كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
من يستمع إلى خطاب المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل في ذكرى مجزرة قانا يظنّ نفسه أنه أمام قائد جديد للثورة، أو أمام نائب لم يشارك فريقه السياسي في السلطة منذ الحرب وأصبح الثابت في كل تركيبات ما بعد “اتفاق الطائف”.
وبغضّ النظر عن تحميل المسؤوليات أو المحاكمة، فإن القراءة بين سطور ما قاله خليل عن حقّ الناس بالثورة يكشف حجم التوتّر الحقيقي بين القيادة السياسية لـ”حزب الله” وحركة “أمل”، ومن ثمّ الإشكالات بين جمهور “الثنائي الشيعي” والتي تحاول القيادة لجمها والسيطرة عليها.
ويبدأ التباين بين “الحزب” و”الحركة” من الملفات السياسية الكبرى في المنطقة ويصل إلى التعاطي في الملفات الداخلية، وصولاً إلى الأزمة الإقتصادية التي تضرب لبنان وباتت تؤثّر على البيئة الشيعيّة مثلما تطال كل لبناني.
وفي السياق، فان التباين الأكبر بدأ منذ اندلاع الثورة السورية العام 2011، يومها إختار “حزب الله” جرّ لبنان إلى أتون الحرب السورية وتدفيعه الفاتورة الأغلى في المنطقة، بينما وقفت حركة “أمل” والرئيس بري موقف المتفرّج، فلم يُرسل برّي شبابه للقتال في سوريا ولم يخرج بمواقف رنانة تدعم النظام السوري، ولم يستغلّ نواب “أمل” المنابر للحديث عن بطولات الجيش العربي السوري، بل إنّ كل مواقف الدعم كانت شكلية و”غبّ الطلب”، وهذا ما يُفسّر إنزعاج القيادة السورية من بري.
أما التباين الثاني فهو في علاقات بري مع الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي، فاذا كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله يقود جبهة الهجوم السياسي والأمني على تلك الدول، إلاّ أن الرئيس برّي يُحافظ على أفضل العلاقات معها ولم يقطع “شعرة معاوية”، ويترك صلة وصل بين البيئة الشيعية وتلك الدول.
وتصرّ قيادة “أمل” على تأكيد لبنانية “الحركة” وامتدادها العربي وعدم دخولها كجزء من المشروع الإيراني مثل “حزب الله” و”الحشد الشعبي العراقي” و”الحوثيين” في اليمن، على الرغم من شيعيّة “الحركة”، والجميع يتذكّر أن الرئيس برّي من أكبر المنظرين لنظرية الـ”س – س”، على اعتبار أن التوافق العربي يحمي استقرار لبنان.
ويأتي التباين الأكبر في الملف الداخلي، إذ إنّ الجميع يعلم مدى التباعد بين بري من جهة والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل من جهة ثانية، والجميع يتذكّر أن بري كان الوحيد بين الزعماء الكبار الذي لم ينتخب عون رئيساً وقد حذّر من أن البلاد ستكون أمام رئيسين “إذا انتخبنا عون”، واليوم يقف بالمرصاد رافضاً نيل باسيل الثلث المعطّل، وهذا ما قاله حسن خليل ويكرّره نواب “التنمية والتحرير” في كل مواقفهم، ويبقى”حزب الله” الداعم الوحيد للعهد على رغم عدم تحبيذ نصرالله نيل أي فريق هذا الثلث.
هذا بالنسبة إلى السياسة، أما الأخطر على الساحة الشيعية فيتمثّل ببداية ظهور ثورة المحرومين مرّة جديدة بقيادة “أمل”، رغم التواصل التام مع “حزب الله”، ويتخوّف “الحزب” من موجة إحتجاجات تعمّ المناطق الشيعية، وهذا الأمر فسّره كثر بأن خطاب نصرالله الأخير وتهديده من يقطع الطرق مُوجّه بشكل كبير إلى البيئة الشيعية قبل بقية المناطق والبيئات.
