لست في وارد مناقشة نوايا النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون في كل ما تقوم به في الملفات المالية، فالنوايا لا أحد يعلم بها إلا ربّ العالمين. إنما لا بدّ من النقاش في عدد كبير من الوقائع التي لا تصبّ في مصلحة القاضية عون إنما تؤكد أن كل ما تقوم به إنما يحمل أجندة سياسية واضحة، ما يؤدي إلى ضرب جوهر العمل القضائي.
يعلم اللبنانيون علم اليقين أن رئيس الجمهورية عطّل التشكيلات القضائية التي أقرّها مجلس القضاء الأعلى بالإجماع منذ أكثر من سنة، وذلك فقط لإبقاء غادة عون في منصبها. وهذا وحده يكفي لكي تكون عون مدينة بالكامل لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي فتنفّذ أجندته السياسية والقضائية، والأمثلة لا تُحصى سواء في القضايا الشخصية المباشرة كمثل الإفراج عن نجل نائب جبران باسيل لشؤون الشباب في “التيار الوطني الحر” منصور فاضل أو التدخل لقمع قرارات الحكومة في ملف كورونا عبر تهديد ضبّاط في حال أوقفوا حفلات أعراس خلافاً لقرار الإقفال العام وغيرها لأن الأمثلة كثيرة، ما يؤكد أن القاضية عون إنما تنتهك شخصياً كل القوانين لتلبية طلبات العونيين.
في الملفات السياسية لم تتردّد المدعية العامة في جبل لبنان في فتح الملفات استنسابياً بما يؤمن حاجات “التيار الوطني الحر” سياسياً، وبشكل انتقائي فاضح. ولم تُقدم على فتح أي ملف يمكن أن يطال أياً من وزراء “التيار” ومسؤوليه، رغم كثرتها مثل فضائح الكهرباء والعمولات في ملف البواخر التركية وغيرها.
لكن ما يجري في الملفات المالية أخطر بكثير مما سبق، لأن الاستخدام السياسي للقضاء في الملفات المالية في بلد بات في فقر الإفلاس والانهيار إنما بات يشكل خيانة وطنية وليس أقل من ذلك، وخصوصاً أنه بات واضحاً أن لا أفق لما تفعله غادة عون في هذه الملفات غير الاستعراض الاعلامي والشعبوي والتشهير بأشخاص ومؤسسات بهدف إشغال الراي العام عمّا يجري من تعطيل لتشكيل الحكومة والشروع بالإصلاحات المطوبة وأيضاً لتصفية حسابات سياسية ليس أكثر.
والكارثي في هذا التعاطي أنه يؤدي إلى تسريع الانهيار المالي ويعرقل أي محاولة لوضع حدّ لهذا الإنهيار، وخصوصاً أن ما تقوم به القاضية عون لا أفق قضائياً له ولا يؤدي إلى أي إصلاحات، وينمّ حتى عن جهل قضائي ومالي. فعلى سبيل المثال لا الحصر مؤسسة مكتّف المالية لا علاقة لها بالتحويلات المالية إلى الخارج التي تقوم بها المصارف حصراً، إنما هي شركة شحن الأموال من وإلى لبنان والتي تغطي أكثر من 90 في المئة من حاجة السوق اللبنانية. فهل تعلم القاضية عون أن ما ارتكبته إنما هدّد ويهدّد جميع اللبنانيين؟ وماذا يعني أن تقفل المؤسسة بالشمع الأحمر وتصدر بلاغ بحث وتحري عن ميشال مكتف ثم تلغيهما بعد يومين؟ أليس ما يجري مؤشراً على العشوائية والكيدية وربما الابتزاز في ملفات خطرة جدا وحساسة ولا تحتمل مثل هذا الأداء؟ ثم لماذا أوجد لبنان النيابة العامة المالية التي يُفترض أن تكون متخصصة في الجرائم والقضايا المالية، إذا كان أي قاض يرغب يمكنه أن يتدخل في هذه الملفات رغم عدم إلمامه بها؟
حتى في ملف تحويل الأموال إلى الخارج، هل تعلم غادة عون أن القوانين اللبنانية حتى اليوم لا تمنع التحويلات لأن قانون الكابيتال كونترول لم يُقرّ بعد، وبالتالي فهي لا يمكنها أن تحاكم أحداً من خارج القوانين، ولو كانت التحويلات غير أخلاقية لأن القانون لا يحاكم الأخلاق؟!
ولماذا تستنسب غادة عون ملاحقة مصرف واحد حصراً رغم أن كل المصارف في لبنان حالياً تقوم بالممارسات إياها لتلبية مندرجات التعميم 154 الصادر عن مصرف لبنان؟ أليس في استهداف مصرف بعينه دون سواء كيدية سياسية حتى لا نظن أن في الأمر مصالح وغايات شخصية؟ وكيف تجرؤ على إعادة فتح ملف تجري المحاكمة فيه وهو موجود أمام الهيئة الاتهامية الاستئنافية بعد استئناف النيابة العامة المالية قرار القاضي شربل أبو سمرا؟
لن تنتهي الأمثلة حول مخالفات القاضية عون التي دخلت موسوعة “غينيس” قضائياً. وإذا أضفنا إلى كل ما سبق واقعة تمرّد الرئيسة عون على رؤسائها قضائياً ورفضها للمثول أمام التفتيش القضائي وأمام الرئيس عماد قبلان في الدعاوى المقدمة بحقها، نكون أمام حالة تمرّد خطرة داخل الجسم القضائي ما يهدد بتفجير المؤسسة الفضائية برمّتها ما لم يسارع المعنيون إلى اتخاذ أقسى الإجراءات الممكنة قانوناً بحق غادة عون تفادياً للسيناريو الأسوأ!