جاء في “الشرق الأوسط”:
كشف تبادل الاتهامات بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وتيار «المستقبل»، عمق الأزمة الحكومية ومراوحتها بلا أفق، إذ رأى باسيل أنّه إذا «كان الرئيس المكلّف سعد الحريري لا يريد أن يعتذر ورئيس الجمهورية لن يستقيل طبعاً، وإذا مجلس النواب لا يريد سحب التكليف، تبقى هناك حالة واحدة للتفكير فيها وهي استقالة مجلس النواب»، في إشارة إلى إنهاء تكليف الحريري لتشكيل الحكومة، ورد عليه تيار «المستقبل»، معتبراً أنّ رهان باسيل على سحب الحريري من معادلة تأليف الحكومة «هو رهان إبليس على دخول الجنة».
واعتبر باسيل في مؤتمر صحافي أنّ الطرف الآخر يختبئ خلف النصف زائد واحد خاصته باتهام فريق رئيس الجمهورية بالثلث زائد واحد، مشيراً إلى أنّ الرئيس ومن خلال 6 بيانات أعلن أنه لا يريد الثلث.
وأضاف باسيل: «قلنا إننا لا نريد الثلث مع أن مفهوم الثلث منصوص عنه بالدستور ووضع ليكون ضمانة أي أقلية بمجلس الوزراء، وثلاثة من أركان الطائف قالوا عنه إنه ضمانة للمسيحيين وتعويض لهم عن خسارة صلاحيات الرئيس، هذا حق ولا نتنازل عنه، ولكن بحكومة اختصاصيين ليس له معنى ولا وجود».
ووصف باسيل الفريق الآخر بـ«الكذابين»، معتبراً أنهم «يقولون إنهم لا يقبلون إلا بحكومة اختصاصيين ومن دون سياسيين، في حين أنّ رئيس الحكومة بلا اختصاص ويريد أن يترأس حكومة اختصاصيين وهو رئيس تيار سياسي ويريد أن يترأس حكومة ليس فيها أي سياسي».
ودعا باسيل الحريري إلى أن يتقدم لرئيس الجمهورية بتشكيلة وزارية كاملة حسب المنهجية المعروفة، يعني «كل وزارة لأي مذهب تعود ولأي مرجعية تسمية، شرط أن تكون التسمية من الاختصاصيين غير الحزبيين، يتم اقتراحهم، وتتم الموافقة عليهم أو رفضهم من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة»، معتبراً أنّ الحريري يرسل التشكيلة الحكومية عن قصد «مخربطة» من دون المعايير المعروفة لتوزيع الحقائب وتنتقص إلى عمود كامل وهو مرجعية التسمية لتبقى غير مفهومة، وإذا اقترح رئيس الجمهورية هذا النموذج على رئيس الحكومة المكلف ليساعده، يقولون إن رئيس الحكومة يملأ فراغات.
وتساءل باسيل: «ما الحل إذا لم يقتنع الحريري، وإذا فشل العالم كله بإقناعه، وإذا هو لم يرد أن يعتذر ورئيس الجمهورية طبعاً لا يستقيل، وإذا مجلس النواب لا يريد سحب التكليف منه على أساس أن هذا الأمر يسبب مشكلة دستورية ونظامية بالبلد؟»، مضيفاً: «ماذا يبقى لدينا للقيام به، نتفرج على البلد ينهار وهو يسافر كعادته حاملاً بطاقة التكليف للتعريف عن نفسه بدل استعمالها لتأليف الحكومة؟»، في إشارة إلى الحريري. وقال باسيل: «هناك حالة وحيدة باقية للتفكير فيها من أجل سحب التكليف منه، وهي استقالة مجلس النواب، فيصبح تكليفه بلا وجود، وهذا يعني انتخابات مبكرة، ولكن هل الانتخابات المبكرة تغير بالمعادلة؟ طبعاً لا».
ورأى باسيل أنّ الأولوية حالياً ليست للانتخابات المبكرة، بل لإجراء إصلاحات ولوقف الانهيار، لا سيّما أنّ الانتخابات ستتسبب بتوترات كبيرة على الأرض في هذا الوضع مع الخوف من فلتان أمني في ظل ازدياد حالات الانهيار الاجتماعي.
