Site icon IMLebanon

هل دخلنا دهليز “الخطف المتسلسل”؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

خرجت الصبيّة نادين الحاج و… عادت. ولكن، لماذا خرجت وكيف عادت؟ هي اختفت ثلاثة أيام وعادت في اليوم الرابع. لكن، ماذا عن الفتيات اللواتي خرجنَ ولم يرجعنَ؟ وماذا عن “الخطف المتسلسل” (serial kidnapper) الذي بدأنا نسمع عنه في لبنان؟ وماذا عن العنف النفسي (mental abuse) الذي تتعرض له الفتيات القاصرات في 2021؟

كثيراً ما نمرّ على أخبارٍ من هذا النوع “مرور الكرام”: فرح خرجت من منزلها في المنية ولم تعد. دلال خرجت من منزلها في محلة الأوزاعي ولم تعد. ريتا خرجت من منزلها في مستيتا ولم تعد. فاطمة غادرت منزل شقيقها في حيّ السلم ولم تعد. مريم خرجت من منزل جدها في محلة عاليه ولم تعد. جاكلين خرجت من منزل ذويها ولم تعد… من كل الطوائف هنّ، 6 و6 مكرر، ومن كل المناطق. فتيات كثيرات خرجنَ في الشهرين الماضيين ولم يرجعنَ. وأخبارهنّ أُتبعت بسؤال: هل من يعرف عنهنّ شيئاً؟

نقلب صفحاتهنّ وكأننا لم نسمع شيئاً ولا نعود نسأل عن أحوالهنّ: هل عدنَ أم أصبحنَ في ذمة ملف المفقودين في لبنان؟ لكن، ها هي نادين الحاج قد عادت. نحمد الله على ذلك. لكن، أين كانت؟

والدة نادين (الزميلة ريتا واكيم الحاج) كتبت: “الله حماها ممن حاولوا استغلال براءتها وقلة خبرتها في الحياة ليبتزوا أهلها مادياً. الحمد لله عادت نادين سالمة سليمة و”Intacte” (لم يلمسها أحد) من براثن مجرمي الخطف المتسلسل الذين استدرجوها مستخدمين العنف النفسي”. الحمدلله على عودة نادين سالمة معافاة. لكن ماذا حصل بالتفصيل؟

مريض نفسي ومحترف

وكيل العائلة المحامي أشرف الموسوي تابع هذه القضية فماذا لديه من تفاصيل؟ يقول “هناك اضطرابات ذكورية كثيرة تتجلى بهذه الواقعة، التي يتلطى وراءها شباب يسعون الى استغلال القاصرات وابتزازهن”. فماذا يقصد بما قال؟ يجيب “هناك معلومات كثيرة حصلت عليها شعبة المعلومات ويتم التدقيق فيها. لكن الغريب ان من استدرج نادين بينه وبينها فارق عمر كبير، يزيد عن 25 عاما، فهي بعمر 17 وهو بعمر 42 عاما. واسمه أ. مارديني يملك صالوناً نسائياً في منطقة برمانا وهي من سكان المنصورية. هو استدرجها بطريقة إحترافية. والتقط صوراً معها وضع إحداها على صفحته على إنستغرام. هي صورة “حضارية” (لا إباحية فيها) لكنه تقصّد تصويرها. واعتمد مناورات إحترافية معها ومع سواها لابتزاز القاصرات. وتقول المعلومات الأولية “أن الفتاة وقعت في فخ هذا الرجل الذي استخدم مناورات إحتيالية لابتزازها”.

