كتبت كارولين عاكوم في صحيفة الشرق الأوسط:
بعد مرور نحو خمس سنوات على بداية عهد الرئيس ميشال عون الذي انتخب رئيساً للجمهورية تحت عنوان أساسي هو «الرئيس القوي» ورئيس أكبر حزب مسيحي ودعمه من قبل قيادات حزبية وشخصيات سياسية، بدأت تحالفاته تسقط شيئاً فشيئاً بحيث لم يعد محصناً إلا بتحالفه مع «حزب الله»، بحسب ما يقول مصدر مقرب من الثنائي الشيعي لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن «صمود (التيار الوطني الحر) بات مرتبطاً فقط بدعم (حزب الله) وتحالفه معه. إذا سقط هذا التحالف سقط التيار والعهد معاً»، فيما وصل نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، حليف العهد السابق وآخر المنتفضين عليه عبر دعوته لتسلم الجيش السلطة، إلى حد تحذيره عبر «الشرق الأوسط» من عدم إجراء انتخابات رئاسية مقبلة، مما سيؤدي إلى طلب الرئيس عون البقاء في موقعه بحجة استمرار عمل المرفق العام.
والابتعاد عن «الوطني الحر» بدأ مع «تيار المستقبل» و«حزب القوات اللبنانية» اللذين دعما ترشّح عون، لأسباب سياسية مرتبطة بكل منهما، ليعودا بعدها إلى موقعهما السابق كخصمين لـ«التيار»، ومن ثم كرت السبحة منذ بدء الانتفاضة الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ووقوع انفجار المرفأ في أغسطس (آب) 2020. لتشمل نواباً تحالفوا مع «الوطني الحر» في الانتخابات النيابية وشكّلوا معاً «أكبر كتلة نيابية»، أبرزهم، نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي والنواب ميشال معوض وميشال الضاهر ونعمة أفرام وصهر عون شامل روكز، وذلك في موازاة انفصال شخصيات كانت معروفة بدعمها للتيار.
في موازاة ذلك، فإن موقف وليد جنبلاط، رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، الذي وإن انتخبت كتلته عون، لم يصمد طويلاً وعاد إلى سابق عهده من الخصومة وهو الذي سبق له أن وصف عودة عون من باريس عام 2005 بـ«التسونامي»، وكان أول من أطلق حملة إسقاطه قبل أشهر ليعود ويتراجع لأسباب مرتبطة بالواقع الطائفي في لبنان الذي يتحكم بقرار كهذا وباعتراف قياديين في «الاشتراكي» بأن هذا المطلب لن يجد طريقه إلى التنفيذ ما لم يحظَ بدعم من البطريركية المارونية، كذلك سجّل موقف متقدم من قبل «حزب القوات»، الذي لا يترك فرصة إلا ويصوّب على العهد، من دون أن يذهب إلى حد المطالبة باستقالته، واكتفى رئيسه سمير جعجع، بالقول: «لو كنت مكان عون لاستقلت»، فيما قالت النائبة ستريدا جعجع: «ننتظر استقالة عون».
وفيما لم يكن البطريرك بشارة الراعي بعيداً عن تحميل رئيس الجمهورية إلى جانب أطراف أخرى مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة، فإن الجديد في «خصومة العهد» بدأت قبل أيام مع شخصيات كانت مقربة من عون، وأبرزهم نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي الذي كان لعب دوراً أيضاً في وصول عون إلى رئاسة الجمهورية وخاض حملات سياسية داعمة له، عبر إصداره موقفاً مدويّاً تمثل بدعوة «الجيش لتولي مقاليد السلطة»، وكان قد سبقه إلى ذلك قبل أيام النائب المحسوب أيضاً على محور العهد و«حزب الله»، جميل السيد، بدعوته إلى انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة إذا فشلت المبادرة الفرنسية لتأليف الحكومة.
وأتت دعوة الفرزلي إثر «تمرّد» المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، المحسوبة على رئيس الجمهورية ورئيس «التيار»، بحيث يعبّر عن خيبة أمله من العهد ويؤكد أن طرحه هذا الحل أتى لوقف تحلّل المؤسسات وانهيارها من قبل من هم في السلطة وخوفه من أن ينسحب الأمر على مؤسسة الجيش. ويقول الفرزلي لـ«الشرق الأوسط»: «قبل العهد والموقع النيابي لا يمكنني إلا أن أكون جزءاً من الشعب والمواطنين في لبنان ولا يمكن أن أكون منفصلاً عن الواقع المنهار المرشّح للتعاظم». ويعدد مظاهر هذا الانهيار بالقول «حكومة مستقيلة ومشاورات متوقفة لتأليف حكومة جديدة إلى أجل غير مسمّى، مجلس نواب مستهدف ونواب استقالوا من دون أي نية لإجراء انتخابات نيابية فرعية وبالتالي انقلاب على الدستور، قد يكون مقدّمة لعدم إجراء انتخابات النيابية العام المقبل وبالتالي الانتخابات البلدية ومن ثم الانتخابات الرئاسية ليصبح الفراغ سيّد الموقف، وقد يأتي من هو في السلطة اليوم ليتحجج بالبقاء تحت عنوان استمرار المرافق العامة، مضيفاً: «عندها إذا أتى الرئيس عون (أطال الله بعمره)، وقال لا يمكنني أن أترك ماذا نقول له؟».
وما زاد الطين بلة، بحسب الفرزلي، المشهد الأخير الذي تمثل بتمرد القاضية غادة عون على قرار كف يدها عن التحقيق في الجرائم المالية ليترافق مع دعوة صريحة من قبل وزيرة العدل التي دعت إلى انتفاضة في القضاء.
وهنا يسأل الفرزلي: «ما الذي يمنع من استمرار هذا التحلّل في مؤسسات الدولة ووصوله إلى الجيش»، موضحاً: «من هنا كانت دعوتي لكي يتسلم الأخير السلطة، انطلاقاً من موقعي كنائب الذي يحتّم علي إطلاق صرخة، محذرا إذا لم يقدم مجلس القضاء الأعلى على اتخاذ الإجراءات اللازمة عندها سنذهب إلى لجنة تحقيق برلمانية بصلاحيات قضائية لاتخاذ الإجراءات بحق كل من يظهره التحقيق محرضاً أو متعاوناً أو مغطياً».
وفيما شدد على تمسكه بمشروعية الجيش في الأمن والبطريركية المارونية في السياسة، اعتبر الفرزلي أن «العهد لم يحقق الأهداف المرجوة منه وأنا الذي لطالما وقفت إلى جانب رئيس الجمهورية، وكنت أتأمل الكثير من عهده». وعن ردّ رئاسة الجمهورية عبر مستشار الرئيس عون، الوزير السابق سليم جريصاتي على دعوته لتسلم الجيش، يقول الفرزلي «لم أقرأه ولن أردّ… وسأستمر في إطلاق مواقفي النابعة من قناعة تامة، علّ صرختي تفرمل من يتآمر على المؤسسات»، رافضاً تسمية الجهة التي يقصدها بكلامه.