كتبت الأنباء الكويتية:
بعدما تأكد الفرنسيون من أن مبادرتهم في لبنان تعثرت وأجهضت، وهي المبادرة التي تنطلق من تشكيل «حكومة مهمة» تتولى الإصلاحات الداخلية وتحفز الدعم الخارجي، طلب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الشهر الماضي من مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل العمل على ورقة خيارات لإشراك الأوروبيين في القضية اللبنانية وطلب من وزراء خارجية الاتحاد أن يكونوا مستعدين لمساعدة لبنان الذي ينهار ويغرق.
وبالفعل، توصل الاتحاد الأوروبي الى «ورقة خيارات سياسية» للتعاطي مع الأزمة اللبنانية تضمنت «حوافز» وعقوبات لدفع الطبقة السياسية الى إخراج البلاد من المأزق:
1- الحوافز تتضمن استئناف محادثات فاعلة وعاجلة مع صندوق النقد الدولي لدعم الإصلاحات الاقتصادية الأساسية في لبنان، على أن يتم تدشين برنامج للمساعدة المالية الكلية، بمجرد إقرار برنامج صرف يتبع صندوق النقد، إضافة الى:
– بدء مفاوضات لأولويات الشراكة بين – 2021 و2027، معطوفا على اشتراط تشكيل حكومة جديدة في لبنان.
– تنفيذ القسم المتعلق بلبنان في «أجندة جديدة لحوض البحر المتوسط» التي أقرت في شباط الماضي، ما يعني الحصول على قروض ميسرة من الاتحاد الأوروبي بعد إعادة هيكلة النظام المالي.
– إرسال بروكسل بعثة من صندوق النقد الدولي الى لبنان للتعاون مع الحكومة الجديدة فور تشكيلها.
– اتخاذ إجراءات تتعلق بالعجز التجاري في لبنان، ورفع مستوى دعم المجتمع المدني اللبناني.
– إرسال بعثة لمتابعة موضوع الانتخابات وتحفيز المساعدة الفنية وإرسال بعثة مراقبة الانتخابات العام 2022.
2 – العقوبات تفرض على «مقربين من المسؤولين» عن الأزمة والانتقال لاحقا الى استهداف «المسؤولين مباشرة»عن إطالة أمد الأزمة، بغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الطائفية.
وسيشمل نظام العقوبات فرض حظر على دخول الاتحاد الأوروبي وتجميد أموال وحظر إتاحة أموال أو موارد اقتصادية لأشخاص تشملهم العقوبات التي سيكون لها تأثير رادع يتضمن إرسال إشارة واضحة للطبقة السياسية اللبنانية بأن الاتحاد الأوروبي عاقد العزم على اتخاذ خطوات ملموسة لتيسير الخروج من الأزمة.
وتتطلب المقترحات موافقة المجلس الوزاري الأوروبي وتوفير الأرضية القانونية لإقامة «نظام عقوبات خاص بلبنان»، أسوة بدول أخرى بدأ الاتحاد الأوروبي بمعاقبتها.
وكانت الآمال متعلقة على الاجتماع الأوروبي الأخير لمناقشة «ورقة بوريل» واتخاذ القرارات المناسبة بخصوص لائحة العقوبات، ولكن شيئا من كل ذلك لم يحصل، وبدت الأمور متجهة الى مزيد من الانتظار الذي يبدو أنه سيطول، لأن الموضوع يحتاج الى مزيد من الاجتماعات والمناقشات.
واستنادا الى مصادر ديبلوماسية أوروبية، فإن موضوع العقوبات ليس بالسهولة والسرعة اللتين يتصورهما البعض، وهناك جملة عوائق وعقبات تعترض صدور العقوبات الأوروبية في وقت قريب، وأبرزها:
** «افتقاد» الأساس القانوني الذي يمكن أو يجب الاستناد إليه، إذ لا شيء في القوانين الأوروبية اسمه «منع تشكيل حكومة».
فنظام العقوبات في بروكسل هو «على دول مثل ليبيا وسوريا وإيران وغيرها حيث هناك حوالى 50 دولة خاضعة للعقوبات الأوروبية، فضلا عن وجود نظام عقوبات على خرق حقوق الإنسان ونظام عدم انتشار الأسلحة النووية والكيمياوية، أما بالنسبة للبنان فليس هناك نظام عقوبات محدد».