تقدم المحامي أشرف الموسوي فور إختفاء الفتاة بدعوى حسب الأصول أمام النيابة والقاضية نازك الخطيب (المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان) وتمكن من معرفة هوية الخاطف الذي استدرج الفتاة وابتزها ويقول “أحيلت القضية الى مفرزة الجديدة القضائية حيث أجري بلاغ بحث وتحرٍّ ومنع سفر ومذكرة إحضار في حقه. وبنتيجة الضغوطات وتعميم صورها خاف وأطلق سراحها” يضيف “هو أخذ مالاً منها ومصاغاً بطريقة إحترافية ورهن المجوهرات في إحدى المؤسسات الغذائية الكبرى في منطقة المنصورية. وتأكدنا من كونه يعاني اضطرابات نفسية كبيرة. هو ليس موزوناً أبداً لكن، كما قلت، نتيجة الضغوطات الكثيرة خاف وأطلق سراحها وهي الآن في منزلها في حالة نفسية جيدة جداً. ولم يحصل أي تعدّ جسدي عليها وهدفه كان ابتزازها. وهو ما زال (حتى مساء البارحة) فاراً من وجه العدالة”.

الخاطف المبتزّ ليس متزوجاً. ومن أصحاب السوابق، يمارس ألاعيبه على الفتيات ويتباهى ببطولاته الوهمية مع القاصرات. والمؤسف أنه قام بإنزال صور له على أحد البلاجات، “يعمل برونزاج” على صفحته على إنستغرام بعد كل ما جرى!”.

خُطفن وعدنَ

عادت الفتاة القاصرة الى منزل أهلها وهذا الموضوع يتكرر كثيراً في الآونة الأخيرة خصوصا في ظلّ الوضع الإقتصادي السيئ والأمني المتفلّت.

ما رأي قوى الأمن الداخلي بما حصل؟ هل نحن أمام ظاهرة خطف للقاصرات جديدة؟ مصدر أمني يجيب “تندرج هذه الحادثة في إطار حوادث عدة تحصل بإرادة الفتيات اللواتي يخضعن غالبا للإبتزاز، ويهربنَ بقصد الزواج “خطيفة”. وكل اللواتي غادرن بذات الطريقة في العامين 2019-2020 عدنَ بنسبة 100 في المئة. ففي العام 2020 سُجّل اختفاء 25 قاصرة عدنَ جميعهنّ”.

هل هذا الأمر يندرج ضمن خانة الإبتزاز الجنسي؟ يجيب المصدر “قد يكون هذا هو السبب. فهناك فتيات كثيرات يخفنَ من رد فعل الأهالي جراء صور وتصرفات قمن بها وبعضهن هربنَ بسبب ضغوطات يتعرضنَ لها في منازلهنّ أو بقصد الزواج. والأمر ليس ظاهرة جديدة. ولا يدخل ضمن “فبركات” البعض بأنه يندرج ضمن خلايا منظمة القصد منها “بيع الأعضاء”. هذه مجرد خيالات من البعض. والدليل أنه على عكس كل الشائعات التي رُوّجت في العامين الماضيين لم نشهد خطف أطفال لهذه الغاية”.

فليطمئن الأهالي إذا. لا شبكات تتاجر ببيع الأعضاء وما شابه. بل شباب يضحكون على الفتيات ثم يقومون بابتزازهنّ.

العائلة التي فقدت في أيام قليلة ثلاثة من أفرادها: الجدة والخال وابن الخالة للصبية نادين بسبب وباء كورونا كانت تعاني من حجم الوجع الذي سبق ومرّت به. وهذه الصدمات المتتالية تلتها صدمة اختفاء الإبنة القاصرة، التي وقعت فريسة ذئب كاسر ظهر أمامها، بحسب ما كتبته الوالدة، بثوب حمل “إستغلّ حزنها واضطراب ما بعد الصدمة جراء كل من خسرتهم بسبب الوباء”. وكان ما كان.

الخاطف، المبتز، ليست هذه عمليته الأولى. فهو من أصحاب السوابق وهو “مشلوح” الآن تحت شمس نيسان وكأن شيئاً لم يكن!

