كتب نعمه نعمه في جريدة الأخبار:
منذ شباط 2020، لم تعمل وزارة التربية على إيجاد حلول حقيقية، ولم تضع سيناريو قابلاً للتنفيذ في الحالات الطارئة. كل الطروحات معالجات موضعية لمشاكل بنيوية، لم ترقَ إلى مستوى ينقذ القطاع التربوي من التدهور.
ما تقترحه وزارة التربية في خطتها لاستكمال العام الدراسي وإجراء الامتحانات الرسمية هو، عملياً، تمديد العام الدراسي للمدارس الرسمية وترك الخيار للمدارس الخاصة للعمل بقرار التمديد، أو إنهاء العام الدراسي فور إنجاز البرنامج، على أن تنظم الامتحانات الرسمية للثانوية العامة في 26 تموز بمنهاج مخفّف أيضاً وأيضاً، وبمواد محدّدة بحسب الاختصاص.
ما قاله وزير التربية طارق المجذوب، في مؤتمره الصحافي، اعتراف بأن المدارس الرسمية لم تنجز البرنامج، وفشلت في تقديم تعليم عن بعد بمستوى بعض مدارس القطاع الخاص التي ترفض تمديد العام الدراسي. الفشل هنا لا يعني حالة فردية أو انزلاقاً في مكان معين، بل فشل يطال أكثر من مليون تلميذ.
لم تعمل الوزارة منذ شباط 2020، تاريخ دخول جائحة «كورونا» لبنان، على إيجاد حلول حقيقية وتلهّت بصراعات الأزقة داخلها، ولم تضع سيناريو واحداً قابلاً للتنفيذ، ولم تتبع استراتيجية فعّالة لمعالجة الحالات الطارئة، ولم تقرأ الأرقام والإحصاءات والمؤشرات الصحية والسياسية.
من غير المنطقي أن لا تدري الوزارة بما يدور في مدارسها، وما هو عدد المنقطعين عن التعليم، بل هي لا تريد أن تفصح عن النتائج ولا تقرأها كما يجب لاتخاذ الإجراء المناسب. فالمعطيات تجمع بشكل دوري من المدارس الرسمية من خلال تقارير المديرين والمنسّقين ومديرية الإرشاد والتوجيه والمركز التربوي للبحوث والإنماء وتصبّ في المديرية العامة للتربية، ولكنها لا تسهم بأيّ شكل من الأشكال بوضع خطة أو تصويب مسارات التعليم عن بعد.
ومعلوم أن التعليم عن بعد فشل فشلاً ذريعاً، وإصرار الوزارة اليوم على إجراء الامتحانات تأكيد لذلك، بينما تستطيع الدول الأخرى بكل جرأة، إلغاء امتحاناتها الرسمية لأنها تعتمد طرق تقييم مختلفة ومطواعة وتراكمية، بينما نحن عالقون في معيار واحد هو الامتحان الرسمي. من هنا نفهم مقاربة الامتحانات الرسمية المنوي إجراؤها! خفض عدد مواد الامتحان وحصرها بالمواد الأساسية بحسب الاختصاص، يعني حتماً تأكيد على المنحى التلقيني، أي أننا سنرى مواد مخفّفة ومواد اختصاص غير متداخلة، وبالتالي فإن من يحفظ ويعيد سرد ما تعلمه خلال أسابيع التمديد سينجح حتماً في الاستحقاق، لكنه في الواقع لن يتعلم إلا القليل.
هذا المعطى ليس غافلاً عن الجامعات في الخارج، والمرجّح أنها لن تسهّل قبول تلامذة قادمين من لبنان من حملة الشهادة الرسمية.
الثغرة الثانية تتمثّل في الفروقات بين التعليم عن بعد والحضوري المتوقع في المدارس الرسمية. الأمر المحسوم بالنسبة إلى بعض المدارس الخاصة أنها ستنهي البرنامج عن بعد في حزيران، بينما سيعود التلامذة في القطاع الرسمي إلى التعليم الحضوري لمدة 7 أسابيع من المقرّر أن يدرسوا خلالها المنهاج المخفف الذي حدّدته الوزارة، وستجري الامتحانات الرسمية استناداً إلى ما أنجزته المدارس الرسمية خلال هذه الفترة! ولكن هل من العدالة عدم ملاحظة الفروق في عملية الاكتساب بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد؟ هل ستلحظ الامتحانات هذه الفروق؟ هل سنتوقع تفوق القطاع الرسمي على الخاص لأن الطلاب استعدوا أكثر لإجراء الامتحانات؟ هل ستقوم لجان إعداد الامتحانات بصياغة أسئلة تلحظ التعلّم الهجين والمختلف نوعاً بين الخاص والرسمي؟ هل تملك الوزارة الخبرات والمعطيات والموارد لصياغة أسئلة تناسب النوعين من التعليم؟
وبالنسبة إلى المدارس الخاصة التي يفوق عددها 1600، فإن عدداً قليلاً منها يمتلك القدرات والوسائل لما يسمى التعليم عن بعد، وهذا العدد لا يتجاوز 100 مدرسة تضم 200 ألف تلميذ بالحد الأقصى، من أصل 1.1 مليون تلميذ في المدارس الرسمية والخاصة. أما تلامذة باقي المدارس الخاصة فهم أقل حظاً ويدرسون في مدارس شبه مجانية، ومدارس خاصة – دكاكين.
وأتى بيان اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الأخير ليؤكّد حظوة مدارس النخبة التي استطاعت توفير التعليم عن بعد إلى حد كبير، ويطالب بإجراء امتحانات لهم وحدهم. وفي مطالبة اتحاد المؤسسات شيء من الحقّ، إذ ليس مقبولاً أن يعاقب جزء من التلامذة لسبب خارج عن القانون وخارج عن خطة الوزارة الطارئة الأساسية وبسبب فشل في تنفيذها من الوزارة نفسها؟
المحظوظون من تلامذة المدارس الخاصة هم من تابعوا منهاجاً أجنبيّاً معترفاً به في الخارج، وعدد هؤلاء لا يتعدى 50 ألفاً.
كل الحلول المطروحة هي معالجات موضعية لمشاكل بنيوية، إذ تستطيع الوزارة تعديل وتخفيف المناهج بقرار من الوزير، كما تستطيع إجراء امتحانات رسمية فقط بالمواد الأساسية بحسب الاختصاص، لكنها لا تقوى حتى اليوم على تأمين تعليم مركزي غير متزامن (منصة إلكترونية) أو أن تفرض على البلديات التعاون لتأمين الكهرباء والإنترنت للتلامذة، أو فرض بث حلقات تلفزيونية على المحطة، كما أنها لم تضع نظام تقييم استثنائي ولم تفعّل عمل المركز التربوي والتلفزيون التربوي أو تستثمرالـ 204 ملايين دولار المخصصة لتطوير التعليم.
المعلمون قاموا بأكثر مما هو مطلوب منهم، ولم تقُم الوزارة بجهد بسيط لوضع مسارات وخطط لدعم أدائهم وتحسين نوعية التعليم، باعتبار أن خبراتهم ليست في التعليم عن بعد بل في التعليم الحضوري . أما التعليم عن بعد أو غير المتزامن أو الإلكتروني فهو أمر آخر تماماً. ومهما بذل الأساتذة جهوداً، فمعدلات الاكتساب من التعليم عن بعد بالشكل المعتمد حالياً لا تتعدى 50% بأفضل الحالات، مما هو مخطط له.