كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
«مدعوم ما في، والبلدي بـ 75 الف ليرة»، هذا باختصار وضع اللحمة في الايام الاخيرة. ظاهرياً الدعم قائم والتجار يقدّمون اوراقهم، والملفات تحوّل الى مصرف لبنان، الّا انّها تقبع هناك. فهل توقف المدعوم نهائياً؟
يعد غياب «المدعوم» من السوق ولو مؤقتاً، «بروفا» لمرحلة ما بعد رفع الدعم، فهذا التأخّر في توفره او انعدامه يوجع شريحة كبيرة من اللبنانيين. فكيف الحال عندما يُرفع الدعم عن كل شيء؟ الحالة هذه تنطبق على اللحوم المدعومة التي مضت فترة على عدم توفرها. ويقول احد العاملين في سوبرماركت على قسم اللحوم: «نستلم المدعوم مرة كل 10 ايام او كل اسبوعين. والكل يسأل عن المدعوم، والغالبية تمتنع عن شراء البلدي، لأنّ أسعارها وصلت الى 75 الفاً، وقد تزيد أكثر في بعض المناطق». فهل طويت صفحة اللحمة المدعومة نهائياً؟».
تؤكّد مصادر في وزارة الاقتصاد، انّ الدعم لا يزال سارياً على اللحوم. وعزت التأخير في توفرها في السوق الى سببين:
اولاً: بعد ان يأخذ التجار موافقة وزارة الزراعة يحملون ملفهم الى وزارة الاقتصاد التي تحوّله الى مصرف لبنان ما ان تكتمل أوراقه. لكن استناداً الى ما يقوله التجار، هناك تأخير كبير من قِبل المصرف المركزي لتسديد ثمن المدعوم، ما دفع البعض منهم الى التمنّع عن الاستيراد مجدداً، الى حين قبض ثمن المدعوم، او في حال استوردوا تبقى الماشية في حوزتهم ولا يبيعونها الّا متى قبضوا ثمن المدعوم.
ثانياً: انتشار الفوضى والسوق السوداء في بيع اللحوم. على سبيل المثال، يُقدِم بعض اللحامين على شراء كميات كبيرة من الابقار من التجار، يتصرفون باثنتين منها ويهرّبون البقية الى سوريا. ومقابل ذلك، أعدّت وزارة الاقتصاد آلية عمل للحدّ من التهريب والسوق السوداء، بحيث فرضت ذبح اللحوم في المسلخ، على ان يشتريها اللحّامون من هناك. اما في المناطق الجبلية، حيث لا مسالخ، فيحق للحّام ذبح بقرتين كحدٍ اقصى في الأسبوع، وبهذه الحالة يضطر الى بيعها ويتوقف عن التهريب.
وتوقعت المصادر ان تتنفّس السوق في غضون أسبوع كحدٍ اقصى، كاشفة عن وصول باخرة امس وأخرى اليوم وباخرتين اضافيتين الاثنين.
اما عن الفيديو الذي انتشر امس على مواقع التواصل الاجتماعي عن وصول باخرة محمّلة بالابقار المدعومة، وامتناع احد مستوردي الماشية في المرفأ من تسليم التجار والموزعين اللحوم، أوضحت المصادر، انّ المستورد يعمل على نقل الماشية الى مزرعته أولاً وبيعها هناك للتجار بإيصالات او فواتير، والتي بموجبها يمكن لوزارة الاقتصاد تتبع حسن بيع اللحمة المدعومة، وذلك تفادياً لتهريبها او بيعها بأسعار غير مدعومة.
بكداش
أما من وجهة نظر تجار المواشي، فالتأخّر في دفع فارق المدعوم من قِبل مصرف لبنان هو لبّ المشكلة. وفي السياق، يقول رئيس نقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي واللحوم معروف بكداش، انّ الدعم بات يقتصر على الكلام بينما لا يُطبّق فعلياً. فبعد ان تعطي وزارتا الاقتصاد والزراعة الموافقة على الدعم، يحوّل التاجر أمواله الى الخارج لاستيراد المواشي، على أساس انّ مصرف لبنان سيقوم بتغطية الكلفة بحسب السعر المدعوم، الّا انّ مصرف لبنان يحجم او يتأخّر في تغطية الكلفة المدعومة، فيضطر التاجر الى البيع بخسارة كبيرة. لذلك توقف عدد كبير من التجّار عن الشحن. ولفت بكداش الى انّ لبنان كان يستورد في السابق 20 باخرة مواشي شهرياً، أي حوالى 20 الف بقرة، (يستورد لبنان حوالى ربع مليون بقرة سنوياً)، فيما تراجع الاستيراد اليوم الى حوالى 5 بواخر في الشهر، أي اقل من 8000 بقرة شهرياً. كاشفاً انّ باخرتي مواشي وصلتا هذا الأسبوع.
وعزا بكداش هذا التراجع في حجم الاستيراد الى عدم قدرة التجار على دفع تكاليف الاستيراد كاملة، خصوصاً في ظل تأخّر مصرف لبنان عن تسديد الدعم. وبما انّ إبقاء الابقار في المزارع لوقت طويل بات مكلفاً جدًا بسبب ارتفاع كلفة الاعلاف المسعّرة بالدولار، ما يضطر المستورد او التاجر الى بيعها وفق ثمن كلفتها. لذا نشهد ارتفاعاً في أسعار اللحوم أخيراً، والتي وصلت الى 75 الفاً لكيلو اللحمة. بينما نلاحظ انّ اللحوم المدعومة نادراً ما تتوفر في الأسواق، مثلما ما هو حاصل حالياً. أضف الى ذلك، انّ وزارة الاقتصاد حدّدت سعر مبيع كيلو اللحمة، لكن في ظل عدم تأمين المركزي لقيمة الدعم يستحيل الالتزام بالسعر المحدّد من وزارة الاقتصاد. لكنه اكّد انّ متى استلم التجار ثمن المدعوم من المركزي يعمدون فوراً الى خفض اسعارهم.
وكشف بكداش، انّه خلال أحد اجتماعات النقابة مع وزارة الاقتصاد، طلب التجار ان تُقدّم لهم ضمانات بأنّ المصرف المركزي سيسدّد قيمة الدعم للتجار بعد استلام المواشي ولو بعد حين، الّا انّ جواب الوزارة كان بالتمنّع عن تقديم الضمانات، لأنّ حتى المصرف المركزي يمتنع عن تقديم هذه الضمانة، وبالتالي لا عتب على التاجر الذي يغامر بالبيع على السعر المدعوم، من دون أي ضمانات باسترداده لاحقاً كلفة الدعم، على انّ هذه المغامرة قد تؤدّي الى الإفلاس.