لم يحسم مجلسُ القضاء الاعلى خلال اجتماعه اليوم في حضور كافة اعضائه، خطوتَه المقبلة في حق القاضية غادة عون، بعد تمرّدها على قرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. المجلس فضّل إعطاء عون فرصة اضافية، علّها تمتثل لقرار كفّ يدها، وهو سيدعوها الى جلسة غدا للاستماع اليها. وفي ضوء ما ستقوله، سيصار الى تحديد توجّه “المجلس”، نحو إما عزلها – وهو خيار مستبعد – او إحالتها الى التفتيش المركزي.
هذا التريث، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، سيمدّد عمر “المهزلة” التي تدور فصولها منذ السبت على خشبة القضاء، وقد هشّمته وهيبته، وأصابتهما في الصميم. فعدمُ ضرب “القضاء الاعلى” بيد من حديد في هذه القضية، سريعا، سيُعطي الطبقة السياسية مزيدا من الوقت، للمضي قدما في تدمير القضاء، الذي من دونه لا دولة ولا حُكم، بل قبائل تتصارع وتتقاتل في “غابة”.
الجدير توضيحه هنا هو انه من وجهة نظر قضائية علمية صرف، وبغض النظر عما اذا كان القاضي عويدات يدين بالولاء السياسي لتيار المستقبل، كما يتّهمه التيار الوطني الحر، فإن في القضاء تراتبيةً يجب احترامها. هو طلب كفّ يد قاضية ادنى منه درجة، فكيف لها الا تمتثل؟!
القاضية عون مدعومة بوضوح من الفريق الرئاسي الذي يعتبرها رأسَ حربة في محاربة الفساد، ويؤيد، بلا قفازات، أداءها، وقد تظاهر مناصرو الوطني الحر اليوم امام قصر العدل، ومنذ السبت امام منزل عون وامام شركة مكتّف للصيرفة، دعما لها. ولأنها تسند ظهرَها الى هذا التأييد المطلق، فإنها تسمح لنفسها بإهمال قرار عويدات، واعتباره وكأنه لم يكن، والدخول عبر الكسر والخلع، بمساندة أجهزة امنية محسوبة سياسيا على التيار ايضا، الى مكاتب شركة مكتّف رغم إبعاد الملف من يدها وتجييره الى قاض آخر.
“التحدي” هذا، ما كان ليكون اذا لولا تدخّلُ السياسة في القضاء. وقد استدعى تخطي قرار عويدات، ردا من “المستقبل”، في السياسة، وعلى الارض ايضا، اذ اعتصم مناصروه اليوم امام قصر العدل، واصطدموا مع مناصري التيار، في حلقة جديدة من مسلسل “الفضيحة” المتمادية منذ السبت.
فهل السلطة السياسية راضية عما اوصلت البلاد اليه؟ هل هي مرتاحة الى شقّ هيكل “القضاء”، والى تمزيق صورته، والتنكيل بهيبته؟ على الارجح، هي كذلك. والا لارتدّت وانكفأت بعد ان رأت ما اقترفته يداها.
ووفق المصادر، ما يحصل مقصود، وهو يندرج ضمن سياق ممنهج تعتمده المنظومة هدفه إسقاط كل شيء وتدميره. بعد شل المؤسسات الدستورية، عبر منع تشكيل حكومة بحجج واهية فئوية وشخصية، وبعد سقوط القطاع المصرفي ومحاولة تحميل “المركزي” المسؤولية عن الانهيار المالي رغم ان مصرف لبنان كان ينفّذ سياسات الدولة. وبالتزامن مع حملات تخوين الجيش ومحاولات ضرب صورة قائده العماد جوزيف عون، يبدو أتى دور “القضاء” آخر معاقل “الشرعية” التي تذكّر بأن في هذا البلد، كانت هناك، يوما ما، “دولة” و”شرعية”. واذ تأسف لان تدمير القضاء – اساس الملك والحكم – سيصعّب لا بل يجعل من المستحيل قيام لبنان من أزمته القاتلة، تنبّه المصادر من ان مخطط تعميم الفوضى الشاملة، هدفه الذهاب الى مؤتمر تأسيسي، ينشأ بعده لبنان آخر، مختلف تماما عن الذي نعرفه اليوم، يُشبه على الارجح الانظمةَ الشمولية الرجعية الموجودة اليوم في ايران وسوريا وكوريا الشمالية، على سبيل المثال لا الحصر.