حصل في الـ 1948

الوالدة ريتا حكت عن استدراج المعتدي إبنتها في إطار عمليات خطف متسلسلة يقوم بها ليبتزّ الأهل. فما المقصود من serial kidnapper؟

بدأت هذه العبارة بالسطوع منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً ويُقصد بها الخطف مقابل فدية. ويبرز فيها اسم تشارلي روس. لا أحد تقريباً اليوم يتذكر هذا الإسم لكن جميعنا نتذكر أن أهالينا قالوا لنا ونحن صغار “لا تأخذوا الحلويات من أشخاص غرباء”. فالمجرمون الذين يمتهنون قاعدة “الخطف المتسلسل” يعرفون كيف يجرّون ضحاياهم الى غاياتهم. وهذا ما حصل تماما مع الطفل تشارلي روس الذي كان من أوائل من اختطفوا مقابل فدية. البيارتة، سكان منطقة الجميزة الأصيلين بالتحديد، لم ينسوا الحوادث المتسلسلة التي جرت عام 1948 هناك. حيث وقعت جرائم متتالية نفذها مجرم كان يستدرج ضحاياه ويقوم بخنقهم وقطع رؤوسهم وسرقة مصاغهم. ويومها حصلت ثلاث جرائم من هذا النوع في أشهر قليلة. واستمرّ الجاني طليقا حراً، الى أن تمكنت قوى الأمن من اكتشاف اسم القاتل وهو فيكتور عواد وألقت القبض عليه فكتب في سجنه مذكراته وأطلق عليه اسم “السفاح الأديب”. ونُفذ لاحقاً به حكم الإعدام شنقاً في باحة قصر العدل في بيروت. يبدو أننا أصبحنا بحاجة اليوم الى أحكام بالإعدام.

الصبيّة خرجت سالمة سليمة بعدما تناولت “الحلوى” فالحمدلله على أن “قطوع” البيت مرّ بسلام. لكن، هل نحن اليوم في متاهات الأمراض النفسية التي تتزايد بكثرة، معرضون لمصادفة حالات كثيرة من هذا النوع؟ هل الفقر والحاجة يجعلان الخيال ينشط شراً؟

ما عزّز الخوف من ظاهرة غير عادية نمرّ بها هو تزامن إختفاء القاصرة نادين مع إختفاء الفتاة أليسار خضر ماما (مواليد 1993) في القبة طرابلس. واكتشاف الفتيات الثلاث الشقيقات، من سكان منطقة بزيزا، متوفيات على شاطئ طرطوس. وإذا كانت الشقيقات الثلاث قد توفينَ وأسرارهنّ معهنّ، فإن أليسار سرعان ما تبيّن أنها “فبركت” قضية خطفها بعد خلافات مع والدها وسوء معاملته لها (كما قالت)، فصوّرت نفسها على أنها مخطوفة وأرسلت الصور وطلبت فدية. خيال واسع في ملفٍ قديم متجدد.

وماذا بعد؟

لا يُخفى على أحد أننا نعيش في هذه الأيام “دوامات” بالجملة. فالوضع كارثي. وفي المصاعب، حين تُقفل كل الآفاق، تسرح الخيالات وتبدأ الفبركات “الدونكيشوتية” والسيناريوات المجهزة من “مبتزين” اختاروا الطريق الأسهل المعتمدة على القتل والخطف والسرقة و”السبعة وذمتها”. وإذا كانت حوادث خطف القاصرات في 2020 بحسب قوى الأمن الداخلي بلغت 25 حادثة، فإن أرقام “الدولية للمعلومات” في الشهر الرابع من 2021 تتحدث عن ارتفاع جرائم السرقة في الربع الأول من هذه السنة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020 بنسبة 162 في المئة لتبلغ في اول أربعة أشهر 1439 حالة. وجرائم القتل زادت 2،4 في المئة لتصل في الأشهر الأربعة الأخيرة الى 42 حالة. وبالتالي حالات الخطف لا بُدّ أن تكون قد زادت أيضاً. ويكفي أن نضع عبارة “خرجت ولم تعد” في 2021 لتكرج الأسماء والمناطق والحالات.

نجت الصبية نادين من براثن رجل يزيدها عمراً بـ 23 عاماً ظنّ أنه استطاع أن يضحك عليها. عادت الى ذويها سالمة. لكن، قد يكون هناك آلاف نادين في الجوار.

