Site icon IMLebanon

لبنان… “السيناريو الأسوأ” يقترب

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:

يكتمل الأسبوعُ الطالعُ «حزامِ الضغطِ» الخارجي على جبهة أزمة تأليف الحكومة في لبنان، الذي تراوح حلقاتُه بين الحزم والمرونة ومحاولاتٍ لتكييف «الشروط الأصلية» للحلّ «الذي لا مفرّ منه» لفتْح «ممرّ» الدعم الدولي لبيروت مع التوازنات الداخلية التي لا يمكن الفكاك منها كما مع موازين القوى الإقليمية التي تقف على أرضٍ متحرّكةٍ على إيقاع مفاوضاتِ «النووي الإيراني» وربما… مقايضاته.

فبعد الأسبوع الأميركي – الروسي الذي كرّس اهتمامَ البلدين بلبنان من خلْف «الاستقطابِ البارد» المستعاد بينهما أو «من صلبه» والذي طبعتْه زيارةُ ديفيد هيل لبيروت ومحطة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في موسكو، تتّجه الأنظارُ إلى بروكسيل حيث يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الاثنين وعلى جدول أعمالهم نقاشٌ في الأزمة الحكومية و«ألف باء» الخطوات الزاجرة الممكنة حيالها.

وإذا كان هيل زار لبنان حاملاً «بيدٍ» دعوةً لمرونةٍ حيال تأليف «حكومة إصلاحات الآن» مع تشدُّد مزدوجٍ إزاء مَن يعرقلون تقدُّم أجندة الإصلاح الذين «يعرّضون أنفسهم للإجراءات العقابية» وتجاه «حزب الله» الذي حمّله مسؤولية تقويض مؤسسات الدولة و«سلب اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر» مع تأكيدِ أن لبنان جزء من «المصالح الأميركية» التي لن تتخلى عنها، فإنّ الموقف الروسي من الملف الحكومي بدا حمّالَ أوْجهٍ مع إشاراتٍ ثابتة حيال شكل الحكومةِ تَناغُماً مع عنوان المبادرة الفرنسية، المدعومة أميركياً، و«تذبذباتٍ» في ما خصّ آلية تأليفها.

ورغم «الاتصال الممتاز» الذي حصل بين الحريري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين واستمرّ نحو 50 دقيقة وكل المؤشرات التي رافقت زيارة الرئيس المكلف وثبّتتْ دعماً روسياً له «كرئيس حكومة لبنان»، فإن دوائر سياسية استوقفها بيان الخارجية الروسية عن لقاء سيرغي لافروف مع الرئيس المكلف وتحديداً تأكيده أنه «جرى خلال الاجتماع تبادل معمّق للآراء حول الوضع الراهن في لبنان مع التشديد على ضرورة الإسراع في تَجاوُز الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية عبر تشكيل حكومة مهمة تكنوقراط مقتدرة، تحظى بتأييد قوى سياسية أساسية وطائفية في البلاد وعلى ضرورة حل القضايا الملحة في الأجندة الوطنية على قاعدة تفاهم القوى السياسية الأساسية في لبنان ومن دون تدخلات أجنبية».

وتساءلت هذه الدوائر إذا كان تظهيرُ موسكو الحاجةَ إلى تشكيل الحكومة من ضمن مظلة تأييدِ القوى الأساسية السياسية والطائفية يحمل عناصرَ إعادة تموْضعٍ في موقف موسكو الذي كان ينحو في الأسابيع الماضية أكثر نحو مقاربة الحريري الرامية إلى استيلاد حكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين في كنفِ عمليةٍ تُبْعِدها عن المحاصصة التي ستنجرّ إليها عبر أي آلية تسمياتٍ تستعيد منطق «الجزر السياسية» في الحكومة، سائلة استطراداً هل يمكن استشراف أن عنوان الحكومة الـ تكنو – سياسية يطلّ بصيغةٍ «محوَّرة» على قاعدة أن يكون الوزراء تكنوقراط ولكن بتسمياتٍ للقوى السياسية، وهو ما من شأنه أن يستعيد تجربة حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، وحتى حكومات الوحدة الوطنية التي تحوّلتْ «حلباتِ ملاكمةٍ» بين القوى المتصارعة.

وإذ يُفترض أن تتبلور في الأيام المقبلة كامل عناصر الموقف الروسي مع زياراتٍ لشخصيات لبنانية إلى موسكو أبرزها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الخاضع للعقوبات الأميركية والذي يُتَّهم من خصوم عون بأنه المسؤول الأول عن احتجاز مسار التأليف خدمةً لطموحاته الرئاسية التي يريد أن «يحميها» عبر الثلث المعطّل في الحكومة العتيدة، تتجه الأنظار إلى اجتماع مجلس الوزراء الأوروبي غداً في بروكسيل حيث أفادت معلومات (صحيفة نداء الوطن) أنه سيُطْلِق الأعمال الهادفة إلى «إنشاء نظام عقوبات خاص بلبنان» سيستهدف مَن يعطل تشكيل الحكومة، مشيرة إلى أن من الصعب التكهن مسبقاً بمواقف الدول الأعضاء «والأرجح أنّ المسألة ستستغرق وقتاً لأنه عمل تقني معقد»، ومؤكدة «الأمر حالياً كناية فقط عن انطلاق العمل على وضع نظام قانوني للعقوبات على شخصيات لبنانية، من خلال نصوص تشريعية تمكّن لاحقاً من تحديد الأسماء بموجبها».

