كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:
«ما فوق عادية» ستكون زيارةُ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري للفاتيكان حيث سيلتقي البابا فرنسيس اليوم، في محطةٍ بالغة الأهمية في غمرة «الأزمة الوجودية» التي يواجهها لبنان الذي تتقاذفه «عواصف» داخلية وإقليمية وانهيارٌ مالي يضع الوطنَ الصغير على حافة… جهنّم.
وتكتسب هذه الزيارة دلالاتها لاعتبارات عدة لخّصتْها مصادر واسعة الاطلاع بالآتي:
* ان اللقاء بين رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم والحريري يأتي ليكرّس «العلاقة الخاصة» التي تربط الفاتيكان بآل الحريري والتي نسجها الرئيس الشهيد رفيق الحريري على مدى سنواتٍ منذ توليه رئاسة الوزراء في لبنان حيث كان يزور الكرسي الرسولي بشكلٍ دوري، «رغبةً بترسيخ الوحدة الوطنية»، وفي محطاتٍ طبعها ودّ كبير، بدءاً من العام 1993 وبعدها 1996 (زار الحريري الأب خلالها الفاتكيان مرتين) و1997 تحضيراً لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان في مايو من العام نفسه، ثم 2001 و2004، وكان في كل مرة يلقى استقبال رؤساء الدول ويُفرش له السجاد الأحمر.
* ان الحريري الابن يمْضي على خطى والده في العلاقة مع الفاتيكان التي زارها مرات عدة آخِرها في 2017 حيث استقبله البابا فرنسيس (مع عائلته)، وهو طلب موعداً قبل فترة للقاءٍ حُدِّد له سريعاً ولا يمكن فصْلُ سعي الرئيس المكلف لحصوله ولا موافقة الكرسي الرسولي عليه عن الأزمة الأكبر التي يعانيها لبنان والتي يشكل مفتاحَ بدء الخروج منها تأليفُ حكومةٍ قابلة للتسويق دولياً ومازالت منذ أكثر منذ 6 أشهر (تاريخ تكليف الحريري) عالقةً في شِباك خلافات مستعصية يتصدّر شقَّها الداخلي صراعُ «ليّ الأذرع» بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري على خلفية التوازنات في التشكيلة المنتظرة التي يرفض الأخير حصول الأول على الثلث المعطّل فيها معتبراً أن فريق عون يسعى أيضاً لإحراجه وإخراجه.
* ان الفاتيكان يقارب الواقع اللبناني الذي سيحضر بمختلف جوانبه في لقاء البابا – الحريري من الزاوية الراسخة، منذ البابا يوحنا بولس الثاني، بأن «بلاد الأرز» هي «وطن الرسالة» والتعايش المسيحي – الإسلامي، كما من الزاوية التي عبّر عنها تباعاً البابا فرنسيس منذ بدء «التدحرج في قلب الهاوية» من أن لبنان «بحاجة الى العالم والعالم بحاجة إليه».
وإذا كان الاهتمام الفاتيكاني الثابِث بلبنان تجلّى في زيارة يوحنا بولس الثاني في 1997 حيث وقّع الإرشاد الرسولي بعنوان «رجاء جديد للبنان» ثم محطة البابا بينيدكتوس في 2012 موقّعاً إرشاده الرسولي حول «الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة» وصولاً لإعلان البابا فرنسيس في مارس الماضي أن زيارته المقبلة ستكون لبيروت، فإن الكرسي الرسولي لطالما أعطى إشاراتٍ إلى أن هذا الاهتمامَ لا يجعله يتعاطى مع أزمات «بلاد الأرز» من منظارٍ طائفي أو وفق حساباتٍ تجعله «عنواناً مسيحياً» في الواقع اللبناني بمقدار ما أن رؤيته تتمحور حول كيفية حماية «دور» هذا الوطن ورسالته من مخاطر الداخل كما المحيط، مع ما لذلك من مقوّمات تطلّ على الأسباب العميقة للانهيار الذي أصابه والتي تبقى سياسيةً بالدرجة الأولى.