وهذا يتطلب اتفاق الدول الـ 27 على الموضوع، بحيث سينطلق بعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد عمل مجموعة الدول الأوروبية للبحث في احتمال فرض عقوبات على الأفرقاء اللبنانيين المعطلين، ما يعني بدء العمل على معايير تحديد من هم المعطلون، وهذا بحد ذاته أمر صعب، وفق ما يؤكد المسؤول الأوروبي لأن المعيار سياسي وليس قضائيا نظرا لكون تعطيل تشكيل الحكومة أو تعطيل الاصلاحات مسألة سياسية.
٭ الحاجة الى إجماع سياسي بين دول الاتحاد الـ 27 على فرض العقوبات وتحديد أنواعها ودرجاتها وهوية الأشخاص الذين ستفرض عليهم وانتماءاتهم السياسية، والتأكد أنها ستكون فاعلة ولن تأتي بنتائج معكوسة، فتدفع بالذين طالتهم الى مزيد من التصلب والتشدد بدل التعاون. والحال أن الكثير من الدول الأوروبية لا تبدي اهتماما يذكر بلبنان ولا يشكل لديها أولوية.
ويكاد الأمر يقتصر على دول محددة أولها فرنسا. والأوروبيون منشغلون حاليا بملفات حساسة وكثيرة كالعلاقات مع روسيا، وأزمة أوكرانيا، والعلاقة مع تركيا، وصراع شرقي المتوسط، والمفاوضات مع إيران والاتفاق النووي، وجائحة كورونا، الى جانب استيعاب تداعياتها الصحية والاقتصادية).
٭ التباين داخل فرنسا في النظرة الى موضوع العقوبات وكيفية التعاطي معه، وحيث يسود رأيان:
– الأول يطالب بالشروع فورا بإجراءات تطبيقية حيال ما بات يعرف بتجميد الأصول والودائع ومنع السفر، لأن المبادرة الفرنسية استنفدت نفسها، والنتيجة جاءت لتصيب معنويا الدور الفرنسي. أضف الى ذلك أن المسؤولين عن ولادة الحكومة غير مهتمين بالواقع الكارثي والذي ينزلق بسرعة الى كارثة تطال وجود الدولة وكيانها، وهو ما يضاعف باب الاستفادة الإقليمية على حساب مصلحة لبنان.
لذلك، لابد من استعمال العصا كي لا يستمر هؤلاء في تفسير المرونة الفرنسية بأنها ضعف، لاسيما أن المصالح الشخصية لهؤلاء في أوروبا واسعة وكبيرة ومتعددة.
– الثاني، أقل اندفاعا وأكثر ترو في مسألة إعلان العقوبات، من خلال طرحه أسئلة عدة في هذا المجال، مثلا: هل تتوافر موافقة الدول الأوروبية الأعضاء؟ وهذا سيتطلب وقتا ليس بقليل؟
ومن هم الأشخاص الذين سيجري تحديدهم ووفق أي معيار؟ وما الأسباب التي سيجري الاستناد إليها لفرض العقوبات؟ وهل تهمة عرقلة ولادة الحكومة كافية لتجميد الأصول والأرصدة؟
وهل ستؤدي خطوة من هذا النوع الى الدفع باتجاه ولادة الحكومة أم الى واقع أسوأ؟
أنصار هذا التوجه يعتبرون أن العقوبات الأميركية زادت الوضع تعقيدا وتأزما.
وأن فرنسا يجب أن تظهر الحرص على عدم قتل مبادرتها في لبنان والاحتفاظ بدور الوسيط الذي ستفقده فيما لو فرضت عقوبات على فريق وانحازت الى آخر.
٭ صعوبة الفصل بين البعد الداخلي والبعدين الإقليمي والدولي في الملف اللبناني والتشابك بينها جميعا، وعلى سبيل المثال ثلاث دول أوروبية، إضافة الى المفوضية، ضالعة في مفاوضات حساسة بشأن الملف النووي الإيراني والتنبه لعدم «تخريبه» عن طريق فرض عقوبات على حزب الله.
يضاف الى ذلك أن الفرنسيين يطرقون الباب الخاطئ عندما يحصرون الأزمة بالأسباب الداخلية ويتغاضون عن العوامل الخارجية.
باريس تحتاج الى ضمانات خارجية عجزت عن تأمينها حتى الآن، فيما لاتزال واشنطن «تراوغ» ولا تريد منح الفرنسيين ورقة رابحة في الوقت الضائع، فيما طهران الخائبة من الموقف الفرنسي والأوروبي لم تقدم شيئا وأبلغت باريس تكرارا أن حزب الله معني وحده باتخاذ القرارات على الساحة اللبنانية.