كتب نذير رضا في الشرق الأوسط:
عمّق اقتحام مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون لمكتب للصيرفة، الشرخ السياسي بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، بالنظر إلى أن الأول يعتبر أن القاضية تستحوذ على صلاحيات ليست لها، فيما يُعدّ التيار داعماً لها، وهو ما أنتج سجالات وردوداً تُظهِر أن العمل القضائي في لبنان ليس معزولاً عن التدخلات السياسية.
واقتحمت القاضية عون، القريبة من «التيار الوطني الحر»، يوم الجمعة، أحد «مكاتب نقل الأموال» في «قضية مكتف» التي كف مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات يدها عنها، لكنها أصرت على متابعة القضية، وعادت يوم السبت مرة أخرى إلى المكان، وهو ما أثار أزمة سياسية في البلاد، وانقساماً بات «المستقبل» و«الوطني الحر» طرفين فيه، فيما يرى آخرون أن القاضية عون تمردت على قرارات قضائية، وتعدّت على صلاحيات ليست لها.
وبات الملف بعهدة التفتيش القضائي، وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن ما سيحمله الأسبوع المقبل، هو تولي «التفتيش القضائي» معالجة هذا الملف، وسيضع يده عليه، مشدداً على أن ذلك «هو المسار المؤسساتي الطبيعي الذي ستسلكه القضية». وشدد المصدر على أن رئيس التفتيش القضائي (يرأسه الآن القاضي بركان سعد) هو محصن بحكم القانون، ولا يستطيع مجلس الوزراء إقالته، وذلك لضمانة الحيادية والاستقلالية عن السلطة السياسية، وهو ما يساهم في معالجة أي ملف قضائي بالقانون وبنزاهة وباستقلالية تامة.
وفيما يسلك النزاع مساراً قضائياً، اقتحمت الخلافات السياسية الملف، وانخرط فيه مؤيدون لما قامت به القاضية عون ومعارضون لذلك. لكن «المستقبل» حمل الملف على محمل قانونيّ، إذ لمح أمس إلى قضية «صلاحيات». واعتبرت كتلة «المستقبل»، في بيان، أن «المشهد الهزلي الذي تدور أحداثه على خشبة مسرح قضائي، وتابعه الشعب يومين، هو علامة من علامات محاولات استكمال الانقلاب على الدستور والنظام الديمقراطي، عبر تعطيل المؤسسات ومحاولة نسخ نظام الجماهيرية الذي نتذكره كيف كان يحكم بذلك الاتزان العقلي المشهور».
وحذرت الكتلة «من ازدراء المؤسسات الدستورية ومن عمليات تحريض بعض القضاة على اغتصاب صلاحيات ليست لهم، والتمرد على قرارات مجلس القضاء الأعلى ورئيسه والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي، عدا عن تحريض بعض القضاة أيضاً على الاستنكاف عن المثول أمام المراجع القضائية المختصة، ورفض تبلغ الطلبات القانونية والقرارات القضائية، مما يؤدي إلى انتهاك القوانين والأنظمة وفقدان الشعب ثقته بقضائه».
واستغربت كتلة «المستقبل» كلاماً أصدرته وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، «ساوت فيه بين المرجعية القضائية الرصينة وقاض بات ينطبق عليه وصف الفار من وجه العدالة». وأكدت كتلة المستقبل أنه «لن تقوم جمهورية باختزال المؤسسات بغرفة أوضاع تمادت في استباحتها للدستور والقوانين، ولا يتصور أحد أن رئيس الجمهورية يمكن أن يكون حكماً للبلاد بإلغاء السلطات الأخرى وانتهاج أسلوب التعطيل المزمن لعرقلة تشكيل الحكومة والتشكيلات القضائية وحشر لبنان في محور أدى به إلى الفقر والحصار والانهيار المالي والاقتصادي وفقدان الاحترام لدى الدول الشقيقة والصديقة».
معالم الانقسام السياسي تنسحب على الفريق القريب من «التيار الوطني الحر»، إذ اعتبرت وزيرة شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة غادة شريم، أن «القضاء يعاني تدخلات سياسية وطائفية وحسابات ضيقة، وفي كل مرة يحاول فيها أي شخص الاقتراب من ملف مالي تقوم القيامة». وقالت في حديث إذاعي إنه «على القضاء أن ينفض عن نفسه الغبار الطائفي والسياسي والزبائنية والمحسوبيات، من هنا أتت صرخة وزيرة العدل التي سلمت ملف القاضية غادة عون بأكمله إلى التفتيش القضائي».
هذا التباين السياسي أظهر حجم التدخل السياسي في الأمور بالمتصلة بالسلطة القضائية، وهي سلطة يُفترض أنها مستقلة. وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن ما جرى من تصاريح سياسية تظهر الانقسام «ينعكس سلباً على صورة القضاء الذي يفترض أنه الملاذ والحكم بين اللبنانيين»، لافتاً إلى أن «هناك قوانين ناظمة ترعى الملفات القضائية، ومن ضمنها الأزمة الأخيرة وهي مشكلة قضائية تعالج في القضاء، ويفترض أن تنتهي على هذا المسار من غير تشويش سياسي».
وكانت خريطة طريق وُضعت لمعالجة الأزمة ضمن المؤسسة القضائية في اجتماع وزيرة العدل ماري كلود نجم، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، أول من أمس.