«موضة» الإبتزاز الإلكتروني

بعيدا عن حالات خطف القاصرات وابتزازهنّ من أجل الربح المالي… ماذا عن الإبتزاز على مواقع التواصل الإجتماعي؟

بحسب أرقام قوى الأمن الداخلي التي حصلت عليها «نداء الوطن»: ارتفع هذا النوع من الجرائم خلال التعبئة العامة بنسبة 184 في المئة. والمرتكبون والمبتزّون من جنسيات مختلفة لكن غالبيتهم من الجنسيتين اللبنانية والسورية. والنساء هن أكثر عرضة للوقوع ضحية هذه الجرائم. والمواطنون الذين يواجهون هذه التهديدات هم من مختلف الفئات العمرية. وما لفت قوى الأمن الداخلي عدم رغبة الجهة المدعية بمتابعة الشكوى وعدم تقديمها أي أدلة مرتبطة بالإدعاء». اللبنانيون واللبنانيات يجمدون في أماكنهم غالباً حين يصل الأمر الى نقطة الإدعاء. هؤلاء لا يحبون «وجع الرأس» أو يفضلون تجنب الفضيحة. لدى قوى الأمن الداخلي في لبنان خط ساخن عنوانه «بلّغ» وهي تتلقى في استمرار تبليغات عن رسائل إحتيالية ومحاولات إبتزاز تحصل أو قد تحصل في لبنان. لكن، ما يحصل في زمن كورونا يُشكّل ظاهرة عالمية تصيب عدداً كبيراً، أكبر حتى من إصابات كورونا. فماذا في التفاصيل؟

عالمياَ، آلاف الشكاوى قُدمت في نيوزيلندا في شهر واحد. وآلاف آلاف في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض آسيا. وملايين وقعوا في العالم ضحية الابتزاز. هذا النوع من التهديد يتعامل معه كثيرون، حتى من يظنون أنفسهم أذكياء كفاية كي لا يقعوا في قبضة المبتزّين، بجدية. فماذا لو نفذ المبتزّ تهديده؟ سؤالٌ يظل يلحّ عليهم طويلاً و»يخرب» حياتهم و»يشقلب» لحظاتهم رأساً على عقب.

ما يحصل، بحسب خبير في شؤون التكنولوجيا المعلوماتية، هو أن هناك من ينجحون عالمياً في اختراق البيانات التي يتم حفظها مثل كلمات السرّ الإلكترونية السابقة، وهم يستخدمونها في ليّ ذراع ضحاياهم من مستخدمي البريد الالكتروني عبر الإدعاء أنهم يعرفون «الروتين اليومي» للضحية وجعلها تشكّ حتى في نفسها. الرسائل، لمن يهمه الأمر، تُرسل عشوائياً من مجرمي الإنترنت، ممن وجدوا أنفسهم بلا عمل، في زمن كورونا، والناس، في كل العالم، في بيوتهم، فانطلقوا يخربون عليهم حتى هذا الهدوء القسري. لكن الناس يخافون، حتى من لم يدخلوا يوماً عالم المواقع الإباحية يجعلونهم يشكون بأنفسهم ويخشون أن يكون هناك بالفعل من اخترق أجهزتهم الإلكترونية التي باتت عالمهم واكتشفوا ما ظنّوه أنه ملك لهم وحدهم. مهلاً، لا تصابوا بالذعر حتى ولو رأيتم «كلمة السرّ» التي تظنونها واجهة عبوركم الى عالمكم السري في أيدي غرباء. هم لا يعرفونكم بل أخذوها من صندوق كلمات السرّ السيبراني. صحيح أن تكتيك هؤلاء ينفذ ببراعة لكن ثقوا أنكم، في هذه اللحظات، يجب أن تكونوا أذكى منهم. وقد يصلكم منها، كما وصل الى ذاك الذي جفل حين رأى ما رآه من كلمته السرية معلنة مباحة بين أيدي المجرمين، رسائل متتالية، لكن حين لا تجيبون عليها سيشعر المجرمون أن الحساب ما عاد فاعلاً ويتركونكم وشأنكم.

وإذا كانت هذه حال الكبار فما بالكم مع القاصرين والقاصرات الذين يتعرضون، أو قد يتعرضون، الى أنواع وأنواع من الإبتزاز المباشر أم غير المباشر.