كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
بعد فرنسا والإمارات وتركيا ومصر وقطر وروسيا، قصد الرئيس المكلف سعد الحريري الفاتيكان من أجل لقاء البابا فرنسيس للتداول معه في الأوضاع في لبنان والعراقيل التي تعترض تشكيل الحكومة. البابا الذي سبق ورفع شعاره “إضعاف المكون المسيحي في لبنان يهدد بالقضاء على التوازن الداخلي”، يتوقع ان يتمحور بحثه مع الرئيس المكلف حول هذه النقطة تحديداً. ولا بد أن الحريري سيشرح وجهة نظره تجاه الخلاف المستحكم بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وكيف انه لا يتقصد تهميش المسيحيين. يمكن القول انها زيارة استنجاد بالكرسي الرسولي أرادها الحريري وسعى اليها، غير ان المطلعين على اجواء الزيارة والتحضيرات التي سبقتها يتوقعون ان طريقه لن تكون معبدة، طالما أن هدفه الاستثمار السياسي في الملف الحكومي.
وليس الحريري من أعد بعناية للزيارة وهندس خطوطها والتفاصيل، وقد سبقته الى الفاتيكان جملة مؤشرات ومعطيات صعبت عليه مهمته لناحية علاقته برئيس الجمهورية. تلك العلاقة التي انقسمت آراء المسيحيين بشأنها وكانت محوراً للنقاشات حتى داخل البطريركية حول مدى صحة السياسة المتبعة، والتي تؤدي الى اضعاف موقع رئاسة الجمهورية.
وفي مؤشر الى عمق النقاش جاء حديث رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” شارل جبور، الذي اعتبر ان “لا حكومة الا بلقاء يجمع الحريري بباسيل وزواج ماروني جديد بينهما”، كلام فيه ما يكفي من الاحراج للحريري على انه في نهاية المطاف شريك في التسوية، وربما لدى جبور شعور ان الحريري سيضطر للجلوس الى طاولة تجمعه وباسيل فاضطر الى احراجه، ولكن في خفايا ما قاله ايضاً اعتراف ضمني قواتي ان الحريري لا يمكنه ان يتخطى المسيحيين في عملية تشكيل الحكومة.
إستباقاً لوصول الحريري تسلمت دوائر الفاتيكان تقريراً من لبنان يشكو المواقف المنحازة للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، ويشرح كيف ان هذا الإنحياز في حال استمر سيكون له تطور سلبي في ما يتعلق بالبطريركية.
تقرير آخر على جانب من الاهمية استبق زيارته ايضاً مصدره هذه المرة السفارة البابوية في بيروت، خلاصته ان استقبال الحريري يتم كشخصية سياسية ورئيس حكومة مكلف، ولكن يجب لفت نظره الى ان ليس من المنطقي التصرف بالطريقة التي يتصرف بها مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي هو الموقع الرئاسي المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط. ويقول مطلعون على موقف الفاتيكان ان الكرسي الرسولي لن يقبل بأن تكون علاقة الحريري مع رئاسة الجمهورية على نحو ما هي عليه اليوم تحت اي عنوان كانت. وأن الفاتيكان يولي اهمية للحفاظ على مكانة وموقع رئاسة الجمهورية بوصفه الموقع المسيحي الوحيد في المنطقة، وقد سبق وأكد البابا فرنسيس “ضرورة الحفاظ على هوية بلاد الارز الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعددي متسامح ومتنوع”، وسيسمع الحريري حكماً كلاماً يتلاقى مع مضمون كهذا تضاف اليه ضرورة ايجاد سبيل للتفاهم مع رئيس الجمهورية، وكما سبق وصادفه خلال زيارته الى روسيا فالمتوقع ان يسمع الحريري فحوى النصيحة ذاتها بالعودة للتفاهم مع بعبدا، وهي حقيقة يعرفها الرئيس المكلف ويدور حولها لكنه لا يريد تشكيل حكومة الا بشروطه كما يبلغ زائريه، بينما هو في حقيقة الامر لا يريد تشكيل الحكومة ويريد ان يضيع اي فرصة انقاذية امام العهد.
الواضح المؤكد ان الكرسي الرسولي قد لا يلتقي بمواقفه تجاه ازمة تشكيل الحكومة مع موقف البطريركية المارونية في لبنان، والمتهمة بكونها صارت طرفاً اقرب الى تبني وجهة نظر الرئيس المكلف منه الى رئيس الجمهورية، وبدا واضحاً التباعد بين بكركي وبعبدا خلال الفترة الاخيرة، لكن البطريركية المارونية شيء والكرسي الرسولي شيء آخر ومختلف لناحية تجنبه الدخول في متاهات السياسة المحلية والتعالي عنها، الى الاصرار على دور المسيحيين في الشرق ولبنان خصوصاً.
يستنتج البعض بنتيجة لقاءاته المتكررة مع الحريري ان الرئيس المكلف اتخذ قراره بعدم الاعتذار عن التكليف، ولكنه بالمقابل لن يرضخ لشروط عون ولا في وارد ان يعود الى سابق علاقته مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ويعتبر ان عون هو الخاسر لوجوده في السلطة وحكومة تصريف الاعمال الملقى على عاتقها عبء البلد الثقيل، ولذا لا مشكلة لديه ان يستمر رئيساً مكلفاً ورهانه على الحراك الخارجي المتصل بالمفاوضات الأميركية الإيرانية او التواصل الايراني السعودي، وهو من خلال زيارته الى الفاتيكان انما يريد ان يلاقي البطريرك الراعي في مواقفه، والتأكيد على علاقته وقربه الى بكركي كرمز مسيحي اساسي ويحاول الاستفادة من تلك العلاقة، ويعتبر ان له الافضلية في كباشه مع عون لأن الاخير مضغوط وباسيل محاصر بعقوبات قد تتكرر اوروبياً هذه المرة.