مؤسسساتٌ كأنها، الواحدة تلو الأخرى، «تطلق رصاصةً في رأسها»… وخلف الستارة أو على «تلة»، متفرّجٌ أو «متربّص» أو مُنْتَظِرٌ أن يكتمل تَداعي النظام، بسقوط «حلقات أمانه» تباعاً وبلوغ الاهتراء في السلطات درجة التعفّن القاتِل، لـ «تسييل» الاستثمار الطويل المدى في الأزمات أو «التسلل» من الانهيار الكبير للانقلاب على الواقع اللبناني وتوازناته، ربْطاً بمسار ترسيم النفوذ الإقليمي في المنطقة، وإما بطموحاتٍ «عتيقة» لإعادة عقارب «جمهورية الطائف» إلى الوراء.
هذه الخلاصة البالغة القتامة عبّرتْ عنها أوساطٌ سياسيةٌ باتت ترى في تَراجُع ملف تأليف الحكومة الجديدة إلى المقاعد الخلفية لمصلحة عناوين فضائحية وصراعاتٍ داخل سلطاتٍ لم يسبق أن انكشف بهذا النفور أنها «منخورة» بلوْثة السياسة، مؤشراً إلى أن غَرَقَ لبنان يوماً بعد آخَر إلى قعرٍ أعمق في أزماته الأخطبوطية صار أصعب من أن يصدّق أحدٌ أنه مجرّد انعكاسٍ للعاصفة المتوهّجة التي تضرب البلاد، متخوّفة من أن تتوالى في الأسابيع المقبلة مَظاهرُ تَحَلُّل المؤسسات وإشهار عجْزها على مختلفِ المستويات سواء بفعل وضعية تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة منذ أكثر من 8 أشهر أو نتيجة النفخ السياسي – الطائفي في ملفاتٍ قضائية قسمت الشارع حيالها ويُخشى أن تكون قاصمة للسلطة القضائية وهيْبتها.
وفيما كانت الحركةُ على خطِّ الأزمة الحكومية «تبدّل سيرَها» من خارجية في اتجاه بيروت إلى لبنانية نحو الخارج وهو ما ستعبّر عنه محطة الرئيس المكلف سعد الحريري في الفاتيكان غداً حيث سيلتقي البابا فرنسيس وبعده زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون) لموسكو في 29 الجاري، فإن كل المعطيات تتقاطع عند أن تأليف الحكومة مازال بعيداً، حتى أن محركاتِ الدفْع الداخلية التي لطالما سعتْ في الكواليسِ لحماية عملية التشكيل من الجمود «المميت» بدتْ في الأيام الماضية وكأن عطلاً أصابها أو أخذت «عطلةً» تحت وطأة التعقيداتِ التي لم تنجح كل المبادرات في كسْر جِدارها.
وعلى العكس بدأت هذه التعقيدات تتحوّل ما يشبه «مثلث برمودا» الذي يبتلع ركائز الوطن الصغير الذي صار «مفقوداً» بكل «النسخ» التي عُرف بها، وبأنماط عيش أبنائه الذين باتت «الكنوزُ» التي يبحثون عنها سلعاً ومواد أساسية «لا أثَر» لها على رفوف السوبرماركت ولا في الصيدليات وأهمّها عبوات حليب الأطفال التي صار العثور عليها أقرب الى البحث عن إبرة في كومة قش في بلدٍ تحوّل كله… «عبوة ناسفة».
ولم يكن أدلّ على هذا الوضع الكارثيّ الذي تَرافق مع نشْر رقم مُرعب عن نسبةٍ خيالية للزيادة في أسعار السلع الأساسية سُجلت بين يناير 2020 وابريل الجاري تجاوزت 350 في المئة، من التداعياتِ الخطيرة لـ «المعركة القضائية» التي اندلعت بين مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بعد كفّ الأخير يدها عن ملفات مالية كانت تعمل عليها وتمرُّدها على قراره ومضيّها في قضية بحق إحدى شركات الصيرفة واستيراد الأموال «استعانت» بحشد شعبي من مناصري «التيار الحر» لدهْمها على مدى يومين متتالييْن.
وغداة الانكشاف الأخطر للقضاء على التجاذبات السياسية وعلى الصراع الكبير بين عون والحريري والذي شكّلته تظاهُرتا الدعم المتقابلتان (الاثنين) أمام قصر عدل بيروت، للقاضية عون من مؤيدي «التيار الحر» ولعويدات من مناصرين لـ «تيار المستقبل» (يقوده الحريري) وسط إسقاطات طائفية أُسبغت على «صراع القاضية ورئيسها»، لم يخلُ الاستماع الى مدعي عام جبل لبنان أمس من مجلس القضاء الأعلى وخلاصاته من أبعاد تعكس المنزلق الذي جُر إليه القضاء.
