كتب جوني فخري في العربية:
أعاد قرار السعودية منع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية أو عبورها من أراضيها، اعتباراً من اليوم الأحد، وذلك بعد إحباط تهريب أكثر من مليوني قرص مخدر مخبأة في شحنات من الفواكه، تسليط الضوء على تجارة المخدرات في لبنان وانتشار زراعتها ومصانعها في مناطق محددة لا تُقيم إعتباراً للدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية.
ويتلازم الحديث عن زراعة المواد المخدّرة والاتجار بها مع الإشارة إلى منطقة البقاع الشمالي (شرق لبنان) القريبة من الحدود مع سوريا، حيث نشطت فيها عمليات تصنيع المخدرات وحبوب الكبتاغون، لاسيما في أماكن خارجة عن سيطرة الدولة اللبنانية.
ومع أن زراعة الحشيشة أو ما يُعرف بـ”القنب الهندي” وغيرها لا تزال تفرض نفسها على مساحات واسعة من الأراضي في مناطق عديدة في البقاع الشمالي، إلا أن المعادلة بدأت تتغيّر منذ سنوات مع رواج صناعةحبوب الكبتاغون.
رواج الكبتاغون على وقع الحرب
فمع انطلاقة الحرب في سوريا عام 2011 وما رافقها من “فلتان” أمني على طول الحدود اللبنانية السورية، دخلت صناعة حبوب الكبتاغون المُخدّرة على خريطة تجارة المخدرات على حدود البلدين، فجعلت لبنان المُنتج الأوّل لهذه المادة حتى العام نفسه، لاسيما بعد إنشاء مصانع أكبر في سوريا نظراً الى زيادة الطلب عليها.
خريطة المصانع
وتنتشر صناعة حبوب الكبتاغون بشكل خاص في مناطق القصير وريف دمشق الخاضعة لسيطرة حزب الله ومجموعات تابعة للنظام السوريا.
ويوجد في هذه المناطق حتى عام 2017، أكثر من 60 مصنعاً بين كبير وصغير لإنتاج حبوب الكبتاغون المنشّطة يتم تسويقها تحت سلطة الأمر الواقع التي تُحكم قبضتها على المعابر الشرعية وغير الشرعية بين البلدين وعلى المرافئ العامة.
ففي العام 2014، تم اكتشاف أكبر مصانع الكبتاغون في لبنان مُقام تحت حسينية الزهراء في مدينة بعلبك شمال البقاع اللبناني.
وفي مطلع العام الجاري 2021، داهمت القوى الأمنية اللبنانية مصنعاً صغيراً في بلدة يونين قرب مدينة بعلبك التي تعتبر من بين مناطق أو قلاع حزب الله، وصادرت أكثر من 3 كيلوغرامات من حبوب الكبتاغون.
مواد شرعية؟!
يشار إلى أن مواد الكافيين ونشا الذرة وحمض الفوميت تدخل كمواد رئيسية في تصنيع الكبتاغون.
ونُقل عن أحد المتابعين لموضوع الكبتاغون في البقاع قوله “أن مصنع الكبتاغون عبارة عن مختبر كيميائي يدخل إلى الأراضي اللبنانية بطريقة شرعية وعلى أساس أنه لوازم طبّية وصيدلانية.
كما يحتاج تشغيله إلى دكتور في الكيمياء الحيوية، وتعتبر تلك الحبوب بمثابة منشّط ذهني تبقي مستخدمه 48 ساعة من دون نوم.
صناعة في سوريا
تعليقا على هذا الملف الشائك، أوضح وزير الداخلية السابق مروان شربل لـ”العربية.نت” “أن صناعة حبوب الكبتاغون تتم في سوريا وهناك معامل موجودة في البقاع داهمها الجيش اللبناني سابقا”
وقال “من المُرجّح أن تكون شحنة المخدرات التي ضبطتها السلطات السعودية أتت من سوريا إلى لبنان عبر الترانزيت (البرّ)، خصوصاً ألا موسم رمّان في لبنان الآن، ثم توجّهت عبر مرفأ بيروت إلى المملكة”.
كما رأى “أن الدولة اللبنانية لا يُمكن أن “تتآمر” على السعودية، لكن هناك تجّار متورّطون بتصدير المخدرات، لاسيما حبوب الكبتاغون إلى الممكلة”.
يشار إلى أنه في السنوات الأخيرة صدرت عشرات التقارير الإعلامية والأمنية التي ربطت بين حزب الله وتجارة المخدرات.