وفي غمرة هذه الدينامية الخارجية، ما زالت أوساط مطلعة تستبعد إمكان إحداث أي خرق في المأزق الحكومي في المدى المنظور، داعية إلى ضرورة ترقُّب إذا كان «ارتياح» هيل لموقف رئيس الجمهورية ميشال عون من الإبقاء على «أسس» المفاوضات البحرية مع إسرائيل (برعاية الأمم المتحدة ووساطة واشنطن) من حيث انطلقت، وذلك بعد تجميده توقيع المرسوم الذي يُفضي لتعديل المساحة البحرية المتنازَع عليها (من 860 كيلومتراً مربعاً إلى نحو 2290 كيلومتراً) سيجعل فريق عون يندفع أكثر في تشَّدُّده أم سيعتبر ذلك نافذة يمكن فتْحها أكثر نحو عكْس مسار العقوبات الأميركية على باسيل.

على أن أول الإشارات الصادرة عن «التيار الحر» لا توحي بمناخاتٍ جديدة في ملف التأليف، إذ مضى بمهاجمة الحريري معلناً «ملّ اللبنانيون تكرار الأسباب التي تقف وراء امتناعه عن تشكيل الحكومة»، مكرراً «التيار لن يشارك في الحكومة، ويؤكد أنه لن يتوقف عن فعل كلّ ما يلزم والمبادرة لحض الرئيس المكلّف على التأليف ضمن الميثاق والدستور، وهو يقوم أخيراًً بجهدٍ إضافي ومكثف بعدّة اتجاهات لتشجيعه على وضع مشروع حكومة متكامل يقدّمه لرئيس الجمهورية بحسب الأصول»، وذلك غداة كلام الرئيس عون واصفاً جولات الحريري الخارجية بأنّها زيارات «شمّ هوا»، آخذاً عليه أنه «يطلب إطلاق يده في تسمية الوزراء بمفرده، وهذا غير ممكن».

ولم يتأخّر ردّ «تيار المستقبل» (يقوده الحريري) بموقف ناري دعا فيه «التيار الحر» إلى «وقف المسرحيات الهزلية المملة وبث الأضاليل، فهو يعرف أن الرئيس المكلف قدم تشكيلة حكومية كاملة المواصفات منذ أكثر من أربعة أشهر استناداً إلى معايير الدستور والميثاق والكفاءة ولكن للأسف حتى الآن فإن رئيس الجمهورية يحتجزها إلى جانب التشكيلات القضائية ومراسيم مجلس الخدمة المدنية».

وفي موازاة ذلك، بدا أن مؤشرات «تحلُّل» الدولة تتزايد تحت وطأة الانهيار الزاحف والذي سيزداد عصْفه مع قرب الرفْع الاضطراري للدعم عن مواد إستراتيجية.

وإذ استوقف الأوساط المطلعة أن شظايا هذا الانهيار بدأت تصيب «الأمن الغذائي» للجيش اللبناني الذي تلقى «مساعدات غذائية أساسية» بـ «هبة ملكية شخصية» من المغرب، وسط إعلان السفارة المغربية أن هذه المساعدات جاءت «لفائدة القوات المسلحة اللبنانية والشعب اللبناني الشقيق، استجابة للطلب الذي تقدم به الجانب اللبناني»، توالتْ الإضاءةُ على استعدادات «حزب الله» المستمرة تحسباً للانهيار التام «عبر إصدار بطاقات حصص غذائية واستيراد أدوية وتجهيز صهاريج لتخزين الوقود»، وفق تقرير لـ «رويترز» نقل عن مصادر مطلعة وبينها مسؤولٌ كبير أن خطة الحزب تلقي «الضوء على المخاوف المتزايدة من انهيار الدولة اللبنانية وهو الوضع الذي تصبح السلطات فيه غير قادرة على استيراد الغذاء أو الوقود من أجل تفادي الظلام» وأن التحضير «للسيناريو الأسوأ المحتمل تسارع مع اقتراب رفع الدعم في الأشهر المقبلة. إنها بالفعل خطة معركة اقتصادية».

وفيما يقوم دياب بأول زيارة خارجية له منذ ترؤسه الحكومة في كانون الثاني 2020 وستكون لدولة قطر (يعود منها الاثنين) وعُلم أنها ستتناول موضوع المحروقات، صُعِق الوسط السياسي – القضائي بمشهدية غير مسبوقة عبّر عنها انفجار الاشتباك، الذي يَتداخل فيه القضائي – بالسياسي، بين مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات في شكل وضع القضاء برمّته أمام امتحان الحفاظ على ما تبقى من هيبةٍ ومكانةٍ ودور.

