كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
في شباط العام 2020، أي بعد أيام قليلة من نيل حكومة حسان دياب الثقة النيابية، سرت أخبار عن تلقي الأخير دعوة لزيارة دولة قطر نقلها اليه السفير القطري في بيروت خلال زيارة التهنئة له، ولكن لم يتم تحديد موعدها بعد. وقد ربطت تلك الزيارة يومها بتحضيرات في السراي الحكومي لجولة عربية ودولية ينوي الرئيس دياب القيام بها، فيما كان الجهد منصباً على معالجة مسألة الوضع المالي والنقدي، وكل الاجتماعات التي كان يُجريها دياب صبّت في اطار ايجاد حلول للأزمة، لا سيما موضوع تسديد سندات “اليوروبوند”، على أن يتم التحضير للزيارات الخارجية بعد الانتهاء من معالجة الاولويات.
لكن الاضطراب الذي فرضته الجائحة الوبائية، ومعه تنامي الأزمات والضغط الخارجي وحدّة الحصار الدولي، حالت جميعاً دون مغادرة حسان دياب مطار رفيق الحريري الدولي، فبقي محاصراً في السراي. وغرقت حكومته في مستنقع أزمات تدحرجت ككرة نارية أكلت معها الأخضر واليابس، إلى أنّ حلّت انتفاضة 17 تشرين الأول، واستقالت الحكومة بفعل ضربات ذوي القربى قبل الخصوم، محيلة دياب إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين.
لكن القدر، وتعقيدات الأزمة اللبنانية، وما يمكن لحكومة سعد الحريري العتيدة أن تفعله، قبل انقضاء عهد الرئيس ميشال عون، وبعده، فيما لو أتيح لها رؤية النور، جعلت من إقامة رئيس حكومة تصريف الأعمال، في السراي، طويلة، قابلة للتمدد طالما أنّ رقعة الخلافات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلف من جهة مقابلة، إلى اتساع.
هو القدر نفسه الذي عاد وفتح نافذة ضيقة سمحت لدياب بالحصول على مواعيد خارجية، وتحديداً في العراق تحت عنوان توقيع اتفاقات ثنائية على قاعدة النفط الخام مقابل منتجات لبنانية، إلّا أنّ هناك من تدخّل في اللحظات الأخيرة، وعلّق الزيارة التي كانت مرتبة بمواعيدها وجدول أعمالها بالاتفاق بين الجهتين. تقول مصادر رسمية إنّ إدارات البروتوكول بين لبنان والعراق كانت قد اتفقت في ما بينها على كافة التفاصيل، وليس فقط المواعيد الرسمية، ما يؤكد أنّ تعليق الزيارة يحمل في طياته أسباباً سياسية وقطباً مخفية، أدت إلى تراجع العراق عن موقفه، بدليل أنّ المسؤولين العراقين مصرون على إبلاغ رئاسة الحكومة اللبنانية عبر الاتصالات الثنائية أنّ الزيارة لا تزال قائمة، لكن مواعيدها مجهولة.
في هذه الأثناء، أطلت زيارة قطر برأسها، من خلف العزلة الدولية التي تعانيها حكومة حسان دياب، وما تمثله. وفق المصادر الرسمية، فإنّ الاتصالات بين دياب والمسؤولين القطريين لم تنقطع أبداً، مؤكدين أنّ هذه الزيارة متفق عليها منذ شباط 2020، لكن مواعيدها تأجّلت بسبب الاقفال العام في العالم وقطر، نتيجة تفشي الوباء، ومن ثم استقالة الحكومة، إلى حين تمّ ادراجها على جدول أعمال المسؤولين القطريين.
لا شكّ بأن لهذه الزيارة مدلولاتها السياسية، خصوصاً وأنّها تأتي على أثر الموقف العراقي المستغرب، حيث تؤكد المصادر الرسمية أنّ هدف الزيارة هو السعي لتأمين المساعدة في مواجهة الأزمة الاقتصادية – المالية، مؤكدة أنّ قطر لطالما عرفت كيف تحافظ على هامش واسع لحركتها الاقليمية، بمعنى أنّ تسوية العلاقة مع المملكة السعودية لا يعني تقييد حركة القطريين أبداً، بدليل الدعوة الرسمية التي وجهت لرئيس حكومة تصريف الأعمال. فضلاً عن أنّ قطر حريصة على ابقاء علاقتها بلبنان جيدة وبمختلف قواه السياسية، تميهداً لأي ترتيب اقليمي جديد، ولعل هذا ما حاول تأكيده وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن خلال زيارته الأخيرة الى بيروت في شباط المنصرم.
في المقابل، تنفي المصادر علمها بأن تكون قطر في طور قيادة مبادرة سياسية بشأن الأزمة اللبنانية، وإنما هي من باب العمل على مساعدة لبنان لمنع انهياره، ولا تخلو أبداً من لفتة دعم تجاه حسان دياب.