنطقة»، فإن الأوساطَ ترى أن مجمل هذه المقاربة الأميركية من شأنها أن تدفع«حزب الله» لمزيد من التشدّد الذي لم يتراجع عنه أصلاً في الملف الحكومي الذي يقاربه من زاوية مقتضيات المسار النووي أولاً كما رفْض تشكيلةٍ تشكل خروجاً على توازنات الانتخابات النيابية ويُمنع من تسمية وزرائه فيها، وتكون تالياً خارج دائرة«التحكم والسيطرة» السياسية.

وإلى هذا الجانب لم تخْل كلمة هيل من القصر الجمهوري من جانب«توبيخي»للقادة اللبنانيين الذين«فشلوا في الاضطلاع بمسؤوليتهم في وضع مصلحة البلد في المقام الأول ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة»، معلناً«الأوان لم يفت بعد لتحقيق مطالب الشفافية والمساءلة ووضع حدّ للفساد المستشري، وسوء الإدارة الذي تسبب في مثل هذه الصعوبات».

وفي موازاة العنوان الحكومي، حضر بقوة في محادثات الديبلوماسي الأميركي مع عون ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي كانت واشنطن لعبت دور الوسيط في المفاوضات التي انطلقت في شأنه برعاية أممية قبل نحو خمسة أشهر ثم جرى تعليقها بعد طلب الجانب اللبناني التفاوض على منطقة أوسع متنازَع عليها (كانت محددة بـ 860 كيلومتراً مربعاً) أضيفت إليها مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً.

وعلى وقع تجميد عون قبل أيام توقيع مرسوم تعديل مساحة المنطقة البحرية المتنازَع عليها مع إسرائيل في هذا الاتجاه على قاعدة«أن المرسوم يحتاج لقرار يتخذه مجلس الوزراء ‏مجتمعاً حتى في ظل حكومة تصريف ‏الأعمال نظراً لأهميته والنتائج المترتبة عليه»، لم يُخْفِ هيل في موقفه العلني التحفظ عن الطرح اللبناني المستجد والذي كان عبّر عنه في اللقاءات المغلقة بصورة أوضح محذراً من تداعياته الناسفة للمفاوضات برمّتها والتي أقلعت استناداً إلى اتفاق – إطار استمرّ العمل عليه لسنوات.

وقال هيل من القصر الجمهوري «أميركا تقف على أهبة الاستعداد لتسهيل المفاوضات في شأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل على الأسس التي بدأناها في هذه المباحثات. وهذه المفاوضات لديها إمكانية فتح الأبواب أمام فوائد اقتصادية كبيرة للبنان، وهذا أمر بالغ الأهمية على خلفية الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها البلاد. ويمكن، عند الاقتضاء، استقدام خبراء دوليين للمساعدة في اطلاعنا جميعاً».

وكان لافتاً أن عون الذي اعتبر خصومه أن تريُّثه بتوقيع المرسوم يرتبط بعدم الرغبة في إغضاب واشنطن في ضوء ما قد يترتب على ذلك من«تعميق جِراح» باسيل في ملف العقوبات التي يسعى لرفْعها عنه كونها«مانعة» لطموحه الرئاسي، حرص على إصدار بيان تلاه مستشاره أنطوان قسطنطين بعد نحو ساعتين على استقبال هيل وأكد فيه أنه«شدد خلال المحادثات على أهميّة الاستمرار بمفاوضات ترسيم الحدود واستكمال الدور الأميركي من موقع الوسيط النزيه والعادل»، مؤكداً أنه «يحق للبنان أن يطوّر موقفه وفق مصلحته وبما يتناسب مع القانون الدولي ووفق الأصول الدستوريّة. وطالب باعتماد خبراء دوليين لترسيم الخط وفق القانون الدولي، والالتزام بعدم القيام بأعمال نفطيّة أو غازيّة وعدم البدء بأي أعمال تنقيب في حقل كاريش وفي المياه المحاذية».

واعتبر عون أنه «مؤتمن على السيادة والحقوق والمصالح ولن يفرّط بها، وعلى تجنيب لبنان أي تداعيات سلبيّة قد تتأتى عن أي موقف غير متأنٍ، وعلى بذل كل الجهود ليكون ترسيم الحدود موضع توافق بين اللبنانيين وليس موضع انقسام بهدف تعزيز موقف لبنان في المفاوضات».

وفيما كان هيل يستكمل لقاءاته في اليوم الأخير من زيارته والتي شملت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وشخصيات سياسية بينها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومجموعاتٍ من الحِراك المدني، مستثنياً بطبيعة الحال باسيل المدَرج على لائحة عقوبات بلاده، شخصت الأنظار إلى محطة الحريري في موسكو التي حرصت على إقامة استقبال رسمي له في المطار عكس التعاطي معه كرئيس حكومة أصيل.

وجاء لافتاً إعلان الكرملين انه جرى اتصال هاتفي بين الرئيس فلاديمير بوتين والحريري، الذي يقوم بزيارة عمل لموسكو، موضحاً أن«الحريري أطلع بوتين على تطورات الوضع الداخلي في لبنان، كما على الإجراءات المبدئية من أجل تشكيل الحكومة الجديدة وتخطّي الأزمة الاقتصادية». وتم التأكيد من الجانب الروسي على موقف روسيا المبدئي في دعم سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه. كذلك تناول البحث «المسائل الإقليمية الملحة واستعداد الجانبين للعمل المشترك من أجل تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان».

وأضاف البيان «أن الجانبين تطرقا إلى عدد من قضايا التعاون المشترك مشددين على ضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتفعيل الاتصالات بين الهيئات المختصة في مجال مكافحة عدوى فيروس كورونا بما في ذلك تزويد لبنان بلقاحات روسية».

ويسود بيروت ترقُّبٌ لحصيلة هذه الزيارة وتأثيراتها المحتملة على عملية تأليف الحكومة التي يتمسك الحريري بأن تكون محكومةً بمعيار الاختصاصيين من غير الحزبيين وبلا ثلث معطّل لأي فريق، وهو ما يصطدم حتى الساعة، إلى جانب التعقيدات الإقليمية، بشروط من فريق الرئيس عون الذي يرفع شعار «التوازن الوطني والميثاقية والدستور» كثلاثيّ ناظِم لعملية التأليف «التشارُكية» مع الرئيس المكلف بما ينطوي ضمناً، وفق خصومه، على تمسك بالثلث زائد واحد.