يبدو ان ابواب تشكيل الحكومة ستبقى موصدة بإحكام الى أجل غير مسمى. فيوما بعد يوم، يرتفع الجدار اكثر بين المعنيين الاساسيين بعملية التأليف: بعبدا وبيت الوسط، وقد تراشقا في اليومين الماضيين عبر المنابر، من بلد الى آخر، بين لبنان وايطاليا، علما ان “الفاتيكان” أفهمهما ان لا انفراج الا بحكومة، رافعا غطاءه عن كل مطالبة بحقوق فئوية طائفية… كل ذلك، فيما حزب الله، القادر على حسم الكباش هذا، يتفرّج، او يُصدر “المواعظ” كي لا نقول “يُنظّر” على حد تعبير مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”.
فأمس، جاء في بيان كتلة الوفاء للمقاومة اثر اجتماعها الاسبوعي: ان “تشاور دولة الرئيس المكلف واتفاقه مع فخامة رئيس الجمهورية لإصدار مراسيم الحكومة ليسا ترفا ولا استنسابا بل هما الممر الطبيعي والدستوري لولادة الحكومة حين تتوفر الجدية المطلوبة. واللبنانيون لم تعد تنطلي عليهم تبريرات أي فريق يعمل على إضاعة الوقت أو يستخف بأوجاع اللبنانيين أو يتسبب بتردي أوضاع الدولة نتيجة التفرد أو تغليب المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطنين”.
مرة جديدة اذا، تتابع المصادر، أطلق حزب الله موقفا “ضبابيا” ورماديا. لم يسمّ المعرقلين او المعطلين، بل تحدث بالعموميات، مكتفيا بتكرار الشعارات عينها عن ضرورة التشاور بين المؤلّفين، وعن اهمية الاقلاع عن الشروط والشروط المضادة وعن اولوية التقيد بالدستور والقوانين.
هي عناوين عريضة يعتمدها الحزب، ليَظهر امام الرأي العام بصورة اكبر الحريصين على ولادة الحكومة في هذا الظرف الاستثنائي، وليبرّئ ساحته من تهمة المشاركة في أسرها. لكن، بحسب المصادر، بات الكل في الداخل والخارج، يعرف ان الضاحية لم تتدخل جديا، لتساعد على إبصار الحكومة النور، لا لدى بعبدا ولا لدى ميرنا الشالوحي. حتى ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في مواقفه السياسية الاخيرة، كان وضع بيديه، عقباتٍ كبيرة في طريق الرئيس المكلف سعد الحريري، عبر مطالبته بالذهاب نحو حكومة تكنو – سياسية، وهو يعلم جيدا ان الحريري متمسّك بالمبادرة الفرنسية، وجوهرها: حكومة اختصاصيين غير حزبيين.
في الاسابيع الماضية، بدا الحزب اقتنع بأن هذه “الفكرة مش ماشية”، فتخلّى عنها “نوعا ما”، وأعلن في المقابل، دعمَه مبادرة الرئيس نبيه بري (وتقوم على حكومة من 24 ، لا ثلث معطلا فيها لاي طرف). لكن هنا ايضا، لم يسوّقها جديا وبالقوة اللازمة، لدى حليفيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. هذا الإحجام، لمسه بوضوح معارِضو الأداء الرئاسي. وقد قال الرئيس الحريري امس من الفاتيكان: اعتقد أن هناك مشاكل خارجية تتعلّق بجبران وحلفائه تؤخر تشكيل الحكومة، في وقت اعلن سيد بكركي ايضا انه طلب من واشنطن إخراج لبنان من المفاوضات الاميركية – الايرانية.
والحال، تضيف المصادر، ان القناعة تزداد ساعة بعد ساعة، بكون حزب الله غير متحمّس لحكومة الآن (الا اذا كانت بشروطه)، ويفضّل انتظار تبلور معالم الصورة الاقليمية في ضوء نتائج المحادثات بين واشنطن وطهران، التي تدور راهنا في فيينا في شكل غير مباشر…
فورقة لبنان حاضرة على “الطاولة”، وقد تحتاجها طهران للمقايضة وللتفاوض عليها مع واشنطن. من هنا، لا بأس في ترك التأليف ومعه اللبنانيون كلّهم، معلّقين على الصليب، كرمى لمصالح الجمهورية الاسلامية..
وفي عود على بدء، تشير المصادر الى ان الوضعية التي يقف فيها الحزب اليوم مثالية بالنسبة اليه: فهو ليس في بوز المدفع ولا تقع عليه مباشرة مسؤولية التعطيل، بل نرى في واجهة مشهد العرقلة الفريق الرئاسي من جهة وبيت الوسط من جهة ثانية، فيما هو في البيانات والمواقف “ينصح” ويستعجل التشكيل، لكن الكل يعرف انه حين سيعتبر ان ساعة الولادة دقّت، فالتأليف سيحصل بين ليلة وضحاها، تختم المصادر.