كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
يتحدث بعض المعنيين في الشأن الحكومي من دون كلل عن خروقات في ملف عملية التشكيل من دون ان ترى المساعي القائمة النور، حتى ان هناك من ضرب موعدا نهاية الشهر الحالي لولادة الحكومة أو أقله تحقيق خرق ملحوظ على هذا الصعيد.
لكن رغم كل ما يسري من أخبار وتسريبات حول تقدم من هنا أو هناك، فإن من الواضح ان لا حكومة في المدى العاجل والقريب.
ثمة قراءتان لسبب العرقلة بينما تمر البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة تجعل من الملح الخروج من المستنقع المرير الحالي. الاولى تعيد السبب الى العراك الداخلي وخاصة بين العهد بشقيه رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر من ناحية، والرئيس المكلف سعد الحريري وبعض اللاعبين المقربين منه من ناحية ثانية. ويذهب البعض الى اعتبار ان الفجوة الشخصية هي المعيق الاول لأي تقدم، طبعا الى جانب الطموحات الذاتية لكل من الحريري المرفوض من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس «التيار الحر» جبران باسيل المرفوض بدوره من الحريري. أي باختصار أن عون لا يريد الحريري، والحريري نفسه لا يريد باسيل!
لكن بمقدار الانقسامات الداخلية، فإن التدخل الاقليمي والدولي يكبر، وهو الحاضر الاساس في عملية التشكيل على غرار العمليات الماضية، وهنا تحضر القراءة الثانية لأسباب التعطيل وهي قراءة واقعية لا تنفي تماما التعثر الداخلي.
من ترامب الى بايدن
قبل أشهر كان الجميع يترقب هوية الرئيس الاميركي الذي ستتمخض عنه الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني الماضي. وكان ذلك سينعكس بالضرورة على الملفات العالمية وفي الشرق الاوسط والخليج ولبنان طبعا. ومع سقوط الرئيس دونالد ترامي واعتلاء الديمقراطيين الحكم عبر جو بايدن، يبدو واضحا ان مرحلة جديدة قد كتبت للمنطقة من دون نكران ان ذلك سيتطلب وقتا قبل تبلوره.
لبنان الذي يتجه نحو الهاوية ينتظر بفارغ الصبر ما ستتمخض عنه مرحلة فك الاشتباك الحالية في المنطقة، وخاصة في الخليج. هنا تحضر مفاوضات فيينا بين الطرفين الاميركي والايراني التي حققت بعض النجاح لكنها تتعثر بمفهوم كل من الطرفين لمآل المفاوضات.
يحاول بايدن، الذي كان يتولي نيابة الرئاسة خلال مرحلة التفاوض للاتفاق النووي في العام 2015، خلال عهد الرئيس الديمقراطي باراك اوباما، اتباع الاسلوب الماضي نفسه عبر محاولة التوصل الى اتفاق شامل مع الايرانيين يلحظ المسألة النووية والقدرة الصاروخية والدور الايراني في المنطقة كما في العراق وسوريا ولبنان نزولا الى اليمن، مرورا بالقدرة الايرانية على هز استقرار المنطقة في دول الخليج.
لناحية طهران، هي تتبع الاسلوب نفسه ايضا كما في السابق والذي حقق نتائجه المرجوة إيرانيا. تجزئة الملفات والتفاوض حصرا على العودة الى قدرتها النووية قبل خروج ترامب من الاتفاق النووي. أي بمعنى آخر، تجزئة المجزأ ورفض التفاوض على سلاحها الصاروخي والدقيق ناهيك عن دورها في المنطقة، وقبل كل شيء رفع العقوبات كاملة.
سباق بين الحل والانفجار
بين سطور المفاوضات النووية، يحضر الدور الاسرائيلي الذي يحاول عرقلة تفاهمات عديدة تصاغ في المنطقة تُعنى بها الولايات المتحدة وإيران ودول الخليج بوساطة عراقية واحيانا عبر سلطنة عمان. واذا ما رجحنا عدم تصعيد الامور بين ايران واسرائيل الى حد النزاع العسكري المباشر، سيكون السباق نحو التفاهمات وخاصة الاميركية الايرانية كفيلا بالتوصل الى تسويات متفرقة في المنطقة تلحظ بدورها لبنان.
على ان مؤيدي هذا الرأي يرفضون تحديد تواريخ محددة للحل اللبناني. ويبدو ان الامور تطبخ على نار هادئة من دون استعجال وسط اكثر من استحقاق في المنطقة، والاهم على هذا الصعيد هو استحقاق الانتخابات الايرانية في حزيران المقبل.
واذا سلمنا بهذا الارتباط مع التطورات في الخارج، فإن وجهة النظر هذه تشير الى ان التسوية مؤجلة الى ما بعد الانتخابات الايرانية، وهي لم تنضج حتى اللحظة وسط عدم تسرع اللاعبين المحليين مثل «حزب الله» والحريري لتقديم مبادرات جدية قبل انكشاف الغطاء عن المحادثات المتعددة، التي ستقدم من دون شك حلا على الصعيد الداخلي يأمل الجميع ان لا يتأخر الى ما بعد حلول الكارثة على اللبنانيين.
وعندها لن تكون ثمة أهمية كبيرة لثلث معطل أو لوزارة من هنا أو لطبيعة المشاركين في الحكومة، سياسيين كانوا ام اختصاصيين ومنهم من سيمثل «حزب الله» فيها. لكن السؤال يبقى في هذه الأثناء: من الذي سيسبق الآخر، الحل أم الإنفجار؟