لن أدخل في وقائع تهريب المخدرات من لبنان إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، لأن هذه الوقائع مثبتة باعتراف المسؤولين اللبنانيين، وبعدد الشحنات التي تم ضبطها سابقاً في بيروت وكانت مُعدّة للتصدير إلى هذه الدول، فما بالكم بكل الشحنات التي لم تتمكن السلطات المعنية في بيروت من كشفها، والتي إما تم كشفها في موانئ الدول العربية (في السعودية وحدها وخلال السنوات الستة الأخيرة تم ضبط أكثر من 600 مليون حبة كابتاغون ومئات الكيلوغرامات من الحشيش) غير الكميات التي لم يتم ضبطها بكل أسف وقد تكون دخلت الأسواق.
ولن أدخل في وقائع فلتان زراعة وصناعة وتجارة المخدرات في لبنان، والتي باتت معروفة للقاصي والداني، ولا في أسماء كبار التجار المعروفين والمشهورين الذين يتم استقبالهم كـ”ضيوف” في مقابلات على الشاشات التلفزيونية، والذين تعجز القوى الأمنية عن اعتقالهم وسوقهم أمام القضاء لنيل عقابهم. ولن أدخل حتماً في الوقائع التفصيلية التي تملكها الأجهزة الأمنية على اختلافها حول مواقع مصانع حبوب الكبتاغون ولمن تتبع وبحماية من، ومن هي العصابات الكبرى التي تروّجها ومن أي مناطق تنطلق، لأن كل الوقائع معروفة للبنانيين.
لن أدخل في أي شيء مما سبق، إنما أريد أن أتطرّق لواقعة محددة نتجت عن ممارسة هذه العصابات، ابنة “البيئة الحاضنة” لـ”حزب الله”، وهي القرار السعودي بوقف استيراد الخضار والفاكهة اللبنانية إليها وعبر أراضيها، وتأييد الدول الخليجية للقرار السعودي الذي لوّح باحتمال أن تشمل المقاطعة كل الصادرات اللبنانية إلى الخليج العربية من دون استثناء.
جوهر المشكلة معروف، وهو أن “حزب الله” الذي يهيمن على لبنان بفعل تأثير سلاحه وبالشراكة مع السلطة الحاكمة الحليفة له، أخذ لبنان رهينة في المحور الإيراني، وهو يقوم بالتحريض على السعودية والامارات يومياً وحضّرت خلايا تابعة له عمليات في الكويت، كما يتولى مساعدة الحوثيين في القتال على الأرض وتدريبهم على استعمال المسيّرات لاستهداف السعودية. انطلاقاً من كل هذه الوقائع الثابتة تصبح القرارات السعودية مبرّرة إنطلاقاً من أن الدول تتخذ الخطوات والقرارات التي تناسب مصالحها العليا.
في المقابل، وفي ظل المحاضرات عن كارثية النظام الاقتصادي الذي كان قائماً في لبنان، أي الاقتصاد الريعي، وهي محاضرات محقة في الإطار العام، وفي ظل الحديث عن ضرورة قيام اقتصاد منتج في لبنان، وإزاء إصرار “حزب الله” والعهد على التخلي عن كل حلفاء لبنان وأصدقائه الطبيعيين وعن حاضنته العربية، وفي ظل الإصرار على منطق “التوجه شرقاً”، لا بدّ قبل البحث عن تطوير القطاعات المنتجة أن يتم البحث عن الأسواق اللازمة لتصريف الإنتاج اللبناني زراعياً وصناعياً وحرفياً وعلى مختلف المستويات.
لذلك على جميع المسؤولين المعنيين أن يعتمدوا خياراً من اثنين:
ـ إما إصلاح العلاقات مع دول الخليج العربي إنطلاقاً من البوابة السعودية، وذلك بالالتزام بكل المقتضيات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والإصلاحية، وبما يعني أولاً الانتهاء من سيطرة “حزب الله” على السلطة في لبنان والتخلّص من ممارساته وحضانته لكل المخالفات والخروج على القوانين، وبالتالي استعادة لبنان لعلاقاته الأخوية مع الدول العربية والخليجية خصوصاً بما يعيد فتح أسواقها أمام الصادرات اللبنانية، وبما يعيد استثماراتها وسياحها إلى لبنان فينتعش الاقتصاد اللبناني ويعود إليه بريقه.
ـ وإما البحث عن اسواق بديلة شرقاً، وتحديدا ما بين سوريا (المعاقبة) وإيران (المعاقبة) والصين. وقد يكون من المفيد أيضاً في حال الإصرار على تصدير المخدرات توجيهها إلى إيران أولاً التي يمكن أن تشكل سوقاً كبرى للبضائع المخدرة الممانعة عوض السعودية.
عسى أن يشكل القرار السعودي والذي تبنّته أكثرية دول الخليج العربي صفعة قوية لأركان المنظومة الحاكمة علّهم يستفيقون من غيبوبتهم عن تحمّل مسؤولياتهم واستسلامهم أمام “حزب الله”… وإذا كان لا بدّ من الاستمرار في تصدير المخدرات والكابتاغون فليكن باتجاه راعي المحور: إيران!