فبعد ساعاتٍ على صدور قرار من عويدات بكفّ يدها عن قضايا مالية، انبرتْ عون، في ما وُصف بأنه تمرُّد قضائي ومشهدٌ «استعراضي هوليوودي»، لدهْم إحدى شركات الصيرفة بحماية عناصر من جهاز «أمن الدولة» عادوا وانسحبوا لاحقاً.

وفيما استدعت هذه المشهدية النافرة اجتماعاً طارئاً عُقد بين وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم ومجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي وهيئة التفتيش القضائي للبحث في قضية عون، لم تغب السياسة عن مقاربة هذا الملف الذي اعتبره قريبون من «التيار الحر» محاولة «لسحب ملفات أساسية من يد القاضية عون، ولا سيما ما يرتبط بالتلاعب بالدولار وتحويل أموال إلى الخارج وغيرها»، في مقابل وصف خصوم «التيار الحر» ما جرى بأنه «تصرفُ خارجةٍ عن القانون».

وجاءت بارزةً مواقف وزيرة العدل بعد الاجتماع القضائي الطارئ، إذ طالبت التفتيش القضائي بوضع يده على كامل هذا الملف وتداعياته «إذ بيكفي بهدلة». وقالت: «دعيتُ لاجتماع طارئ لأن ما حصل الجمعة وفي الآونة الأخيرة مرفوض كلياً من جميع اللبنانيين، واللي بدو يزعل يزعل»، مؤكدة «لا أنصّب نفسي حَكَماً ولن أدخل في لعبة الاصطفاف رغم المحاولات لجرّي إلى هذا المكان وليست لديّ أي تبعيّة سياسيّة بل مرجعيّتي الوحيدة هي القانون والمؤسسات».

وأضافت نجم، وهي المحسوبة على فريق عون: «الموضوع يتعدّى الخلاف على الصلاحيات بين مرجعيّتين قضائيّتين واللبنانيون أصبحوا شاهدين على أنّ القضاة تابعون إلى جهات سياسيّة»، داعية القضاء «إلى انتفاضة» على مجمل واقعه، ومعتبرة أن «مشكلة القضاء اليوم تدلّ على فشل الدولة بمؤسساتها».

وانتقدت «دخول التجاذبات السياسية على ملفات الفساد وغيرها، والمسؤولية علينا جميعاً واتخذنا قراراً بالتدقيق الجنائي ولم نستطع البدء بتنفيذه بعد. والمعالجة تكون بالمؤسسات وبالانتفاضة (القضائية) وليس بالإعلام. وأتحدّث عن حرقة. والقضاء أمام ضرورة التحلي بالشجاعة وإطلاق محاسبة داخلية وفورية، ولدينا قضاة ممتازون لا نريد لهم ترك البلد، وعندها نقطع يد المتطاولين على القضاء. ولن أكون شاهد زور على اهتراء واقع القضاء وعلى مجمل الوضع، ولم نأتِ لتغطية فريق سياسي في وزارة العدل، ولا يمكنني الاستمرار بتصريف الأعمال في هذه الأوضاع الرديئة».

وسبق ذلك سجالٌ عنيف بين «التيار الحر» و «المستقبل» على خلفية هذا الملف، إذ أسف الأول «لأن يكون بعض الإعلام وكثيرين من المجتمع المدني غائبين عن مناصرة الحق بل مساندين للباطل خصوصاً في قضايا تهريب أموال اللبنانيين إلى الخارج وتفريغ البلاد بطرق ملتوية من العملات الصعبة»، داعياً «القوى الشعبية والسياسية المؤمنة بالإصلاح إلى رفض التعسف اللاحق بمن يتولى الدفاع عن حقوق الناس وبالتحديد من هم في القضاء. فلا يجوز إحباط آمال الناس بالإصلاح وضرب من يمثلون عنواناً لمكافحة الفساد»، متوجهاً «إلى وزيرة العدل والمجلس الأعلى للقضاء بالدعوة لتحمّل مسؤولياتهم وعدم السكوت عمّا يصيب القضاء من سوء سمعة وسوء إداء وسوء تحكيم للضمير».

وردّ «تيار المستقبل»، معتبراً «أن ما يحصل في الجسم القضائي مسألة في غاية الخطورة، وهي سابقة لم تحصل في خلال الحرب الأهلية المشؤومة، ولا حتى في أيام سطوة النظام الأمني اللبناني السوري المشترك»، معتبراً في غمزٍ من «التيار الحر» ودفاعه عن القاضية عون «أن التباكي على بعض القضاة بعد تشجيعهم على مخالفة القوانين، والطلب إليهم فتح ملفات استنسابية للخصوم هو أمر لم يعد ينطلي على أحد من اللبنانيين».

وكان قرار القاضي عويدات بحق عون، جاء بمثابة إجراء تأديبي لعدم التزامها تعهداتها أمام مجلس القضاء الأعلى لناحية احترام القوانين والأصول التي تنظم عمل القضاة بشكل عام ومخالفتها للتعاميم الصادرة عن النائب العام التمييزي وقضايا مسلكية أخرى عالقة أمام التفتيش القضائي.