كتب رولان خاطر في “الجمهورية”:
لا يبدو الأفق معبّداً بالحلول، على رغم الجهود المبذولة داخلياً وخارجياً لإبعاد الانهيار عن لبنان وتفادي الارتطام الكبير، وإبعاد «النحس» عن مسار تشكيل الحكومة.
تزداد الأزمة اللبنانية حدّة، ويزداد تراجع إمكان إيجاد الحل داخلياً، بالتوازي مع ارتفاع منسوب التصعيد الديبلوماسي في عدّة ملفات تحكم العلاقات الاقليمية والدولية، ووسط تعنّت فريق العهد محلياً، وخروجه أخيراً عن السلوك الطبيعي للتعاطي السياسي والوطني، مع تمرّد القاضية غادة عون، المصنفة سياسياً في خانة «التيار الوطني الحرّ»، على قرار القاضي غسان عويدات، وخروجها عن أصول المواجهات ولياقات القانون والعدالة، منفّذة، كـ»لاعبة» للجهة التي تقف وراءها، انقلاباً مكتمل المعالم سياسياً، بحسب ما أفاد مصدر معارِض «الجمهورية».
ويقرأ عدّة أسباب في تحرّك القاضية عون:
أولاً، ناهيك عن أن حركتها خارجة عن المألوف القضائي، وتأتي استكمالاً لضرب هيبة القضاء والدستور، أمر مرفوض استخدام القضاء لتوجيه رسائل سياسية إلى خصوم العهد.
ثانياً، هي رسالة مبطنة وواضحة إلى الرئيس المكلّف سعد الحريري، أنّ بعبدا وجبران باسيل تحديداً من يحدّدا شروط اللعبة، وأي تحدّ ورفع سقف والتلطي وراء قرارات قضائية سيُواجه بتحدّ أكبر منه، وبسلوكيات تحدّدها متطلبات الموقف، وبالسلاح ذاته الذي يُستخدم للضغط على فريق العهد، أي من خلال العباءات القانونية.
ثالثاً، اذا كان الهدف هو محاربة الفساد، وتأمين حقوق المودعين وأموال الناس، لماذا لم يتحرك العهد بهذه الغيرة المفرطة باتجاه أرباب السوق السوداء الذين يتلاعبون بالدولار ويديرون العديد من المنصات «غير الشرعية»، وهم باتوا معروفين وأسماؤهم لدى الأجهزة الأمنية؟ لماذا الاستقواء في مناطق والانكفاء عن مناطق أخرى؟ ولماذا يكون تطبيق القانون في منطقة وممنوع في أخرى؟
رابعاً، ألا يشكل التدقيق الجنائي عاملاً مساعداً في استعادة «الأموال المنهوبة» وطريقاً آمناً لإعادة ودائع الناس، فلماذا لا يشكلّون حكومة ويتنازلون عن مكابرتهم لينطلق التدقيق الجنائي الذي سيبقى عنواناً شعبوياً خارج إطار تشكيل حكومة؟
خامساً، ألا يستدعي ملف الكهرباء الذي يشكل عمود الدين العام الفقري تحركاً من قبل القضاء العوني؟ وكارثة بحجم انفجار مرفأ بيروت، ألا تستدعي ايضاً هذه الجرأة من فريق العهد؟
سادساً، ودائماً بحسب المصدر المعارض، هل انّ ما يجري هو توزيع أدوار بين باسيل و»حزب الله» وتقديم أوراق اعتماد من قبل رئيس «التيار»، فيَستكمل انقلاب «حزب الله» على النظام المصرفي اللبناني ويحاول ان ينجح مكان ما فشل الحزب؟
بات واضحاً، يؤكد المصدر المعارِض، «لماذا وُضعت التشكيلات القضائية في «جارور» الانتظار. وبات من حق الرئيس الحريري وأي فريق خصم للعهد أن يتخوف من استخدام القضاء لتصفية حسابات سياسية والانتقام العشوائي. وبات مؤكداً اليوم، أنّ كل هذه المنظومة تتحرّك بغطاء واضح في سبيل إسقاط مؤسسات الدولة كاملة خدمةً لأجندة «حزب الله»، الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لضرب أسس الكيان اللبناني لصالح مشروعه في لبنان ومشروع إيران في المنطقة.
«فتحركات الداخل لا تنفصل عن حركة الخارج، الاقليمية والدولية، وعن مسار المفاوضات الحاصل على خط واشنطن – طهران. وما الحكومة سوى جزء من الورقة اللبنانية الشاملة، التي يستخدمها مسؤولو النظام الإيراني وسيلة مقايضة في مشروعهم الأكبر. والشواهد على ذلك كثيرة، ولن يكون آخرها، كلام المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمیرعبد اللهیان الذي اتهم أميركا وفرنسا والسعودية بأنها لا تريد «حكومة قوية» في لبنان، مكرّساً معادلة لبنانية مختلفة، عمادها «مثلث المقاومة والجيش والحكومة اللبنانية».
ورغم الضغوط والحركة الدولية المتسارعة للبنان والكلام الديبلوماسي الخارج عن لياقته في أحيان كثيرة، لا يوحي المشهد الحالي بشيء من التفاؤل، وسط جو تحكمه النكايات والكيديات وفوضى منظمة، وعاد مشهد الأمس في عوكر ليؤكد المؤكد، لا عودة إلى العلاقة مع الحريري.