وعلى رغم حديث نصرالله مرّات عدّة عن أن بيئته لن تجوع، إلا أن هناك صوتاً شيعياً قوياً بدأ يصدح ويقول “جعنا يا سيّد”، وهذا الصوت ليس من معارضي سلاح “الحزب” أو المجتمع المدني فقط، بل هو في جزء منه من جمهور حركة “أمل”، وليس حديث علي حسن خليل عن تجدّد الثورة إذا ما رُفع الدعم إلا الدليل على ما وصل إليه إقتصادياً القسم الأكبر من الشيعة.
لا يُنكر أحد أن “حزب الله” يُقدّم لمناصريه ومحازبيه تقديمات كثيرة ويدفع بالدولار، لكن المؤشرات تدلّ على أن هذه التقديمات لا تُغطّي أكثر من 25 بالمئة من البيئة الشيعيّة، فيما الجزء الأكبر من الشيعة ينطبق عليه ما ينطبق على بقية اللبنانيين.
لا شكّ أن حركة “أمل” من الأحزاب التي استفادت من الدعم الخارجي، لكن هذا التمويل لم يصل إلى الحدّ الذي بلغه “حزب الله” بل بقي تمويلاً سياسياً، وهذا ما يُفسّر معاناة جمهور “امل”، فالرئيس برّي، صاحب نظرية “عالسكين يا بطيخ” و”متل ما بيطلعلكن بيطلعلي”، حاول مساعدة جماعته فاستغل علاقته بالسوري بعد “الطائف” والصحوة الشيعيّة والغياب المسيحي، وأدخل جماعته بشكل كبير إلى إدارات الدولة حتى سيطروا على قسم كبير منها، وكان هؤلاء الموظفون يعيشون في نعيم مثلهم مثل بقية موظفي الدولة، يستفيدون من المعاش والتقديمات، يسحبون القروض من المصارف، يشترون حاجاتهم الأساسية، وبقي هذا الوضع إلى أن وقع الإنهيار الكبير في سعر صرف الليرة وأصبحت حال موظّف الدولة “بالويل”، ولم يعد معاش الموظّف يؤمّن إحتياجاته الأساسية، وهنا الفرق الكبير بين الشريحة الكبرى من “أمل” التي تقبض باللبناني وبين جمهور “حزب الله” الذي تأتيه الدولارات “النظيفة” من إيران.
كل تلك العوامل، إضافةً إلى تراجع عمل معظم المصالح والقطاعات في كل لبنان، والتضييق على الشيعة في الخليج وبقية الدول وأزمة “كورونا” العالمية وانهيار الوضع الإقتصادي، تدفع الشيعي مثله مثل أي لبناني آخر للثورة والإنتفاضة على الواقع، وهنا لم يعد يهمّ الإنتماء السياسي أو الديني بل إن الجوع يضرب الجميع، في حين أن حركة “أمل” ترى أن “حزب الله” ومن خلال دعمه المطلق لباسيل والعهد يقف عائقاً في وجه الحكومة، مع العلم أن برّي كان من أهم معطّلي المبادرة الفرنسية وتأليف حكومة السفير مصطفى أديب بسبب تمسكه حينها بوزارة المال، لكن كما ظهرت الأمور فان العقدة أكبر من برّي و”المال”.
من هنا، فان ما سيحصل بعد رفع الدعم سيكون كارثياً على الجميع إن لم يترافق بدعم موجّه، وبات واضحاً للعيان أن المناطق الشيعية تعاني من نقص حاد في المواد الأساسية والمدعومة، في حين أن من يحمي التهريب ويقطع المواد عن الشعب معروف أيضاً، وبالتالي فان نصرالله الذي نجح في قمع الثورة في بيئته بمشاركة “أمل” وتحت شعار “شيعة شيعة”، هل سيكون أمام ثورة محرومين في بيئته ومن الصعب ضبطها لأنها تحظى هذه المرّة بغطاء سياسي شيعي؟