ففي حين حضرت عون بـ «حماية المناصرين» الذين شكّلوا «زنار دعم» لها إلى قصر العدل، شكّلت إحالة عون على التفتيش القضائي ما يشبه قرارَ أفضل الممكن بالنسبة الى «القضاء الأعلى» (تنتهي ولايته في 29 الجاري) المكبّل اليدين وغير القادر على توفير الأكثرية المطلوبة لأي إجراء جذري بحق القاضية (مثل إعلان عدم أهليتها) لو ارتأى ذلك، والذي واجهتْه عون باندفاعة هجومية تقدّمت فيها بشكوى ضد عويدات.
وإذ ذكرت التقارير أن عون تحدثت خلال الجلسة وقالت إنها ربما تكون انفعلت في الأيام الماضية ولكنها في المسار القانوني وفي الإجراءات القانونية لم تخطئ، برز ما نُقل عن عون (صحيفة «الأخبار») لجهة دعمه للقاضية ونفيه أن يكون تدخّل في عملها، معتبراً أنها في معركتها الأخيرة «لم تخطئ في الجوهر.
أخطأت في الشكل»، متوقعاً أن تأخذ هيئة التفتيش القضائي، في حال إحالة عون عليها، بالأسباب التخفيفية بحقّها، داعياً إلى كف يد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن متابعة عمله، إلى حين إجراء تدقيق جنائي في حسابات «المركزي».
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من زيارته لقطر، فإنّ الإشارات التي صدرت من بروكسيل بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أول من أمس، أظهرتْ «وقتاً إضافياً» جديداً أُعطي لتشكيل الحكومة واعتُبر مؤشّراً لارتباكٍ أوروبي في التعاطي مع الملف اللبناني انطلاقاً من مبادرة «الجزرة والعصا» الفرنسية، وسط تظهير أن أي عقوباتٍ أوروبية يُراد أن تكون عنصر ضغط على معرقلي تأليف الحكومة هي من ضمن مسارٍ يحتاج ايضاً إلى وقتٍ لا تملكه «بلاد الأرز» التي تُسابِق آخر أمتار تفصل عن القعر السحيق.
وفي الدوحة، أكد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعم بلاده المستمر للبنان ووقوفه الدائم إلى جانب الشعب اللبناني.
ودعا خلال لقائه الاثنين دياب جميع الأطراف اللبنانية إلى تغليب المصلحة الوطنية، والإسراع في تشكيل حكومة جديدة من أجل إرساء الاستقرار في لبنان.
من جانبه، قال دياب للإعلاميين في مقر السفارة اللبنانية «لقد بلغ لبنان حافة الانهيار الشامل (…) بفعل عقود من الحروب والإهدار والفساد، والسياسات التي شجعت الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد المنتج».
وأضاف «اليوم، جئنا إلى الشقيقة قطر نطرق بابها، كما سنطرق أبواب دول عربية شقيقة أخرى لم تتخل عن لبنان، وننتظر أن تفتح أبوابها لنا، كما فعلت الشقيقة قطر».
ولم يذكر دياب تفاصيل في شأن المساعدات التي طلبها أو ما الذي وعدت قطر بتقديمه.
وقال «هذه التفاصيل ملك أمير قطر ورئيس وزرائها، ولكني أعتقد أن هناك ايجابيات سيتم الإعلان عنها».
أوروبياً، كان لافتاً إعلان الخارجية الفرنسية في بيان صدر عنها «أن الوزير جان ايف لودريان ذكّر خلال الاجتماع نظراءه الأوروبيين بالضرورة الملحة لمساعدة لبنان على الخروج من المازق السياسي والاقتصادي، من خلال تسريع وتيرة الجهود الأوروبية الرامية للضغط على المسؤولين اللبنانيين عن التعطيل الراهن»، مشيرة الى أن «الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل وزع على الدول الأعضاء ورقة الخيارات التي أعدّها جهاز العمل الخارجي داخل الاتحاد بناء لطلب فرنسي وألماني. وخلاصة مضمون الخيارات المطروحة أمام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تحدد شروط تشكيل حكومةٍ تنخرط مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة بأسرع وقت. أما في حال عدم تشكيل حكومة فسيتم وضع العقوبات على مرحلتين، أولاً وضع نظام عقوبات خاص بلبنان وثانياً إدراج الأسماء المستهدفة والتي تعطل عملية التاليف على لائحة العقوبات».
https://www.alraimedia.com/article/1531500/خارجيات/لبنان-الانهيار-يتقدم-والأزمة-الحكومية-إلى-المقاعد-الخلفية