ولم يوفر باسيل حزب «القوات اللبنانية» ورئيسه سمير جعجع من حملته متعددة الاتجاهات، وقال من دون أن يسميهم: «تخيلوا أن هؤلاء الناس يتحدثون عنا بالفساد، وهم لا يوجد لديهم دليل واحد إلا العقوبات الأميركية التي هي عقوبات سياسية معروف سببها… تخيلوا أن يحكي بالعدل والقضاء من اغتال أطفالاً ورهباناً وفجر مطرانية، وما تاب ومستمر لليوم بعمليات أبشع بالاغتيال السياسي، لأن قتل الروح أصعب بكثير من قتل الجسد. تخيلوا أن يحكي بإدارة المناقصات، من لم يذهب بحياته على إدارة المناقصات. تخيلوا العذاب والظلم أن يحكي عنا إننا نازيون من كان منطقه وفكره وتصرفه الميليشياوي يدل على النازية».
وسرعان ما جاء الرد من «تيار المستقبل» الذي رأى أنّ باسيل نجح في الحصول على شهادة عالية بدرجة امتياز في تخريب عهد عمه الرئيس ميشال عون ونزع صفة «العهد القوي» عنه وتقليده وشاح أكبر اهتراء وطني.
ورأى «المستقبل» في بيان له أنّه كلما أطلّ باسيل ليتحدث إلى اللبنانيين يضع مسماراً جديداً في نعش العهد وسيده، ويقدم الدليل تلو الدليل على وجود حالة مستعصية في الحياة السياسية، تتحمل مسؤولية تعطيل البلاد وعمل المؤسسات الدستورية، مستقوية بموقع رئاسة الجمهورية وجهات محلية وخارجية تمنحه القدرة على الاستقواء إلى أن تحين ساعة المتغيرات التي لن تأتي.
واعتبر البيان أنّ همّ باسيل الوحيد هو المحافظة على مكانته في المعادلة السياسية، حتى لو اضطرته الظروف إلى التضحية بالعهد ورئيسه وسمعته، بل إلى التضحية بالاستقرار السياسي والأمني والمعيشي وسقوط البلاد في هاوية لا رجوع منها.
واعتبر «المستقبل» أنّ باسيل بإطلالته أمس، كان يحاول أن يقدم مشهداً كاريكاتورياً عن إطلالات الجنرال في نهاية الثمانينات، ففي مكان ما تحدث جبران كما تحدث سيد بعبدا، عن الكذب في الطرف الآخر وأطلق العنان لانهيارات عصبية تلقي تبعات الانهيار على الدولة بمعظم أجهزتها والقضاء بمعظم أركانه والإعلام بمعظم شاشاته، فيما يعلم هو حق العلم أن المصنع الكبير للانهيار الاقتصادي والمعيشي والسياسي والفساد الذي يتهرب منه، ولن يستطيع، هو باسيل والتيار الذي استولى عليه وطرد منه رعيلاً كاملاً من الشباب والمؤسسين.
وجاء في البيان: «الكذب من شيم الكذابين والمتلونين والمطاردين بعقوبات من الداخل والخارج يا جبران، أما رهانك على سحب الرئيس المكلف من معادلة تأليف الحكومة، وقولك إن الأمر يتطلب استقالة المجلس النيابي والذهاب إلى انتخابات مبكرة، فهو رهان إبليس على دخول الجنة يا جبران، وربما كانت الطريق القصيرة إلى ذلك استقالة رئيس الجمهورية بحيث تستوي القواعد الدستورية حيث يجب أن تستقيم».
واعتبر البيان أن الرئيس سعد الحريري سيكون رئيساً لمجلس الوزراء بكامل أعضائه وحقائبه وسياساته، ولن يرضى تحت أي ظرف من الظروف أن يكون رئيساً لنصف مجلس وزراء، مضيفاً أنه إذا كان هناك من يرتضي لنفسه أن يكون رئيساً لتيار سياسي على حساب رئاسته للجمهورية، فإن الحريري لن يخوض غمار بعثرة الدولة ومؤسساتها وتحويلها إلى كانتونات حزبية.