فقبل أشهر، كشفت السلطات الإيطالية أنها تمكنت من ضبط نحو 15 طنا من الكبتاغون، تبين أن حزب الله اللبناني وراءها، بحسب ما أفادت وكالة “نوفا” الإيطالية في حينه.
تحت سيطرة حزب الله
في السياق، اعتبر المحلل العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو لـ”العربية.نت” “أن لبنان كلّه بات تحت سيطرة حزب الله وليس منطقة البقاع فقط التي تزدهر فيها تجارة وصناعة المخدرات، وقرار مداهمة مصانع الكبتاغون لا يعود للقوى الأمنية، لأنها لا تملك الجرأة للقيام بذلك، لأنها تُدرك سلفاً أنها “مصادر تمويل” لتنظيمات مسلّحة (في إشارة إلى حزب الله) أو لأشخاص مقرّبين منه”.
ومع أن أمين عام حزب الله حسن نصرالله أعلن في معرض نفيه خلال إحدى إطلالاته اتّهام حزب الله بتجارة المخدرات “أن تلك المسألة محرمة”، غير أن تقريراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي صادر في نوفمبر 2008، أظهر تناقضاً في كلام نصرالله بإشارته إلى أنه أعلن لأنصاره أن “تهريب المخدرات أمر مقبول أخلاقياً عندما يتم بيع المخدرات إلى الغربيين كجزء من الحرب ضد الأعداء”.
تعقيبا على تلك النقطة، رأى الحلو “أن حزب الله يُحرّم الإتجار بالمخدرات لنفسه إلا أنه “يُحلّلها” لمن يُصنّفهم بالأعداء، أي بعض الدول العربية والغربية”.
نوح زعيتر..أمبراطورية أمنية
ورغم أن حزب الله يُجاهر دائماً بألا علاقة له بتجارة المخدرات ولا بالتجّار، غير أنه معلوم بين اللبنانيين أنه يتغاضى عن أسماء كبيرة تُتاجر بالممنوعات، معظمها من البقاع (شرق لبنان)، كون هؤلاء يقدّمون الدعم المادي للحزب منذ العام 2000، وهم من عشائر معروفة جداً في المنطقة.
ومن أبرز وأخطر هؤلاء التجّار، نوح زعيتر المطلوب بمئات مذكرات التوقيف، لارتكابه أعمال الاتجار بالمخدرات وممارسة العنف المسلّح، والذي جاهر مرارا بوقوفه إلى جانب الحزب.
فقد أصدرت السلطات القضائية ضده حكماً بالأشغال الشاقة والسجن المؤبّد، غير أن هذا الحكم لم يُنفّذ حتى الان بسبب فشل السلطات الأمنية اللبنانية في اعتقاله بسبب تمكّنه من الفرار وإستخدامه الأسلحة النارية في مقاومة القوى الأمنية.
ويتحدّر زعيتر الذي تجاوز الأربعين من عمره، من قرية (الكنيسة) في أقصى البقاع الشمالي اللبناني المحاذي لسوريا، ويُقيم وسط امبراطورية أمنية يتولّى حراستها مجموعات مسلّحة مزوّدة بأسلحة خفيفة ومتوسطة يموّلها من المردود المالي الضخم من تجارة المخدرات.
كما يرتبط بعلاقات مميزة مع “حزب الله” وهو ما وفّر له بحسب مراقبين “حماية” معينة حالت حتى الآن دون اعتقاله.
ولطالما شكّلت سوريا ملاذاً له للهروب من لبنان أثناء حصول إشتباكات مع القوى الأمنية في مناطق مجاورة لبلدته (الكنيسة)، حيث ظهر في إحدى المرّات إلى جانب أبناء عمومة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والتقطا الصور والفيديوهات بهذه المناسبة، ونشرها أحد أقرباء الأسد على فيسبوك.
ولا يقتصر نشاط “امبراطور المخدرات” كما يُلقّب، على تجارة الممنوعات والسلاح وإستعمال العنف، بل قاتل إلى جانب “حزب الله” في المنطقة الممتدة على الحدود السورية اللبنانية، من جهة مناطق القلمون، وصولا إلى منطقة الزبداني السورية السياحية الشهيرة.
وانتشرت صور له وهو يحمل السلاح المتوسط ويتدرب على السلاح الثقيل، في وقت سابق، مع ميليشيات مسلّحة تابعة لإيران، على الحدود السورية اللبنانية.