كتب عيسى يحيى في نداء الوطن:
تمرّ شاحنات البنزين والمازوت من أمام أعين البقاعيين عابرةً الحدود بإتجاه الأراضي السورية، فيما يقفون هم في طوابير الذلّ على محطات الوقود من رياق حتى الهرمل، ينتظرون تصدّق أصحابها لملء خزّانات سياراتهم مع ألف “منّية وجميلة”.
تشكل الجغرافيا في البقاع الشمالي الملاصقة للأراضي السورية من جهة الشرق، وصولاً حتى حوش السيد علي في الهرمل، عاملاً مساهماً في زيادة الأزمات على أهالي محافظة بعلبك – الهرمل، حيث تستثمر تلك الحدود في عمليات التهريب على إختلافها، وتنقل البضائع من مواد غذائية ومحروقات على “عينك يا بقاعي” ومن أمامهم، يسعى فيها أصحاب المصالح إلى تحقيق أرباح إضافية عبر بيع البنزين والمازوت والطحين والسكر إلى الداخل السوري بأسعار مضاعفة، ويحرمون أهل منطقتهم من الإستفادة منها وتسيير أمورهم الحياتية التي أصبحت مرهونة بالإنتظار على الأبواب وأمام المحطات.
تشهد مختلف المناطق اللبنانية أزمة محروقات عند تأخّر البواخر في تفريغ حمولاتها بسبب عدم تأمين التحويلات أو الفحوصات المخبرية، وتفتح المحطات أبوابها مجدّداً أمام زبائنها بعد توفر المادة، غير أنّ مناطق وبلدات البقاع الشمالي، من بعلبك حتى الهرمل، تعاني من أزمة فقدان البنزين والمازوت بشكل دائم ومنذ أشهر، والسبب ليس في عدم توفر الكميات الكافية من المادتين أو تأخّر الشركات في تسليم المحطات حصصها المخصّصة، بل في التهريب وطمع أصحاب المحطات في تحقيق الأرباح الوفيرة طالما أنّ الأسعار التي تباع بها المشتقّات النفطية في سوريا هي ضعفا القيمة المحدّدة للصفيحة من الدولة اللبنانية، وبالرغم من زيادة الأسعار على محطات البقاع من دون حسيبٍ أو رقيب بمعدّل عشرة آلاف للصفيحة الواحدة من البنزين أو المازوت تبقى الوجهة السورية هي الأربح.
يعمل الجيش اللبناني بكل ما أوتي من قوة على ضبط الحدود ومكافحة التهريب بمختلف أنواعه، وأوقف خلال الأيام الماضية شاحنات محملة بالمواد المدعومة والمحروقات، وأقفل عدداً من المعابر غير الشرعية التي يستخدمها المهرّبون في نقل البضائع إلى الداخل السوري لتلاقيهم عصابات تهريب سورية إجتمعت في ما بينها وإستغلت الأزمة اللبنانية والسورية والوضع الأمني المهتزّ لتحقيق مكاسب مادية، إضافة إلى تذاكي اصحاب المحطات على الدولة أيضاً، ليبقى الوضع كما هو عليه، ويعيش البقاعيون معه في أزمة تضاف إلى باقي الأزمات التي يرزحون تحتها.
عند مفرق بلدة حربتا حيث يقيم عناصر اللواء التاسع في الجيش اللبناني حاجزاً كبيراً، يوقف الجيش الصهاريج والشاحنات المحمّلة بالمحروقات، يدقّق في أوراقها ووجهة المحطة التي ستفرغ فيها حمولتها. يستمر التوقيف لساعات لتعود الصهاريج وتكمل طريقها، ولكن ليس إلى المحطات في اللبوة والعين والهرمل، بل إلى المعبر الذي ستنفذ منه لتفرغ حمولتها في شاحنات سورية تنتظر على المقلب الآخر في الداخل السوري، وتعود أدراجها وتعيد الكرّة حتى تستنفد كافة مقومات البلد المتبقية وحقوق المواطنين المستباحة.
في الهرمل حيث توجد محطات وقود عدّة، رفعت جميعها خراطيمها بحجّة عدم وجود بنزين ومازوت، وبقيت واحدة تلبّي حاجات المواطنين حيث تصطفّ المئات من السيارات تنتظر دورها لتملأ خزاناتها وِفق الكمّية التي حدّدتها المحطة.
ومن الهرمل المدينة التي يهرّب البنزين أمام أعين سكانها قصد علي شاهين مدينة بعلبك لتعبئة 20 ليتراً من البنزين، وقال لـ”نداء الوطن” التي التقته على أحدى المحطات عند دوار الجبلي في بلدة دورس “إنّ أزمة الوقود التي تعانيها الهرمل لا مثيل لها، فالمحطات متوقّفة عن العمل والشاحنات المحملة تمرّ أمامنا نحو سوريا، وما يمرّ من شاحنات يومياً يكفي حاجات الهرمل لأسبوعين”، عازياً السبب إلى “الطمع الذي يصيب أصحاب المحطات في بيع حصصها إلى التجّار السوريين ويقبضون بالدولار، وإلى غياب الرقابة والإجراءات الصارمة التي تحمي حقوق الناس وتوقف التهريب”.
محطات الهرمل المتوقّفة عن العمل تلاقيها محطات بعلبك ولكن بنسبة أخفّ. فعلى صعيد سعر صفيحتي البنزين والمازوت يتحكّم أصحاب المحطات فيها، وما على المواطنين إلا الإمتثال وتعبئة المادة لقضاء حاجاتهم، فيما حدّدت سقف التعبئة والكمّية، وكذلك حدّدت موعداً للعمل اليومي، فهي تفتح لثلاث ساعات وتقفل بحجّة نفاد المخزون فيما خزّاناتها ممتلئة، ولكن الرهان يبقى دائماً على البيع بأسعار أعلى وتهريب المشتقات النفطية إلى سوريا، وإذا ما إنقطعت سيارة أحد من البنزين على الطريق أو كان من خارج المنطقة ينتظر حتى تفتح إحداها في اليوم التالي لتعود سيارته إلى الخدمة.