ولاحظتْ هذه الأوساط أن الحريري يزور الفاتيكان ليخاطبه «وجهاً لوجه» في ظلّ إعطاء فريق الرئيس عون «معركة التأليف» عنوان حفظ حقوق المسيحيين وفق معادلة «الميثاق والتوازن الوطني والدستور» المرسومة كقاعدةٍ لتوقيع مرسوم التشكيل، وصولاً لتضمين المذكرة التي رفعها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل للبابا في فبراير الماضي (وفق ما كشفتْه تقارير حينها) مناشدةً لوضع يده على الملف اللبناني ورعاية حلّ لأزمته انطلاقاً من كونها «أزمة وجودية مسيحية»، وما تلاها من تقارير تحدثت عن أن باسيل حاول مواكبة زيارة البابا للعراق من دون أن تتوافر الظروف لتحقيق ذلك.
ورأت الأوساط نفسها أن المعاينة الفاتيكانية اللصيقة للواقع في لبنان واكَبها حِراكٌ مكثّف للسفير البابوي في الفترة الماضية، كما الموقف المتقدّم الذي «حَفَرَه» بثباتٍ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الأشهر الأخيرة على قاعدة الدعوة لمؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة حول لبنان تحت سقف إعلان حياده والحاجة إلى حلّ متكامل لمختلف أوجه أزمته بما فيها سلاح «حزب الله» وفق ثلاثية «الحياد والجيش والسيادة»، وصولاً لإصراره المتكرر أخيراً على وجوب تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين بلا ثلث معطّل لأي فريق، وهي المواصفات التي بدا الراعي فيها أقرب الى مقاربة الحريري.
ومنذ بدء اندفاعته، أعربت دوائر عليمة عن اقتناعها بأن ما يقوم به الراعي لا يمكن أن يكون بمعزل عن غطاء فاتيكاني كان لمّح إليه البطريرك نفسه في حديثٍ تلفزيوني حين قال رداً على سؤال حول هل يدعم الفاتيكان المؤتمر الدولي: «الفاتيكان يستمع ويعمل بطريقته، ولو نقرأ ما قاله البابا للسلك الديبلوماسي (لمناسبة السنة الجديدة) ممثّلاً بـ 167 (سفيراً وممثل دولة) من ان المجتمع الدولي مدعو أن يعتني بلبنان، فماذا نفهم منها؟».
ووفق الأوساط المطلعة عيْنها، فإن الفاتيكان كان راكم مجموعة إشارات في الأشهر الأخيرة عكست إحاطة استثنائية بلبنان، بدءاً من رسالة الميلاد التي خص بها البابا اللبنانيين وتلاها البطريرك للمرة الأولى وتوجه فيها «إلى المجتمع الدولي: فلنساعد لبنان على البقاء خارج الصراعات والتوتّرات الإقليميّة. فلنساعده على الخروج من الأزمة الحادّة وعلى التعافي»، ثم خلال استقباله أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لتبادل التهاني بحلول 2021 حين خصّص فقرة للبنان تمنى فيها «تجديد الالتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان، الذي يمرّ بأزمة داخلية والمُعرَّض لفقدان هويّته ولمزيد من التورّط في التوتّرات الإقليمية».
ولم يكن عابراً عشية زيارة الحريري للفاتيكان كلام الراعي في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان حيث اعتبر ان «لبنان بات فاقداً سيادته الداخلية والخارجية، ومتورطاً في أحلاف ونزاعات وحروب إقليمية، وفاقداً وحدته العسكرية وقواه الذاتية الموحدة للدفاع بها عن نفسه ضد أي اعتداء، وفاقداً بالتالي إمكان القيام بدوره ورسالته كمكان لقاء وحوار للثقافات والأديان»، مذكراً بـ «اننا طالبنا بإعلان حياده الإيجابي الناشط وبعقد مؤتمر دولي خاص به بعدما باتت القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن الجلوس معاً لبت المسائل الخلافية الناتجة عن عدم تطبيق اتفاق الطائف (1990) بكامل نصه وروحه، وعن تفسيراتٍ للدستور خاصة وفردية وفئوية، وعن عدم تطبيق كامل للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الخاصة بلبنان».