IMLebanon

“الثلث المعطّل” يشلّ القضاء

“كسْر القانون واجب وطني”… هي عيّنة من الشعارات العونية التي جاهر بها أحد متظاهري “التيار الوطني الحر” ممن تنكّروا أمام قصر العدل أمس بقناع “المودعين”، قبل أن ينزعه عنهم “مخبر” ميرنا الشالوحي، حين قاطع المحامي وديع عقل عبر الهواء مباشرةً بـ”وشوشة” التقطها مذياع قناة “الجديد”، هامساً في أذن عقل وآذان ملايين اللبنانيين: “إجت أوامر للانسحاب”.

وكما شرذمت معارك العهد العبثية وسياسات تياره الشعبوية البلاد، رئاسياً وحكومياً ومالياً وسياسياً وسيادياً، كذلك شقّت الصفوف في قصر العدل فحوّلته إلى “مسرح دمى” سياسية متناحرة بين قاض وآخر، ونائب عام وآخر، لحسابات تبتغي الربح السياسي بين تيار وتيار، بحيث نجح رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل قضائياً حيث أخفق حكومياً في جرّ “تيار المستقبل” إلى شجار طائفي، فكان له ما أراد أمس من انقسام في شارع “العدلية” بين رصيف عونيّ مؤيد لتمرّد القاضية غادة عون على مجلس القضاء الأعلى، وآخر “مستقبلي” مؤيد لمدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، بينما استعاض باسيل عن مجده “الضائع” في مجلس الوزراء فوجد ضالته في مجلس القضاء الأعلى حيث فرض لعبة “الثلث المعطل” على أعضائه وشلّ قراراته.

إذاً، وبينما كان رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب “يتبكبك” أمام العرب مستجدياً عطفهم على لبنان الذي “بلغ حافة الانهيار الشامل وأصبح من دون حبل أمان” كما قال في السفارة اللبنانية في الدوحة مساءً، كانت دوائر قصر بعبدا منشغلة في إحكام الحصار على قصر العدل عبر الإمعان في شقّ الصف داخل النظام القضائي وتسعير نار الخلافات حيال تجاوزات القاضية عون عبر تشجيعها على المضي قدماً في عصيان قرارات النائب العام التمييزي و”تأليب القضاة على بعضهم البعض” حسبما نقلت مصادر مواكبة لاجتماع مجلس القضاء الأعلى أمس، الأمر الذي حال دون وصوله إلى قرار نهائي بحق القاضية عون وخلص المجتمعون إلى إبقاء جلساتهم مفتوحة بانتظار الاستماع إلى إفادتها اليوم.

وأوضحت المصادر أنّ “التجييش السياسي والطائفي العوني تسبب في انقسام الآراء داخل مجلس القضاء بين رافض لاتخاذ أي تدبير زجري بحق تمرّد القاضية عون على قرارات رئيسها مدعي عام التمييز، مقابل الاكتفاء بالإجماع على أحقية القاضي عويدات بإعادة جدولة عمل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان وحصر التحقيق بالجرائم المالية العامة بالقاضي سامر ليشع”، مشيرةً إلى أنّ “أياً من القضاة أعضاء المجلس لم يستطع أن ينازع في هذا الحق، ولا في وجوب إحالة الملف إلى التفتيش القضائي لإصدار توصياته بشأن أداء القاضية عون المخالف للأصول القضائية بعد رفضها الامتثال لقرارات مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي، لكنّ التدخلات السياسية استطاعت أن تنفذ من بوابة “النصاب” المطلوب لاتخاذ القرارات بالتصويت داخل مجلس القضاء والذي يحتاج إلى أكثرية 8 أعضاء من أصل 10، الأمر الذي يستحيل تأمينه راهناً في ظل وجود 8 أعضاء فقط في المجلس، بعضهم محسوب على “التيار الوطني الحر” ويمانع في اتخاذ تدبير صارم بحق عون بموجب المادة 95 التي تنظر في عدم أهلية القاضي تمهيداً لعزله”.

وإذ تتّجه الأنظار اليوم إلى جلسة الاستماع للقاضية عون أمام مجلس القضاء الأعلى وما سيتخذه المجلس من قرار بعد الجلسة في حال عدم تمنعها عن الحضور، تحذر مصادر قضائية من أنّ “السكوت عن الانقلاب الحاصل على القيم والنظم المرعية في هيكلية النظام القضائي وتراتبيته، سيترتب عليه تداعيات كارثية ستتأتى عنها بداية مسار انهيار المؤسسة القضائية وانفراط عقد مجلس القضاء الذي تنبع قوته من استقلاليته ووحدته”، مجددةً التشديد على أنّ “الأمور لم تعد مرهونة بقضية غادة عون فحسب بل أضحت تتصل بمسألة أهم وأعمق وهي وحدة الجسم القضائي التي أصبحت اليوم على المحك”.

وفي المقابل، سربت أوساط عونية أمس معلومات تفيد بأنّ “التيار الوطني الحر” ليس بصدد التراجع عن المعركة التي يخوضها ضد مجلس القضاء الأعلى، إنما سيدفع الأمور باتجاه مزيد من التصعيد والتحدي في مواجهة المدعي العام التمييزي من خلال إعداد العدة القانونية لخوض نزاع قضائي مع صلاحيات القاضي عويدات، عبر ادعاء ستقدمه القاضية عون ضده تتهمه فيه بتجاوز صلاحياته مع المطالبة بإبطال قرار تنحيتها وكف يدها عن متابعة الملفات المالية الهامة.