كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
يشهد الوسط المسيحي نقاشاً حول الموقف من رئيس الجمهورية ميشال عون. شكّل خروج نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي من دائرة المحيطين به سبباً لذلك. راهن الفرزلي على ان تفاقم الأزمة سيولّد الانفجار الذي سيفرض تدخلاً دولياً للجمه، ما يفترض ان يضمن موقعه على طاولة الحل متوقعاً ان تلك المرحلة الانتقالية تفرض تدخل الجيش فكان السباق للاستنجاد به، رأي آخر يقول إن رهان الفرزلي على عون انتخابياً خاب ووجد مصلحته بقاعاً في التواجد بين الرئيسين سعد الحريري ونبيه بري. الأهم ان الفرزلي شعر نفسه مهمشاً ارثوذكسياً الى جانب عون وفي كتلة التيار الوطني الحر، للرجل أسبابه التي لم يعتبرها اصدقاء مشتركون بينه وبين الرئيس اعذاراً لكنهم بالمقابل لم يترددوا في تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية ترك المحيطين به يغادرون ولو كان صاحب حق “الكل يتمنى ان يكون الى جانبه فليحافظ عليهم وليتسع صدره للجميع”. ثمة من يتحدث عن صراع بين الجوهر والشكل، يعطي الحق لرئيس الجمهورية في المضمون لكنه يتعارض معه بالشكل.
يتجنب الكثير من المسيحيين كشف اوراقهم وبينهم من لا يريد الظهور بمظهر المدافع عن رئيس الجمهورية ميشال عون لأنهم اما ليسوا من سياسته أو هم متضررون لأسباب سياسية محلية أو مصلحية من التيار الوطني الحر، ولكن هؤلاء يتجنبون التصويب على عون لانه في اعتقادهم هو الموقع المسيحي الاول وإضعافه يتجاوز المصلحة الآنية لهذا الفريق او ذاك الى ما هو أهم وأشمل اي إضعاف الدور المسيحي الاول في الدولة. اذا كان عون قد أخطأ، واذا كان تياره في معارك دائمة مع غيره من الاحزاب والتيارات، فإن ذلك لا يعني بأي شكل من الاشكال أن الآخرين على حق في معركتهم مع الرئيس.
واذا كان طامحاً لان يكون هو اللاعب الأوحد فإن الآخرين لا يقلّون دفاعاً عنه في تحقيق هذا الامر على امتداد ساحاتهم، علماً ان الرئيس لا يمتلك الساحة المسيحية التي يتقاسمه عليها أفرقاء عدة في حين ان الساحات الاخرى تدين لأحاديات وثنائيات. من هنا يرى بعض الشخصيات السياسية المسيحية أن دفاعهم عن الرئيس ينطلق بدرجة أولى من قناعاتهم بالدفاع عن مقام الرئاسة كما يردد النائب السابق اميل رحمة من دون ان تكون لذلك ارتباطات والتزامات سياسية محددة ومعينة. ومن يقرأ مواقف السياسيين في الفترة الاخيرة لمختلف الافرقاء على الساحة السياسية يرَ ان القوات اللبنانية مثلاً التي ترغب في رحيل عون اليوم قبل الغد لا تجاهر بتمنياتها هذه مباشرة وانما تعمل ضمن ادبياتها لنوع من اللف والدوران حول الموضوع لتبلغ الرسالة، كالقول ان الحل يبدأ بإنتخابات نيابية مبكرة لتكوين سلطة جديدة تأخذ على عاتقها انتخاب رئيس جديد للجمهورية وهي لم تقارب موضوع الصلاحيات او التسليم بأن على رئيس الموارنة ان يخضع لإملاءات رئيس الحكومة المكلف.
لا شك ان هناك حالة احباط لدى المسيحيين كما اللبنانيين لأنهم راهنوا على الانتقال الى حال أفضل فإذا بالنتيجة تأتي معاكسة تماماً، وان امتعاض هؤلاء واضح لكن تعليل الأسباب متباين بين من يقول ان قوى الفساد ومنظومتها أقوى وأكثر تجذراً من اي محاولة يقوم بها عون لكسر شوكتها، وبين من يقول انه ما كان عليه ان يبيع الناس احلاماً يعرف جيداً صعوبة تحقيقها في ظل وجود سياسيين تقليديين تربط بينهم شبكة من المصالح المعقدة التي يصعب فكاكها. وبطبيعة الحال فإن هذه المشهدية في الوسط المسيحي كما اللبناني خلقت تداعيات داخل التيار الوطني الحر والمجموعات المختلفة معه على خلفية التصدي للاستحقاقات المستقبلية سواء كان استحقاق رئاسة الجمهورية او الانتخابات النيابية وتشكيل السلطة مستقبلاً. هناك العديد من الكادرات والشخصيات الطامحة ترغب في ان تحجز لها مقاعد وتثبت حضورها، وانطلاقاً من هذا المعطى ترصد وتراقب لتقرر نوعية أدائها واتجاهه وبالتالي فإن هذا الوسط يعيش إرهاصات كبيرة وحالة قلق وغليان شديدين في انتظار ما سيكون عليه الوضع.
لا يمكن القول ان الكرة في ملعب اي طرف لانها تنتقل خارج مدارها بين العواصم الاقليمية والدولية وان نتائجها ستعزز مستفيدين ومتضررين والأهم ان يعرف المستفيدون كيف يتصرفون، والمتضررون كيف يحدّون من حجم الضرر ولا شيء محسوم.