وبصريح العبارة، تعتبر المصادر السياسية المعارِضة أنّ «الجرّة انكسرت بين عون والحريري بعد استقالة الأخير إثر انتفاضة 17 تشرين 2019، إذ اعتبر العهد ان الحريري تركه في منتصف الطريق وحصل الطلاق من طرف واحد. وبالتالي، لا يريد العهد اليوم بحسب تطوّر الأوضاع، ان يعيد النظر في العلاقة او الى زواج جديد مع الحريري، الذي رفض دعوة وليد جنبلاط من قصر بعبدا للقاء باسيل وإنتاج تسوية جديدة، والذي بحسب المعلومات، رفض أي لقاء مع باسيل تحت عباءة الفرنسيين في باريس من دون أن ينتج عنه ضمانات بتشكيل الحكومة، وهو أيضاً ما رفضه قصر الإليزيه.
وفي قراءة المصادر، «يبدو من خلال الطروحات الحكومية اليوم، وهي تسمية وزراء من قبل الطوائف والأحزاب، أننا نعود إلى النقطة صفر، لعودة باسيل إلى الحكومة، خصوصاً أنّ اي حكومة تكنوقراط لن تعيده، وللتأكيد على معادلة قديمة جديدة «يدخلان معاً ويخرجان معاً».
هو أمر لا زال الحريري يرفضه، لأن الواقعية السياسية لا تفترض في هذه المرحلة تخطي مطالب الأميركيين بتشكيل حكومة لا وجود فيها لـ»حزب الله»، ولا مطالب الدول الخليجية والعربية، إضافة إلى فشل الأوروبيين بإبعاد هذه الشروط عن مسار التشكيل لا بل محاولة استخدام لغة أميركية في القاموس الأوروبي.
وبالتالي، فإنّ أولوية الحريري ان لا تكون حكومته نسخة عن حكومة حسان دياب، أي ان تنتقل كرة النار المالية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية إلى حضنه فيصبح في ورطة سياسية. وبالتالي، هو يريد ان يؤمّن على تشكيل حكومة تكون قادرة على إخراج لبنان من أزمته.
في المقابل، «يدرك العهد أن أيّ حكومة مرتقبة ستكون الأخيرة له، لذا هو يريد ان يُهيّئ المسرح السياسي لمرحلة ما بعد انتهاء ولايته، وبالتالي، أولويات انتقال الارث إلى جبران باسيل، تتقدم على المصالح الوطنية. فالأولوية رئاسية، والخلفية رئاسية، وهي ذهنية حكمت كل فترة العهد. ومن هنا، إنّ التمسك بالثلث المعطل ليس فقط لأسباب سياسية، بحسب المصادر، إنما أيضاً لأسباب مالية، تمكّن باسيل من التفرّد بقرارات مالية ومشاريع ذات طابع إنمائي يستطيع عبرها تحقيق مكاسب مالية له ولفريقه».
«وبموازاة الفوضى الداخلية، خارجياً، لا مصلحة لإيران في هذه المرحلة بالذات من تشكيل حكومة»، بحسب المصدر. «فطهران تحاول أن ترتّب وضعها في الساحات الموجودة فيها من صنعاء إلى بيروت، تارة عبر تسخين هذه الساحات وتارة عبر تحمية المفاوضات، محاولة قدر الإمكان فرض شروطها على الإدارة الأميركية الجديدة».
وفي ظل هذه التعقيدات الداخلية المتزايدة، والخارجية، من الواضح، أن الحريري لن يذهب باتجاه تشكيل حكومة غير قادرة على جلب مساعدات خارجية، تنهض بلبنان. وهو لن يدخل بمغامرة لا تحظى بدعم خارجي، وقد تحمّله مسؤولية الانهيار الكبير. من هنا، تقول المصادر المعارِضة، إنه يمكن قلب الطاولة من خلال أمرين:
أولاً، من خلال المؤتمر الدولي الذي دعا إليه البطريرك الماروني، على أن يتزامن ثانياً مع اتفاق الأطراف على الانتخابات النيابية المبكرة.
وهذا يتطلب استقالة 3 كتل أساسية، سنية درزية ومسيحية، وهو ما سيؤدي إلى امرين أساسيين. أولاً، إلى إفقاد البرلمان مشروعيته الميثاقية، ويصبح المجلس امام أزمتين، ازمة مشروعية وأزمة عددية، وتحوّله إلى مؤسسة مبتورة ولو استمر بالعمل.
ثانياً، استقالة من هذا النوع تطلق دينامية وطنية كبيرة تعيد تجديد روح الثورة وتضع هدفاً واحداً محدداً وهو تقصير ولاية مجلس النواب من اجل الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة. وخلاف ذلك سنبقى على ما نحن عليه. إلا انه لا يبدو لهذه اللحظة أن «المستقبل» و»الاشتراكي» في وارد القبول بهذا الحل.
امّا في ما خصّ التدويل، فهو يتطلب الى جانب التأييد الداخلي الجهوزية الخارجية، أي ان يبادر مجلس الأمن مع مجموعة الدول الخمس من أجل دعم وتأييد طرح البطريرك والدعوة الى مؤتمر دولي. وهذ يتحقق بواسطة بكركي وبدعم فاتيكاني إضافة إلى الانتشار اللبناني وعمله في هذا التوجه.
وتعتبر المصادر أنه «في حال تم النجاح بعقد هذا المؤتمر يمكن الكلام عن حلّ للأزمة اللبنانية».