كتب مايز عبيد في نداء الوطن:
لمدينة طرابلس مع الحلويات حكاية وتاريخ، فلا يمكن لزائر أن يزور الفيحاء ولا يأكل من حلوياتها وإلا عُدّت زيارته ناقصة. ولشهر رمضان المبارك أيضاً مع الحلويات، حكايات وحكايات. إذ لا يمكن أن تتخّيل مائدة إفطار رمضانية من دون حلويات، كما لا بدّ للصائم وبعد تناول وجبة إفطاره من بعض الحلوى حتى يكتمل الإفطار بما لذّ وطاب. لكننا لا نبالغ إذا قلنا إن هذا الأمر “كان زمان”؛ واليوم أقلية هم من يستطيعون أن يستحضروا عند كل إفطار الحلويات والمشروبات الرمضانية إلى جانب المأكولات، لأنهم بالأصل وبالكاد يستطيعون تأمين بعض الأكل لوجبة إفطارهم.
ورمضان هذه السنة يمرّ وسط أجواء وأوضاع صعبة جداً على المواطنين؛ لا سيما من الناحيتين الإقتصادية والمعيشية. فارتفاع سعر صرف الدولار أخذ في طريقه كّل شيء ولم يوفّر حتى لقمة عيش المواطن التي أصبحت صعبة المنال. ومع بداية رمضان، تشهد أسعار الحلويات في طرابلس ارتفاعاً كبيراً. وتقسم محلات الحلويات في المدينة إلى ثلاثة أقسام: النخبة والمتوسطة والشعبية، وجميع هذه المحلات فرضت زيادة على أسعار منتوجاتها ولكن بنسب متفاوتة. في محلات النخبة لم يعد هناك شيء إسمه كيلو حلو تحت المئة ألف ليرة، فكيلو البقلاوة العادية ناهز الـ 150 ألف ليرة. وكانت وسائل التواصل الاجتماعي تناقلت لائحة أسعار الحلويات في أحد المحلات المشهورة في طرابلس وأظهرت أنّ الأسعار تضاعفت 5 مرات وأكثر. في المحلات المتوسطة لا تزال هناك أنواع من الحلوى، سعر الكيلو منها بحدود الـ 50 ألف ليرة، بينما تسجّل المحلات الشعبية الإقبال الشعبي الأوسع في رمضان لأنها لا تزال في متناول أيدي الفقراء وسكان المناطق الشعبية، حيث كيلو الحلو ما زال يتراوح بين 30 و 40 ألف ليرة.
ويسجّل رمضان هذه السنة هجوماً غير مسبوق من الأهالي، باتجاه بائعي الحلويات على البسطات، الذين ازداد عددهم هذا الموسم الرمضاني. لم يعد يقتصر الأمر على بائعين سوريين جوالين، إنما بتنا نلاحظ وجوداً للعديد من معلّمي الحلويات الطرابلسيين الذين فضّلوا بيع الحلويات في الشوارع عبر العربات والبسطات. أحد هؤلاء هو المعلم “أبو عادل” الذي يركن عربته على مدخل ساحة الكورة وبداخلها جميع أصناف الحلويات الطرابلسية المعروفة والمطلوبة في شهر رمضان. من حلاوة الجبن إلى البصمة وزنود الست والكنافة وغيرها. عند أبي عادل كعكة الكنافة لا تزال بـ 4 آلاف ليرة، أي على السعر القديم، بينما وصل سعرها الآن في المحلات المشهورة إلى حدود 12 ألف ليرة. عندما وصلنا إليه كان يبيع أحد المواطنين كيلو زنود الست بسعر 35 ألف ليرة. يقول أبو عادل: “كنت أعمل لدى حلويات الحلاب في السابق ثم تركت لأن المعاشات لم تعد تكفي. هذه الحلويات أحضّرها بنفسي وأبيعها للناس بأسعار مقبولة وتشبه الأسعار قبل هذا الغلاء إلى حدٍ كبير.
المواطنون لم يعودوا قادرين على أكل الحلويات إلا من عندي أو من عند من يشبهني، لأن الغلاء في المحلات كبير جداً ويفوق قدرة الناس. حتى أنا رفعت السعر قليلاً لأن كل المواد التي تدخل في صناعة الحلويات ارتفع سعرها، والحمد لله أنّ ليس عندي إيجار محل وغيره، وإلا كانت الأمور أصعب ولما كنت قادراً على العمل”. أحد الأشخاص وكان يشتري حلو رمضان من عربة أبي عادل قال:”عم أشتري عصملية.. الكيلو عندو بـ 30 ألفاً وبالمحلات حقو من 100 لـ 130 ألفاً.. إلا ما يكون في زينة وديكور وأضواء يعني.. بلاهن وبلا الكيس الملون .. كلو حلو وكلو بيتاكل وأبو عادل معلم .. يا حرام شو بدنا ناكل برمضان”. ويشير أبو عادل إلى أنّ “الكثير من العائلات، وكلها كانت تشتري الحلو من أفخم المحلاتْ باتت تشتري حلو رمضان منه، وهو يحضّر يومياً طلبيات الحلو إلى المنازل.. وهناك عائلات لا تستطيع أن تشتري الحلو لا من عندي ولا من عند غيري، لأنها غير قادرة على تأمين طعام الإفطار قبل تأمين الحلويات، وهي شيء كمالي وليس أساسياً كالأكل”.