على الرغم من التراجع اللبناني الرسمي عن المضي قدماً في إقرار مرسوم تعديل الحدود البحرية الجنوبية، والعودة الى اتفاق الاطار الذي سبق أن أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بشكل يضع سقفاً للتفاوض ينطلق من النقطة 23 وليس النقطة 29 التي طالب بها وفد التفاوض اللبناني، استناداً إلى دراسات وخرائط الجيش وشركة بريطانية متخصصة، لم تقابل إسرائيل هذه الخطوة اللبنانية بتقديم ضمانات بالعودة إلى طاولة المفاوضات من حيث انتهت، إنما بقي التراجع اللبناني دون أي مقابل أو ثمن!
وفي هذا الإطار، يرى مصدر معني بملف الترسيم أنّ الوحيد الذي “يضحك بعبّو” اليوم هو الرئيس بري بعدما علم مسبقاً أنّ “الأفضل للبنان التفاوض على مساحة 860 كلم 2 وتحصيلها كاملةً بدل “توسيع بيكار” المطالب اللبنانية الذي سيؤدي إلى تطيير المفاوضات وسيدفع الدولة اللبنانية من بعدها إلى التراجع من دون تحصيل أي مكتسبات إضافية”، وهذا فعلياً ما انتهت إليه زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل، التي خلصت إلى “إظهار لبنان الرسمي في موقع تفاوضي ضعيف، وبيّنت بشكل فاضح أنّ مصالح شخصية تقف وراء حسابات الرئيس ميشال عون الذي ترك الجيش وحيداً على أرض المعركة التفاوضية وتراجع فجأة عن دعم موقف وفده المفاوض”.
وأوضح المصدر أنه “بعدما سبق أن أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون أكثر من مرة أنّ ما يطرحه الوفد اللبناني هو حق لا يمكن التفريط به، ووصل به الأمر إلى الدفع باتجاه تخوين كل من يتنازل عن خط النقطة 29 كمنطلق لحدود التفاوض مع إسرائيل، كانت النتيحة أن عاد الفريق الرئاسي إلى النقطة الي بدأت معها المفاوضات من دون أي وضوح في أفق المرحلة المقبلة، والأخطر هذه المرة أنّ التراجع العوني لم يكن مقابل تحقيق أي ثمن مقابل، فلا تبلّغ لبنان قبول الجانب الاسرائيلي بالعودة إلى طاولة المفاوضات ولا حتى هيل نقل أي تعهدات أميركية بذلك”.
وسأل المصدر: “إذا كانت رئاسة الجمهورية تعرف سلفاً أنها لا تستطيع المضي في تثبيت مطلب الوفد اللبناني المفاوض باعتماد النقطة 29، لماذا إذاً شجعت الجيش على خوض معركة الرأي العام وهو بالفعل نجح في ذلك؟ ألم يكن الأجدى مصارحة الوفد العسكري منذ البداية حتى لا يخوض في هذا التحدي؟ ولماذا تعهد رئيس الجمهورية القيام بكل ما يلزم لتعزيز موقف الوفد اللبناني في التفاوض طالما يعرف أن الأمر قانونياً ودستورياً لا ينتظم بلا مجلس وزراء وبلا توافق وطني؟”.
وكشف المصدر النقاب عن معلومات تفيد بأنّ “الانقلاب العوني على السقف التقني الذي حدده الوفد العسكري اللبناني في اجتماعات الناقورة، أتى نتيجة اجتماع عُقد بعيداً من الأضواء عشية زيارة الموفد الأميركي إلى قصر بعبدا وأفضى إلى قرار العدول عن توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تعديل الحدود البحرية مقابل السعي إلى تحصيل مكاسب رئاسية وسياسية من الأميركيين”، متسائلاً: “لماذا لم يستخدم رئيس الجمهورية حقه الدستوري وفق نص المادة 52 بأن يوجّه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وعبره إلى الأمم المتحدة يؤكد فيها الإحداثيات الحدودية البحرية الجديدة؟، علماً أنّ الرسالة جاهزة منذ أشهر في دوائر بعبدا لكن هناك من منع إرسالها”، معتبرةً أنّ الدور الذي لعبه “حزب الله” في ملف المرسوم الحدودي تحيط به “علامات استفهام كبيرة”، سيما وأنه “لم يتفاعل مع الموضوع عبر إعلامه إلا “من باب رفع العتب” ولم يصدر عنه اي موقف علني سواءً بتأييد السقف الذي حدده الرئيس بري للإطار التفاوضي أو بتأييد الموقف الذي طرحه الجيش في سبيل توسيع الحدود البحرية، ما ساهم في تعميق “حالة الضعضعة والضياع” في الموقف اللبناني الرسمي”.
وختم المصدر قائلاً: “من يظنّ من خلال تطيير المرسوم أنه أصاب قيادة الجيش في دورها ومهامها، ومن اعتقد أنه بذلك يمنع الجيش من تحقيق انجاز وطني باستعادة مساحات بحرية واسعة، فهو يراهن على سراب لأنّ الجميع يعلم أنّ الجيش لا يعمل من منطلق التوظيف السياسي إنما هو حدد منذ البداية دوره ضمن نطاق تقني بحت، خصوصاً وأن المؤسسة العسكرية بحسب الدستور والقانون تلتزم قرار السلطة التنفيذية التي تقع عليها وحدها مسؤولية اتخاذ القرار من عدمه بشأن أي أمر سيادي”.